بين ليلة وضحاها تحولت بورسعيد الباسلة إلي لعنة تطارد أهلها، وتغير لون المدينة بفضل الدماء التي تفضح سياسات الإخوان علي كل شبر من أرضها.. توقفت التجارة والصناعة.. أغلقت المحال والمنشآت.. عم السواد جميع الأرجاء.. وبات الشعار «الثأر من أعداء الله والوطن» كانت عدسات «فيتو» شاهد عيان علي تفاصيل الساعات الأخيرة من مذبحة البورسعيدية، وأعمال القتل والتخريب التي يتحمل مسئوليتها الرئيس و«الجماعة» والحكومة والتي بدأت عقب النطق بالحكم في قضية «مذبحة بورسعيد». كانت البداية عندما جلس طارق عسران يتابع مع المئات المستشار صبحى عبد المجيد رئيس المحكمة الذى جلس على المنصة، وأعلن إحالة أوراق 21 متهمًا بالقضية إلى فضيلة المفتى، ونطق القاضى باسم طارق عبد اللاه عسران علِى، وشهرته "طارق عسران"، ضمن المحالة أوراقهم إلى مفتى الجمهورية وانقلب المقهى رأسًا على عقب، فقد كان بينهم يشاهد المحاكمة ليجد نفسه قاب قوسين أو أدنى من حبل المشنقة. أهل بورسعيد، لا يتحدثون عنه إلا بالقول على استحياء إنه مسجل خطر، ولا تقوى قوات الأمن على القبض عليه، بداية معرفة اسمه كان من خلال زوجة محمد محمود البغدادى أحد المتهمين فى القضية، والتى كانت تتحدث عن براءة زوجها الحبيس، ووجود بعض المتهمين المعروفين مسجلين خطر، ويرتعون فى البلد، بل يوجدون داخل الاعتصام الذى نصبه ألتراس المصرى أمام السجن. المفارقات الغريبة التى شهدتها محاكمة قضية بورسعيد لم تتوقف حيث حكم على شخص بالإعدام ضمن 21 واحدًا من مشجعى ألتراس النادى المصرى بتهمة قتل شهداء الأهلى وهو نفسه من مشجعى الأهلى، وخرج براءة فى بداية القضية لعدم وجود أدلة ضده ورجع إلى أسرته ومارس حياته الطبيعية، وفوجئ بالقاضى ينطق اسمه ضمن المحكوم عليهم بالإعدام. و يحكى إبراهيم عبده حمود عضو بحركة 6 أبريل وابن خالة حسن محمد المجدى، 18 سنة، دبلوم صناعه، بالنيابة عنه، لهروبه، أن حسن يعمل مع والده فى مجال خردة السيارات وهو من المنزلة بالدقهلية، ولهم محل إقامة فى بورسعيد، حضر المباراة مع أخوه وهو يشجع الأهلى وجلس فى مدرجاته، بينما جلس أخوه الذى يشجع الزمالك مع المصرى فى هذا اليوم، وعندما حدث الهجوم على ألتراس الأهلى فرّ حسن هاربًا ناحية الباب الذى سقط على الكثير، وقتلوا من التدافع وسقوط الباب عليهم، ورآه أخوه يسقط مغشيًّا عليه من التدافع، فحمله إلى غرفة اللاعبين التى كانت متاحة أمامهم فى هذا الوقت فتلقاه الكاتبن عماد متعب الذى أفاقه وأعطاه رقم هاتفه وفى أثناء خروج الأخوَين من الاستاد قابلتهما الشرطة وقبض عليهما وخرجا من النيابة بعد أسبوعين من التحقيقات لعدم ثبوت أدلة ضدهما. ويضيف: فوجئت الأسرة أن ابنهم حسن ضمن 73 متهمًا فى القضية، واتصلوا برجائى عطية محامى النادى الأهلى،. فقال لا تقلقوا سأوضح للنيابة أدلة أنه خرج لعدم ثبوت الأدلة كما أن عماد متعب أكد أن سيشهد أنه كان معه وقت الحادثة و لم نهتم أو نرسل محاميًا للدفاع عن حسن. وقال: فى أثناء مشاهدة الأسرة القاضى وهو يتلو أسماء المحكوم عليهم بإحالة أوراقهم إلى المفتى وجدوا اسم حسن ضمنهم، فسسقطت الأم مغشيًّا عليها مصابة بانهيار عصبى، لأنه كبير إخوته وتم الاتصال بعماد متعب، وشرح له الأمر ونحن فى انتظار الطعن وتقديم أدلة براءته. ويؤكد أنه يوجد أربع حالات، مثل حسن، من ضمنهم شاب عنده 16 سنة ضمن «ألتراس أهلاوى» محكوم عليه أيضًا بالإعدام وهو لم توجّه إليه التهمة. الأحكام لم تنزل كالصاعقة على أهالى بعض الأبرياء فقط، لكنها أصابت جميع أهالى بورسعيد بالصدمة، لإحساسهم بالظلم والقهر، وأن هناك مؤامرة تحاك ضدهم لصالح ما وصفوه ب«جمهورية ألتراس أهلاوى»، فخرجوا هائجين فى شوارع المحافظة متَّجهين إلى السجن العمومى، حيث يُحتجز متَّهمو القضية فى محاولة منهم لتطبيق حكمهم ببراءة المتهمين وإخراجهم من السجن، وحدث عديد من الاشتباكات، وقع على إثرها 36 قتيلًا، ومئات المصابين. ولم يتوقّع أحد أن يتواصل سيناريو ظلم المدينة الباسلة التى لم تفق بعد من حزنها على ضحايا موقعة السجن وقسم العرب، فالأحداث ساخنة، وخرجت المدينة عن بكرة أبيها إلى مسجد مريم، بشارع الثلاثينى بحى المناخ لتشييع جثامين القتلى فى مذبحة السجن، فعلى بعد أمتار ترقد جثامين الضحايا، الذين سقطوا فى مواجهات السادس والعشرين من يناير.. تبدأ الدموع فى الانهمار مع خروج النعوش تباعًا، الكل يحاول أن يحملها، تبدأ الهتافات فى الانطلاق، «لا إله إلا الله».. يرد عليه رجل كبير فى السن «محمد مرسى عدو الله»، فجأة يتحوّل المشهد إلى فوضى، فوجئ المشيعون بجوار نادى الشرطة والقوات المسلحة بإطلاق غاز مسيل للدموع، حتى إن بعض القنابل وقعت على أحد الأكفان فسقطت منه الجثة وسط صراخ السيدات وأهالى الضحايا وأسرعوا بالاحتماء بأكفانهم فى مداخل العمارات السكنية القريبة، ولم تتوقّف عند هذا الحد بل دارت اشتباكات عنيفة بين أمن النوادى والمشيعين، وقنابل الغاز تلقى بكثافة شديدة على المشيعين، وسكان العمارات يلقون زجاجات الخل والمياه الغازية لمعاونة الناس على مجابهة قنابل الغاز. تنطلق مدرعة تطلق الرصاص فى الهواء، وتخرج مصفحة بعدها ترمى بقنابل مسيلة للدموع، يفر المشيعون، يتشيعون فى الطرقات، البعض يعود إلى بيته، والبعض يكمل الطريق، ويستمر الهجوم على النوادى الذى يأخذ أشكالًا جديدة، ويتمكّن المتظاهرون من وضع المتاريس بناصية المركز الدائم للشباب.. وتستمر المواجهات، الطائرات الهليكوبتر لا تتوقف عن التحليق فى محيط النوادى، والأهالى يصابون بالذعر.. النيران تصل إلى المقابر، يتمكن الشباب من الدخول إلى نادى القوات المسلحة المجاور لنادى الشرطة ويستولون على الملاءات ويوزعونها على بعضهم ليلثموا بها وجوههم.. ثم يهجمون مرة أخرى، تتحول شوارع بورسعيد وأمام أقسام الشرطة بها ردًّا على ذلك، إلى حرب شوارع، وصلت ضحايا حصيلة اشتباكات 27 يناير حسب تأكيد عبد الرحمن فرح مدير إدارة المستشفيات، إلى 450 مصابًا بحالة اختناق و17 طلقًا ناريًّا وفرد خرطوش فى أنحاء متفرقة من الجسم وحالة وفاة واحدة.. حالة الانفلات الأمنى وحرب الشوارع وعمليات القتل المنظم تحوّلت إلى شوارع السويس التى عاشت لحظات حرجة سوداء بعد ساعات طويلة من الاشتباكات دارت فى محيط مبنى محافظة السويس ومديرية الأمن بين قوات وزارة الداخلية والمتظاهرين، سقط فيها 9 ضحايا منهم 8 من المتظاهرين ومجند تابع لقوات الأمن.. واحترقت 4 أقسام شرطة وفرع الإدارة العامة للمخدرات واقتحام وسلب ونهب لعديد من المنشآت العامة والخاصة. الغريب فى الأمر هو أن التقرير المبدئى للطب الشرعى قال إن معظم القتلى كان بالرصاصات الغادرة فى الظهر وهو ما جعل كثيرًا يتوقف عند هذه النقطة حيث كان شهود عيان يؤكدون أن سيارة "شاهين" بيضاء كانت تطلق النار عشوائيًّا على المتظاهرين. ظلت الأوضاع شديدة الصعوبة نتيجة الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن الذين بلغ عددهم 300 جندى فقدت قيادتهم السيطرة عليهم إلى أن جاء ظلام الليل وبدأت الطلقات النارية القاتلة تقتل من كل ناحية ليسقط 8 متظاهرين ومجند قتلى. كانت الطامة الكبرى هو حالة الانفلات الأمنى بين صفوف جنود قوات الأمن الذين راحوا يهشمون ويكسرون كل ما يقابلهم من مبانٍ وسيارات وممتلكات خاصة، حتى قام أحد الجنود، حسب روايات شهود عيان، بالحصول على سلاح نارى وأطلق الرصاص بعشوائية على المتظاهرين. وبعد أن توقَّفت الاشتباكات وتدخلت قوات الجيش الثالث الميدانى متأخرًا بشكل خطير ظلت الأوضاع تنذر بكارثة عقب تشييع جثامين الضحايا.. وظهر مجهولون يحاولون اقتحام مبنى مديرية الأمن وعندما وجدوا قوات الجيش اتّجهوا إلى قسم شرطة السويس الذى سقط سريعًا وتم تهريب المسجونين منه، ثم توجّهوا إلى باقى الأقسام لاقتحامها وسرقتها.. تحت مرأى ومسمع قيادات الجيش دون تدخل.