تحولت جنازة 27 شهيدا من أبناء بورسعيد إلي مأساة وفوضي بعد أن أطلق رجال أمن نادي الشرطة الذي يقع أمام الجبانات عبوات الغاز المسيل للدموع علي المشيعين فانطلقت شرارة الفوضي العارمة حتي أن بعض هذه القنابل أصاب أحد النعوش لتسقط منه الجثة.. علي الأرض.. وتصرخ النساء.. ويحاول البعض الاحتماء بالجثث في مداخل العمارات خوفاً من التعرض للموت بعد أن تم تبادل إطلاق النار بين بعض المشيعين ورجال أمن نادي الشرطة.. وتدفقت الأحداث بسرعة البرق الأحداث المؤلمة والتي أجبرت الجميع علي الوقوف في خندق واحد ضد رجال الشرطة الذين أطلقوا الرصاص الحي من خلال قناصاتهم المنتشرة علي أسطح المنازل منذ أول أمس. كانت الأحداث رغم سخونتها تسير هادئة وحزينة فقد خرجت المدينة الباسلة عن بكرة أبيها إلي مسجد مريم "حوالي مائة ألف مواطن" بشارع الثلاثيني بحي المناخ لتشييع جثامين القتلي في مذبحة السجن وقسم العرب أول أمس.. أهالي الضحايا يقفون يتلقون عبارات المواساة من الأهالي الذين احتشدوا. لا يري لهم أول من آخر حتي وصلوا من كثرتهم إلي كلية التربية النوعية جنازة شعبية حاشدة لم تر بورسعيد مثلها من قبل. الكثيرون لا يستطيعون الصلاة من كثرة الأعداد الغفيرة المتواجدة حول المسجد. ينهي الإمام صلاته وينادي علي الأسماء الموجودين داخل التوابيت. ثم يدعوا لهم بالمغفرة والرحمة في مشهد كيوم الحشر خيم فيه الحزن الذي وحد الجميع في مشاعر واحدة غاضبة.. ناقمة علي الدولة التي تركت أبناءها في المدينة الباسلة يموتون.. بلا دية خرجت النعوش تباعا تغوص في شلال من البشر الكل يحاول أن يحملها لينال شرف الإمساك بالخشبة التي يرقد فوقها أحد أقاربه. تسير الجنازة في بطء شديد حتي تصل الجنازة المهيبة إلي شارع الثلاثيني من ناحية القوات المسلحة الجميع يبكون والهتافات تستمر تطالب بحقوق الشهداء وتعلن بورسعيد دولة مستقلة عن بقية المحافظات. وفجأة يتحول المشهد إلي فوضي فقد فوجئ المشيعون بجوار نادي الشرطة بإطلاق غاز مسيل للدموع.. ويسقط البعض مصابا باختناق شديد. سكان العمارات يلقون زجاجات الخل والمياه الغازية لمعاونة الناس علي مجابهة قنابل الغاز. تبدأ طلقات الرصاص في الانطلاق. تخرج مدرعة تطلق في الهواء. وتخرج مصفحة بعدها ترمي بقنابل مسيلة للدموع. يفر المشيعون. البعض يقرر العودة هربا من جحيم الموت والبعض أصر علي أن يكمل الطريق قائلا "يا روح ما بعدك روح" ويستمر الهجوم علي النوادي ويتمكن الشباب الثائر من وضع المتاريس بناصية المركز الدائم للشباب واستخدموا في ذلك صناديق القمامة الحديدية الخاصة بحي الزهور.. حيث أعد البعض عددا من قنابل المولوتوف يلقي بها داخل النوادي فأشعلوا النيران في نادي الشرطة حتي ان النيران قد وصلت إلي مقابر اليونانيين بمدخل المدينة وتمكن الشباب من الدخول إلي نادي القوات المسلحة المجاور لنادي الشرطة ويستولون علي الملاءات ويوزعونها علي بعضهم ليلثموا بها وجوههم.. ثم يهجمون مرة أخري.. والكل يصرخ "حرام علي الإخوان. ماذا يريدون بنا هل يريدون ابادتنا؟؟" الكل ساخط علي الحكومة والشرطة التي اعتبروها عدوهم الأول مستنكرين حالة الصمت التي تجتاح المسئولين في الدولة.. لا أحد يستنكر ما يحدث.. لا أحد يتحدث.. الصمت المحزن.. علي أحداث مفجعة تقع في مدينة لا تستحق كل هذا الجحيم والموت.. مدينة دفعت ضريبة الدم منذ حفر قناة السويس مرورا بالعدوان الثلاثي وفترات التهجير وحرب أكتوبر. حاول بعض الغاضبين بعد ذلك السير في مظاهرة بجوار قسم المناخ ورددوا هتافات معادية لمرسي وحكومته حتي بدأ أحد الشباب بإلقاء حجارة علي القسم والذي وقف جنوده وضباطه علي سطحه فأطلقوا الغاز المسيل للدموع وضربوا الرصاص الحي فانفضت المسيرة سريعا.. وتحول المشهد بالتتابع علي قسم شرطة الضواحي الذي شهد أيضاً محاولات اقتحام وضرب نار من ملثمين علي سيارة ربع نقل بيضاء ولكن الأمن سيطر علي الوضع وتصدي لذلك. تكرر المشهد في العرب ولكنها موقعة خطرة فقد حاولوا اقتحامه فردت القوات المكلفة بتأمينه بضراوة علي المتظاهرين الذين أغلقوا شارع الثلاثيني بالكاوتش والأخشاب وأشعلوا النيران في سيارتين ملاكي كانتا مهملتين أمام سينما مصر.. ودارت معركة طاحنة تبادل خلالها الجانبين إطلاق الأعيرة النارية بكثافة وسقط كثير من المصابين وسقط 7 قتلي كما أكد علي ذلك عبدالرحمن فرح مدير إدارة المستشفيات بأن حصيلة المصابين في اشتباكات 27 يناير وصلت إلي 450 مصابا بحالة اختناق و37 طلقا ناريا وفرد خرطوش في أنحاء متفرقة من الجسم و6 حالات قتل بالرصاص الحي وتضاف إلي أوكازيون الموتي الذي حدث في بورسعيد منذ اندلاع الاشتباكات والمواجهات بين الأهالي. ولم يعرف أحد حتي الآن سر المثلمين الذين استقلوا 4 دراجات بخارية وقاموا بإطلاق النار علي بوابة مديرية أمن بورسعيد في محاولة الاعتداء عليهم باستخدام أسلحة آية أطلقوا من خلالها عيارات بشكل عشوائي. كما تكرر هذا المشهد أمام كافة أقسام الشرطة المحافظة. غاب عن المشهد معظم الأحزاب السياسية والقوي المختلفة واكتفوا بإصدار بيانات هزيلة لم تغن ولم تسمن من جوع وظل شاب بورسعيد يواجهون الموت بصدور عارية أشبه بعمليات الانتحار الجماعية المرتبكة والتي فقد كل انتماء للوطن الذي تخلي عنهم في أحلك الظروف. أعلنت مديرية أمن بورسعيد تعليقا علي الأحداث الجارية لمدينة بورسعيد في بيان مقتضب أن أجهزة البحث والمعلومات قد توصلت لتحديد العناصر التي قامت بارتكاب الوقائع الخاصة بإطلاق أعيرة نارية علي مشيعي الجثامين أمس لاشتعال الموقف وجاري اتخاذ الإجراءات القانونية والأمنية تجاههم لضبطهم.