"بيتهوفن مصر"، لقب استحقه الموسيقار الراحل على إسماعيل فقد كان فنانا صاحب موهبة فنية متنوعة لم تتكرر في تاريخ الموسيقى العربية، يكفى أن تسمع لحنا مثل لحن أغنية أم البطل لتدرك أنك أمام مدرسة خاصة في التلحين، تعرف متى تُبكيك وتعرف متى تجعلك ترقص فرحًا. وفى ذكرى حرب أكتوبر المجيدة لا يمكن ألا نتذكر الموسيقار علي إسماعيل صاحب اللمسات الواضحة والمؤثرة على الأغانى الوطنية في فترة ما قبل وأثناء وبعد الحرب العظيمة، فهو كغيره من أبناء مصر المخلصين عايش الواقع وتأثر به، تمزق واعتصر قلبه الألم في فترة نكسة 1967، حتى إنه كاد يفقد حياته نتيجة الصدمة خاصةً أنه كان ذلك الحالم الكبير بالنصر والملحن العظيم الأشهر وأهم أغانى تلك الفترة فعندما حدثت النكسة عرفت كيف تكسره تمامًا، وظل هكذا حتى استجمع قواه مرة أخرى وانطلق وقدم روائع الأعمال الوطنية في حرب أكتوبر، نتعرف على مشوار "بيتهوفن مصر" من النكسة إلى النصر. الحديث عن إنجازاته في مجال الموسيقى لا يمكن تلخيصه في سطور قليلة فمنها أنه كان أول من أدخل "الهارموني" إلى الموسيقى الشرقية، وكان أمهر موزع موسيقي في زمانه بحسب شهادات الجميع. توزيعاته تزين أجمل الألحان وأشهرها وبينها العدد الأكبر من أغاني العندليب عبد الحليم حافظ، وهو مؤلف موسيقى عظيم أضاف بمقطوعاته سحرا خاصا على 350 فيلما من أروع ما أنتجته السينما المصرية مثل الأرض، والأيدي الناعمة. كانت تجربته مثيرة للدهشة حتى بتناقضاتها، فهو الموسيقار الذي وقف أمام عبدالناصر في حفلات ذكرى ثورة يوليو كقائد للأوركسترا، وخرجت من بين أنامله ألحان وتوزيعات أجمل الأغاني الوطنية والثورية، وهو نفسه الذي اكتشف عايدة الشاعر وقدم لها ألحانا شعبية ومنها "الطشت قاللي، وكايدا العزّال أنا من يومي"، ووزع لمحمد عبدالوهاب واحدة من أصعب القصائد الغنائية "لا تكذبي"، ولحن ووزع أشهر التابلوهات الراقصة لفرقة رضا وفى نفس الوقت اخترع فرقة الثلاثي المرح ولحن أجمل مونولوجات شكوكو وثريا حلمي، وكلها إنجازات تؤكد أنه حقًا موهبة عظيمة امتلكت مفاتيح التنوع فاستحق لقب بيتهوفن عاشق الموسيقى. نشأ في أسرة تنتمي للطبقة المتوسطة، وكان والده رئيسًا للفرقة الموسيقية الملكية، لكن ذلك لم يجعله مواليا للملكية، وقد عشق الموسيقى والوطنية معًا في مؤسسة الجيش المصري عندما التحق بفرقة الموسيقى العسكرية أثناء فترة تجنيده، وفى تلك الفترة عرف معنى الثورة على الأوضاع السياسية الفاسدة في البلد، فضلًا عن تشبعه بثورة موسيقية متمردة على وضع ومستوى الموسيقى الشرقية والراغبة في التجديد. كان على إسماعيل قريبا من نبض الشارع، حيث كان يعمل عازفا في كازينو بديعة، المدرسة الكبيرة التي تخرج فيها عظماء الفن، وكان مؤيدا لثورة 23 يوليو منذ لحظتها الأولى، ووضع نفسه وفنه في خدمتها، ومع عبد الحليم حافظ وكمال الطويل زميليه في معهد الموسيقى وصلاح جاهين، قدم أجمل وأصدق الأغاني الوطنية التي يمكننا أن نؤرخ بها للمرحلة الناصرية. كان مؤمنًا ومصدقًا بالثورة وقضيتها ولم يكن الأمر مجرد غنوة يلحنها أو يوزعها، بدليل أنه عندما وقعت نكسة يونيو داهمته أول أزمة قلبية، وأصيب بانهيار عصبي كاد يكلفه حياته، وعن تلك الفترة قالت ابنته في أحاديث سابقة: "لم تستطع أعصابه أن تتحمل انهيار حلمه الكبير، لكن قناعاته لم تهتز، وأذكر أنه تحامل على نفسه وخرج في المظاهرات الرافضة لتنحي عبدالناصر، وأذهلني أن أرى هذا العملاق يبكي، ومازال منظر دموعه محفورا في ذاكرتي لا ينمحي أبدا". أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 لحن أغنيته الشهيرة "دع سمائى" التي غنتها المطربة فايدة كامل التي ألهبت المشاعر في هذه الفترة وفى السبعينيات بشر الموسيقار الكبير بالنصر والعبور في حرب أكتوبر 1973، عندما قدم أغنيات كثيرة منها "رايات النصر"، وأغنية "رايحين شايلين في إيدنا سلاح"، ولحن لشريفة فاضل أغنيتها المعروفة "أم البطل". رحل الموسيقار الكبير على إسماعيل في 16 يونيو 1974 على خشبة مسرح ليسيه الحرية، وذلك أثناء بروفة مسرحية "كباريه" حيث وقع مغشيا عليه ونقل إلى المستشفى وفارق الحياة في قمة مجده وحصل الموسيقار الراحل على العديد من الجوائز، ولعل أهمها عندما قام الرئيس محمد أنور السادات بافتتاح متحف في منزله في حفل رسمي حضره كبار رجال الدولة، فكانت خير تكريم له ولأسرته عن دوره كفنان وطنى من المقام الأول، وافتتح المتحف فى 13 يونيو 1975.