* من يوم استشهاد محمد لم يقف معي أي مسئول فلسطيني * سأقبل الخروج من غزة لأنجو بعائلتي من الانقسام والحصار * الثورات العربية أعطت "ذريعة" لانفراد إسرائيل بالفلسطينيين * إسرائيل هددتني بالقتل ودمرت منزلي مرتين * السلطة الفلسطينية عاجزة عن استرداد حقوق الشعب * الانقسام بين "فتح وحماس" حقق حلم شارون * حماس كونت "ثروة فاحشة" من إدارتها لغزة * شعب غزة والضفة يدفع ضريبة الانقسام الداخلي * عبارات الشجب والإدانة لا يمكن صرفها من أي بنك في العالم 16 عامًا مرت على رحيل الشهيد الفلسطيني محمد الدره، تلك الأيقونة التي اشعلت فتيل الإنتفاضة الفلسطينية الثانية، حتى بات خبر الاستشهاد معتادا، ورائحة الدماء تفوح من شاشات العالم العربي بأسره.. طفل يحتمي برصاص الاحتلال في جسد والده الذي راح يلوح لهم بيديه أن يكفوا عن إطلاق رصاصهم، ولكن هيهات ! وفي كثير من بلداننا العربية، يتخيل العامة أن والد الشهيد قد توفي معه في الحادثة، لكن جمال الدرة ما زال حيا يرزق، إلا أن الحادثة خلفت في جسده إصابات بالغة الخطورة وتحتاج إلى تدخل جراحي دقيق في أوروبا. ومع مرور ذكرى استشهاد الدرة التي توافق 30 سبتمبر من كل عام، أجرت "فيتو" حوارا مع والد الطفل الشهيد: *عقب مرور 16 عامًا على استشهاد محمد هل ترى أملا في استمرار قضيتك أمام الاحتلال ؟ الأمل موجود دائمًا، ولكن للأسف من يوم استشهاد محمد إلى الآن، لم يقف معي أي مسئول فلسطيني على الإطلاق، حتى إنهم لم يبادروا بعمل أضعف الإيمان من خلال الاتصال بي، ولم يساندني أحد في قضاياي المقامة في المحاكم الفرنسية ضد الكيان الصهيوني. وعلى النقيض تمامًا ترى دولة الكيان بأكملها متحدة أمامي في القضايا، وعلى الرغم من فوزي بالقضية، إلا أن الكيان استطاع عمل استئناف للحكم وتم فصله لصالحه، وعندما حاولت الاستئناف مرة أخرى إلى المحكمة العليا لم أستطع، لأن مثل هذه القضايا تحتاج لمبالغ باهظة فلم أستطع الدفع، وناشدت مؤسسات الدولة والحكومة للوقوف بجانبي لأنها ليست قضية للدفاع عن حق الشهيد محمد الدرة فحسب، ولكنها قضية أمة ووطن وشهداء ومعتقلين، ولكن "لا حياة لمن تنادي". *ما نوع العقاب الذي تنتظره من المحاكم ضد الكيان الإسرائيلي؟ يكفيني إدانتهم التي ستكون بمثابة إدانة دامغة على كل الجرائم والمجازر التي ارتكبوها في حق شعبنا وأمتنا. *هل تعرضت للتهديد والابتزاز للتنازل عن قضيتك أمام إسرائيل؟ بالطبع، تم تهديدي عدة مرات من الكيان، تارة يكون التهديد بالقتل عبر اتصالاته على هاتفي الجوال، ويكون ردي دائمًا أنكم لن تحركوا شعرة في رأسي، فمادمت حيًا وسأبقى ألاحقهم أينما كانوا. كما تم تدمير منزلي عن طريق القصف الجوي، خلال الحربين الأخيرتين على غزة، ولكن تهديداتهم وابتزازهم لم يضعف عزيمتي يومًا وإنما يزيدني إصرار على نيل حقي. *تتلقى مرتب شهيد وجريح مقابل استشهاد محمد وإصابتك فهل يكفيك ذلك الراتب للعيش ؟ بالطبع لا يكفيني، فعائلتي مكونة من 12 شخصًا، بعضهم في المدارس وآخرون بالجامعات، ونظرًا لارتفاع أسعار التعليم الجامعي في فلسطين، يدرس أبنائي الفصول الجامعية بالتبادل فيما بينهم ليعطي كل منهم المجال للآخر.. ما أريد قوله إن الراتب لا يكفينا بالمرة بسبب ارتفاع الأسعار إضافة إلى تكاليف علاجي. *هل يمكن القول إن السلطات الفلسطينية عاجزة عن استرداد حقوق شعبها؟ بالتأكيد عاجزة.. ويأتي هذا نتيجة للعجز العربي وعدم المساندة الكاملة للسلطة والشعب، مانراه فقط هو الشجب والإدانة التي لا يمكن صرفها من أي بنك في العالم. *كيف يؤثر الصراع بين فتح وحماس على حقوق الشعب الفلسطيني نفسه؟ ما يمكن قوله إن الانقسام دمر القضية الفلسطينية بالكامل، لأننا حققنا حلم شارون -رئيس الكيان السابق- بأيدينا، ويهدف هذا الحلم لإقامة دولة غزة، وإحالة الضفة الغربية لمجرد "كونتات معزولة" بحكم ذاتي. ومن جهة أخرى.. الانقسام أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في عزة، فلا يوجد عمل وخريجو الجامعات يجلسون بلا وظائف، وكثرت عمليات الانتحار بشكل ملاحظ في الفترة الأخيرة، ناهيك عن حصار غزة من خلال إغلاق المعابر بشكل كامل، فتجد نفسك كأنك في سجن بمعزل عن العالم، فيما يجلس المسئولون على كراسٍ من ذهب بلا حراك. *تبنت بعض الدول أسرتك عقب استشهاد محمد الدرة فهل مازل هذا التبني قائما أم أنه مجرد حبر على ورق ؟ كان التبني لأسرتي وتعليم أبنائي "شو" إعلامي فقط لاغير، ولكن لا شيء حقيقي على أرض الواقع. *ما العائد الذي جنتة غزة من سلطة حماس ؟ غزة لم تجن شيئًا، وإنما حماس هي من جنت السلطة والمال والحق في اتخاذ القرار في غزة، فأصبح سياسيوها في غنى فاحش، أما شعب غزة هو من يدفع الثمن الحقيقي في مواجهة الانقسام والمحتل، بالطبع نحن جميعًا مع المقاومة لأنها حقنا المشروع، ولكن يجب أن تكون الفصائل الفلسطينية موحدة القرار، ليكتمل نصاب المقاومة الحق. *تدور بعض الشائعات عن ترشيح مروان البرغوتي للرئاسة الفلسطينية فما الذي تتوقعه منه حال فوزه بالرئاسة ؟ أظن أنه حتى لو تم ترشيح البرغوثي للرئاسة لن يسمح الكيان بخروجه من السجن ليتقلد الحكم، وذلك لأن البرغوثي هو الشخص الذي سيضرب بكل المواثيق الدولية عرض الحائط، وسيفعل ما يمليه عليه ضميره تجاه الشعب، ولكن يجب أن يحظى البرغوثي أولا بدعم عربي وإقليمي، لأنه لن يستطيع عمل شيء وحده. *لماذا يرى الفلسطينيون في البرغوثي ياسر عرفات الثاني ؟ لأنه معروف بنظافة اليد، وسيرته وأعماله ومقاومته بمثابة بطاقة تعريفية له أينما ذهب. *ماذا لو جاءتك فرصة للعيش خارج مدينة غزة..هل ستنتهز الفرصة وتوفر العيش الكريم لباقي أبنائك ؟ عرضت على الكثير من الفرص فيما سبق، ولكني لم أكن لأقبل بالخروج من مدينة غزة رغم ظروف الحرب والدمار التي نعيشها بشكل يومي، أما الآن وفي ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية والانقسام السياسي الذي يدفع ضريبته الشعب، سأقبل بالخروج لو عرضت على فرصة مرة أخرى، ولكن بشكل مؤقت من أجل تعليم أبنائي وبناء مستقبلهم، وأؤكد أنه لو لم يوجد انقسام وحصار لما خرجت يومًا من غزة. *لو وجهت كلمة للرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن.. ماذا ستقول؟ لا أطلب منه سوى إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي بشكل عاجل، وتوحيد الصفوف من أجل صون القضية والشعب. *إسرائيل ؟ أقول لها إنها زائلة لا محالة في ذلك، عاجلا أم آجلا. الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية ل "فيتو".