«مسجد مريم»، المكان الأشهر فى بورسعيد لتشييع الموتى، لكنه فى الأمس لم يكن كعادته، حيث سيطرت حالة من الوجوم الشديد على الآلاف فيه، فعلى بعد أمتار يرقد جثامين الضحايا، الذين سقطوا فى مواجهات 26 من يناير. السيدات كن يرفلن فى أثواب سوداء، والرجال وجوههم كالحة، حالة من عدم التصديق، لم يحضر كل الضحايا لأسباب تتعلق بالروتين، والأهالى يقفون لتلقى عبارات المواساة من المحتشدين، الذين لا يرى لهم أول من آخر. صُلى الظهر، وأعقبته صلاة الجنازة، كثيرون لم يستطيعوا اللحاق بالصفوف من فرط العدد الكثيف الموجود حول المسجد، وحينما أنهى الإمام صلاته، ونادى على الأسماء الموجودة داخل التوابيت، بدأت الدموع فى الانهمار، وهى لا تفرق بين رجل وسيدة، فالكل فى الحزن سواء، وفى النكبة واحد. بدأت النعوش فى الخروج تباعاً، الكل حاول أن يحملها، لينال شرف الإمساك بالخشبة، التى يرقد فوقها أخوه البورسعيدى، ثم بدأت الهتافات فى الانطلاق، «لا إله إلا الله».. وردد رجل كبير فى السن «محمد مرسى عدو الله». كرر المشيعون الهتاف طويلاً، وسارت الجنازة فى بطء شديد، العدد مهول، ولم يسبق لبورسعيد أن شهدته فى الشوارع، فالكل هبط ليشيع الجنازة، ثمة شعور مستقر لدى كل أسرة أن الضحية مات دفاعاً عن حق البلد بأسره. وصلت الجنازة المهيبة إلى شارع الثلاثينى من ناحية القوات المسلحة، ولافتة لم تبق كثيراً، مكتوب عليها «مرحباً بكم فى حى المناخ». الهتافات استمرت، تطالب بحقوق الشهداء، وتعلن أن بورسعيد دولة مستقلة عن بقية المحافظات التى لم تساندها. فجأة حين مرت الجنازة بجوار نادى الشرطة والقوات المسلحة تفرقت الحشود، فاشتباك دار بين أمن النوادى وبين المشيعيين، وهى لحظة تغير فيها كل شىء. الكل أخذ يجرى بلا هدى، سيدة كبيرة سقطت على الأرض مغشياً عليها، والجثامين ألقيت على قارعة الطريق، بينما الضحايا يرتجون وكأن الحياة قد سرت فيهم، فيما تولى البعض حملهم إلى مداخل العمارات. قنابل الغاز ألقيت بكثافة شديدة على المشيعين، وبدأت السيدات فى ركوب التاكسيات للعودة، فيما سقط البعض منهن مصابات باختناق شديد. العمارات ألقت للمهرولين زجاجات الخل والمياه الغازية لمعاونتهم على مجابهة قنابل الغاز. وبدأت طلقات الرصاص فى الانطلاق، تخرج من مدرعة تطلقها فى الهواء، لتخرج مصفحة بعدها ترمى بقنابل مسيلة للدموع، فيفر المشيعيون، فى الطرقات، أو العودة لبيته، بينما أصر آخرون على إكمال الطريق. وقد استمر الهجوم على النوادى، وأخذ أشكالاً جديدة، بعدما أعد البعض عدداً من قنابل المولوتوف ليلقى بها داخل النوادى، الأمر الذى أدى إلى إضرام النيران فى المبانى وصعود ألسنتها، ودخل إليها الغاضبون ليحطموا المحتويات من كراسى ولافتات. استمرت المواجهات، وسيدة تبكى حين لم تجد ابنتها التى كانت تشيع الجنازة جوارها «هو إحنا كفرة عشان يعملوا كدا». الطائرات الهليكوبتر لا تتوقف عن التحليق فى محيط النوادى، والأهالى يصابون بالذعر خشية أن تضربهم أو تصورهم. النيران وصلت إلى المقابر، وتحديداً مقابر اليونانيين «الجريك» كما أطلق عليها أهالى البلدة. أخبار متعلقة: بورسعيد 2013.. حرب بلا عدو مدينة الأشباح: الأهالى التزموا منازلهم.. والشوارع تضيئها النيران «الموتوسيكل».. إسعاف شعبى ووسيلة لتحرك المتظاهرين