غضب البورسعيدية بسبب الحكم فى «مذبحة الألتراس».. شائعات باقتحام مديرية الأمن والسجن وضرب النار بشكل عشوائى.. سقوط 30 شهيدا ونزول الجيش.. وضرب الرصاص على الجنازة.. ثلاثة أيام أعادت إلي شعب بورسعيد ذكريات العدوان الثلاثى, فلم يكن البورسعيديون يتوقعون أبدا أن تصل بهم التظاهرات الغاضبة إلى تشييع أكثر من 60 شهيدا, ومواساة أكثر من ألف مصاب برصاص حى, بسبب الحكم في مذبحة استاد بورسعيد بإعدام 21 شخصا, الذي يعده البورسعيديون مسيَّسا ارضاء للأهلى. شهود عيان يروون ل«فيتو» تفاصيل أخطر ثلاثة ايام قضتها بورسعيد: قادة عسكريون مكلفون بحماية السجن ومدينة بورسعيد, يروون تفاصيل نزولهم الى الشارع بعد الداخلية, خاصة بعد سقوط الكثير من القتلى, القادة أكدوا لنا أن الأمور كانت فى طريقها للتأزم اكثر بعد سقوط الكثير من القتلى, موضحين أن وهناك ملثمين أطلقوا النار بشكل عشوائى على المتظاهرين الغاضبين من الحكم, وكانت هناك محاولات من بعض البلطجية لاقتحام السجن, وتهريب المسجونين, وتم إلقاء القبض على عدد كبير من البلطجية والمتهمين الرئيسيين, وشددوا على أن الجيش لن يترك بورسعيد إلا بعد الانتهاء من إلقاء القبض على البلطجية وعودة الأمن. ذكرى الثورة.. ليلة الحكم فيما يحكى شهود عيان من أبناء بورسعيد تفاصيل الأيام الصعبة التى عاشتها المدينة الباسلة بعد الحكم فى قضية المذبحة، موضحين أنه فى يوم 25 يناير احتفل الاهالي بذكرى الثورة, وخرجت أربع مسيرات كبرى, التقت جميعها أمام مسجد مريم بحى المناخ, ووقعت اشتباكات طفيفة بين المتظاهرين ومجموعات ألتراس المصرى بشارع الثلاثينى, أثناء التقاء المسيرات الاربع التى خرجت من المساجد بعد صلاة الجمعة, فقد حاول شباب الألتراس إثناءهم عن الهتافات ضد النظام والإخوان, وطالبوهم بالانضمام إليهم, والهتاف للمسجونين فى قضية ستاد بورسعيد, الامر الذى تطور الى شتائم متبادلة بين الجانبين واشتباكات بالايدى, سرعان ما انتهت بعد تدخل العقلاء, وهتفوا جميعا «إيد واحدة.. إيد واحدة». وسيطر شباب الألتراس على المسيرات الحاشدة, وساروا وهم يرددون هتافاتهم المعادية لألتراس الاهلى, بطبولهم واعلامهم الخضراء, واشعلوا الشماريخ ظهرا, تضامنا مع اشقائهم المحبوسين فى قضية استاد بورسعيد, وتوجهوا فى حشود الى سجن بورسعيد العمومى, حيث زنازين المتهمين في مذبحة بورسعيد، بعد أن أغلقوا تماما شارع محمد على المجاور للسجن, وقامت ادارة المرور بإغلاق شارع محمد على من أمام مديرية الزراعة وكلية التربية الاساسية, وتحويل السيارات بسبب سد المتظاهرين للشارع امام السجن. وأكد المعتصمون أمام السجن انتظار الحكم, وأنهم لن يسمحوا بأن يخرج المتهمون من السجن، للذهاب إلى المحاكمة، وعلقوا لافتات متعددة بجدران شارع محمد على كتبوا عليها: «يضغطون على القضاء بكل الألوان.. احذروا غصب مدينة هادئة حتى الآن», وردد بعض المتظاهرين هتافات غاضبة ومعادية للنادي الأهلي وجماهيره، وهتفوا للمساجين: «وحشتونا.. وحشتونا». كما واصل أهالي المتهمين ببورسعيد، اعتصامهم فى الخيام والسرادقات التى نصبوها، فى انتظار الفرج, وما تسفر عنه محاكمة أولادهم, وأشعل لهيب ألتراس بورسعيد الشماريخ والألعاب النارية، التي أطلقوها أمام السجن هاتفين «حنموت عليهم.. حنموت عليهم». واستعدت قوات الداخلية للتأمين بعدد من عربات الأمن المركزي والمدرعات، ووقفوا على أهبة الاستعداد أمام السجن، تحسباً لأي هجوم يحدث من طرف جماهير النادي المصري الغاضبة، ولم يبد أي من أفراد الأمن علمهم بما سوف يتم إجراؤه، قائلين إن مهمتهم هي حماية السجن من الاقتحام. الشائعات.. أزمة وفى مساء هذا اليوم انطلقت الشائعات تملأ سماء بورسعيد في محاولة لاستفزاز روابط التراس مصراوى, إلا أن العقلاء من أبناء المدينة احتووا هذه الشائعات حتى يمر اليوم بسلام, وكانت أهم وأخطر هذه الشائعات أن عددا من روابط ألتراس اهلاوى من أبناء ببورسعيد يخططون لتنظيم تظاهرة بميدان الشهداء «المسلة» للمطالبة بتطبيق أقصى عقوبة على المتهمين.. الشائعة الثانية كانت بوصول عدد من المصابين من ألتراس مصراوى لمستشفى الزهور بعد اشتباكات مع رجال الأمن. ووصل الأمر إلى إطلاق شائعة باقتحام بعض الثوار مبنى مديرية الأمن وإحراق المبنى, وإعلان ألتراس الاسماعيلى الانضمام لألتراس المصري, في حال زحف ألتراس اهلاوى الى بورسعيد يوم السبت, وتزعم المحامى أشرف العزبى-عضو هيئة الدفاع عن المتهمين فى قضية ستاد بورسعيد- الحديث من المنصة التى أقامها شباب الالتراس أمام سجن بورسعيد العمومى, وأكد خلال كلمته للحشود أمام السجن أن قضية الثورة وقضية الالتراس وشبابنا المحبوس قضية واحدة, وقال: «نحن لم نستكمل مطالبنا بعد فى القضيتين, ويجب علي الجميع الوقوف صفا واحدا ضد الظلم, ومع المتهمين, حتى نحتفل ببراءتهم اليوم السبت. 26 يناير.. يوم المحاكمة اجتاحت المدينة الباسلة تظاهرات غاضبة بشوارع 23 يوليو ومحمد على وشارع 100, اتجهت إلى ستاد بورسعيد, واخرى متجهة إلى قسم شرطة بورفؤاد للمطالبة بإسقاط الرئيس مرسى, يرفضون قراره بإعلان حالة الطوارئ بمحافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية لمدة 30 يوماً, كما يحظر التجوال من الساعة التاسعة مساء حتي السادسة صباحا فى نطاق المحافظات الثلاث, طوال مدة إعلان حالة الطوارئ. وهتف المتظاهرون: «الشعب يريد إسقاط الرئيس.. والشعب يريد دولة بورسعيد.. وباطل.. حكم المرسى باطل.. والمرشد باطل.. يا مبارك نام واتهنى.. انت وراك أحفاد البنا». فى الوقت الذى هاجم فيه عدد من المتظاهرين منزل الداعية السلفى الشيخ عبدالمنعم عبدالمبدئ بحى الزهور ببورسعيد, بإلقاء الحجارة وتحطيم سيارته, بسبب تأييد الشيخ عبدالمنعم لمرسى, الذى يستفز الناس فى الشارع. رموز بورسعيد أكد الكاتب قاسم مسعد عليوة- عضو اتحاد الكتاب- رفضه التام لخطاب مرسي الذى يحمل لهجة التهديد والوعيد, ويصفه بأنه كان خطابا أمنيا أكثر منه سياسيا, والحوار الذى دعا إليه شأنه شأن الحوارات الاخرى, والخطاب غامض وملتبس, ولجوء مرسي الى الحل الامنى معيب, ويدل على عجزه الادارى, وأن حبسه لأهالى مدن القناة لمدة شهر سوف يكون له مردود سئ دوليا, وان الدول التي تعبر ناقلاتها قناة السويس قد تطالب بتدويل الملاحة فى قناة السويس, في مواجهة عجز الادارة المصرية. جرجس جريس- عضو حزب المصريين الأحرار- أوضح أن المادة 148 من الدستور تنص علي «أن رئيس الجمهورية يعلن حالة الطوارئ بعد أخذ رأى الحكومة على النحو الذى ينظمه القانون, ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية», وهو لم يطبق النص الدستوري, وفرض حالة الطوارئ, ولم يقل إنه استطلع رأى الحكومة, وهذه تخالف المادة الدستورية, مؤكدا أن بورسعيد لن تهدأ بسبب سقوط الشهداء يوميا. أين حرمة الموتى؟ فى يوم 27 يناير, وأثناء خروج الجنازات أطلق رجال أمن نادى الشرطة- الذى يقع امام الجبانات- عبوات الغاز المسيل للدموع على المشيعين, فانطلقت شرارة الفوضى العارمة, حتى إن بعض هذه القنابل أصاب أحد النعوش, لتسقط منه الجثة على الارض, وتصرخ النساء, ويحاول البعض حماية الجثث فى مداخل العمارات, وخوف المشيعين من الموت بعد أن تم تبادل اطلاق النار بين بعض المشيعين ورجال أمن نادى الشرطة, وتلاحقت الاحداث بسرعة البرق. الاحداث المؤلمة اجبرت الجميع على الوقوف فى خندق واحد, ضد رجال الشرطة الذين اطلقوا الرصاص الحى من خلال قناصة منتشرين على اسطح المنازل يوم 26, وهي الاحداث التى سقط خلالها 36 قتيلا, بينهم ضابط وأمين شرطة تابعان لقوات الأمن المركزى, أثناء دفاعهما عن السجن بعد النطق بالحكم. كانت الاحداث رغم سخونتها تسير هادئة وحزينة, فقد خرجت المدينة الباسلة علي بكرة أبيها الى مسجد مريم، بشارع الثلاثينى بحى المناخ لتشيع جثامين القتلى فى مذبحة السجن وقسم العرب.. أهالي الضحايا يقفون، يتلقون عبارات المواساة من الأهالي الذين احتشدوا، لا يرى لهم أول من آخر, حتى وصلوا من كثرتهم الى كلية التربية النوعية, جنازة شعبية حاشدة لم تر بورسعيد مثلها من قبل, كثيرون لا يستطيعون أداء الصلاة من الأعداد الغفيرة حول المسجد.. ينهي الإمام صلاته، وينادي أسماء القتلي داخل النعوش, ثم يدعو لهم بالمغفرة والرحمة, فى مشهد كيوم الحشر, خيم فيه الحزن والغضب علي الجميع, شعب بورسعيد ناقم على الدولة التى تركت ابناءها يقتلون فى المدينة الباسلة, بلا دية, ثم خرجت النعوش تباعاً، تغوص فى شلال من البشر, الكل يحاول أن يحملها، لينال شرف الإمساك بالنعش الذي يرقد فيه أحد اقاربه، تنطلق الهتافات من القلوب، يعتصرها الألم.. «لا إله إلا الله».. فيردون «محمد مرسي عدو الله».. فيكررون الهتاف طويلاً، تسير الجنازات ببطء شديد، حتى تصل الجنازة المهيبة إلى شارع الثلاثيني من ناحية القوات المسلحة، الجميع يبكي, والهتافات تستمر، تطالب بحقوق الشهداء، وتعلن بورسعيد دولة مستقلة عن مصر. إطلاق الرصاص على الجنازة وفجأة يتحول المشهد الى فوضى, فقد فوجئ المشيعون بجوار نادي الشرطة باطلاق غاز مسيل للدموع، ويسقط عدد كبير من المشيعين مصاباً باختناق شديد.. سكان العمارات يلقون زجاجات الخل والمياه الغازية؛ لمعاونة الناس على مجابهة قنابل الغاز.. تبدأ طلقات الرصاص في الانطلاق، تخرج مدرعة تطلق الرصاص في الهواء، وتخرج مصفحة بعدها ترمي بقنابل مسيلة للدموع، يفر المشيعون، البعض يقرر العودة هربا من جحيم الموت, والبعض أصر ان يكمل الطريق، قائلا: «ياروح مابعدك روح», ويستمر الهجوم على الأندية, ويتمكن الشباب الثائر من وضع المتاريس بناصية المركز الدائم للشباب, واستخدموا فى ذلك صناديق القمامة الحديدية الخاصة بحى الزهور.. أعد البعض عدداً من قنابل المولوتوف يلقى بها داخل الأندية، فأشعلوا النيران فى نادى الشرطة حتى ان النيران قد وصلت إلى مقابر اليونانيين بمدخل المدينة.. يتمكن الشباب من دخول نادى القوات المسلحة المجاور لنادى الشرطة, ويستولون على الملاءات ويوزعونها على بعضهم ليلثموا بها وجوههم.. ثم يهجمون مرة أخرى.. والكل يصرخ «حرام على مرسى والإخوان.. ماذا يريدون بنا.. هل يريدون إبادتنا؟». شعب بورسعيد ساخط على الحكومة والشرطة التى اعتبروها عدوهم الاول, يستنكرون حالة الصمت التى تجتاح المسئولين فى الدولة.. لا أحد يستنكر ما يحدث.. لا أحد يتحدث.. الصمت المحزن.. على أحداث مفجعة تقع فى مدينة لا تستحق كل هذا الجحيم والموت.. مدينة دفعت ضريبة الدم منذ حفر قناة السويس, مرورا بالعدوان الثلاثى, وهزيمة 67 وفترات التهجير وحرب اكتوبر. الهجوم على السجن ونظم الغاضبون تظاهرة بجوار قسم المناخ, ورددوا هتافات معادية لمرسى وحكومته, حتى بدأ أحد الشباب إلقاء حجارة على القسم, الذى وقف جنوده وضباطه على سطحه فاطلقوا الغاز المسيل للدموع والرصاص الحى, فانفضت المسيرة سريعا.. وتحول المشهد بالتتابع الي قسم شرطة الضواحى, الذى شهد أيضا محاولات اقتحام وضرب نار من ملثمين في سيارة ربع نقل بيضاء, ولكن الامن سيطر على الوضع وتصدى لهم. تكرر المشهد فى العرب, ولكن ما حدث كان كارثيا, فقد حاول المتظاهرون اقتحام القسم, فردت القوات المكلفة بتأمينه بضراوة على المتظاهرين, الذين اغلقوا شارع الثلاثينى بالكاوتش والاخشاب, واشعلوا النيران فى سيارتين ملاكى كانتا مهملتين امام سينما مصر, ودارت معركة طاحنة تبادل خلالها الجانبان اطلاق الاعيرة النارية بكثافة, وسقط كثير من المصابين وسقط 6 قتلى, وأكد ذلك عبدالرحمن فرح- مدير إدارة المستشفيات- وقال إن حصيلة المصابين فى اشتباكات 27 يناير وصلت الى 450 مصابا بحالة اختناق, و37 طلقا ناريا وفرد خرطوش, فى أنحاء متفرقة من الجسم, و6 حالات قتل بالرصاص الحى. ولم يعرف أحد حتى الآن سر الملثمين الذين استقلوا 4 دراجات بخارية, وقاموا بإطلاق النار على بوابة مديرية أمن بورسعيد, فى محاولة الاعتداء عليها، باستخدام أسلحة آلية أطلقوا من خلالها عيارات بشكل عشوائي، كما تكرر هذا المشهد أمام جميع أقسام الشرطة في المحافظة. غاب عن المشهد معظم الاحزاب السياسية, واكتفوا بإصدار بيانات هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع, وظل شباب بورسعيد يواجهون الموت بصدور عارية أشبه بعمليات الانتحار الجماعية المرتبكة, وقد فقدوا كل انتماء للوطن الذى تخلى عنهم فى أحلك الظروف.