تنفرد "فيتو" بنشر خطابات الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتى – والد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين – إلى أولاده الأربعة "عبدالرحمن – عبدالباسط – محمد – جمال " فى معتقل الهايكستب الذى دخلوه ليلة حل الجماعة فى 12 أغسطس عام 1948، فضلا عن خطاباته لزوج ابنته عبدالحكيم عابدين، الذى كان أحد قيادات الإخوان. كما ننشر نص خطابات الأبناء لأبيهم، وطلبات الكاتب والمفكر الراحل جمال البنا التى رفعها لمسئولى المعتقل من أجل الإفراج عنه. فى أحد هذه الخطابات، يوصى الشيخ أحمد عبدالرحمن البنا أولاده الأربعة بالاستعانة بالصبر والصلاة وتلاوة القرآن، وحفظ ما أمكنهم منه فى هذه المدة، وبعد أن طمأنهم على صحة والدتهم قال: "نحن لا نلتجئ إلا إلى الله فى تفريج هذا الكرب، وهو وحده جل شأنه الذى يعلم براءتكم". وفى خطاب إلى صهره عابدين قال الشيخ الساعاتى: "حضرة المحترم صهرى الأستاذ عبد الحكيم عابدين، حفظه الله من كل مكروه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. لعلى أسمع عنكم ما يسرنى من صحة وعافية، وقد نفست عنا هذه الوزارة بعض الكرب لما سمحت بزيارتكم، كما سرّنا أن هذه الوزارة جادة فى إخراج جميع المعتقلين ما عدا من يثبت عليهم جريمة..". وفى الصور المرفقة بالتحقيق بقية خطابات الشيخ الساعاتى لأبنائه الأربعة. أما خطابات جمال البنا لوالده فإن اثنين منها قدمهما فى معتقل "الهايكستب"؛ الأول بعد اعتقاله بيوم، والثانى بعد اعتقاله بخمسة أيام، أما الثالث فقدمه بعد انتقاله إلى معتقل الطور، ورغم أن الطلب الثالث غير مؤرخ، إلا أن حديث الأستاذ جمال عن شقيقه ب «الأستاذ البنا» و«شقيقى الأكبر» و«شقيقى فضيلة الأستاذ حسن البنا»، يؤكد أن هذا الطلب قدم بعد انتقال جمال البنا إلى معتقل الطور «13/1/49»، وقبل اغتيال حسن البنا فى «21/2/49»، ولهذا الطلب صياغتان؛ واحدة مختصرة والأخرى مسهبة، ولم يستطع الأستاذ جمال تذكر أيهما المسودة وأيهما التى قدمها فعلا، وقد رأينا نشر الصياغتين لأهميتهما. الطلب الأول «10 ديسمبر 1948م» حضرة صاحب العزة قومندان معتقل "هايكستب" بعد التحية.. أرجو التفضل برفع طلبى هذا إلى الجهات المختصة، ولكم الشكر. الموضوع فوجئت ليلة الخميس 9 ديسمبر فى الساعة الرابعة صباحًا باعتقالى مع أعضاء جمعية الإخوان المسلمين.. ولما كنت غير منتسب لهذه الجماعة، ولست عضوًا فيها، بل إن لى من الآراء ما يختلف تمامًا مع آراء هذه الهيئة، ويتضح ذلك بصورة جلية فى كتابى «ديمقراطية جديدة»، المطبوع سنة 1946م، والذى يبدو من الإطلاع عليه أن وجهات نظرى فى كثير من المسائل تناقض وجهات نظر هذه الجماعة، كآرائى فى الإصلاح الاجتماعى، وحرية المرأة، وفصل الدين عن السياسة، وكل منها تكون فصلًا مستقلًّا فى الكتاب. فإذا كانت الشبهات التى دعت لاعتقالى هى أننى شقيق لفضيلة الأستاذ حسن البنا، فلست أول شقيق اختلف مع شقيقه فى الآراء والنظريات، وفى كبار الزعماء المصريين من يختلف مع شقيقه فى الرأى والسياسة. لهذا أرجو التفضل بالإسراع بإطلاق سراحى. وتفضلوا بقبول وافر الاحترام. الطلب الثانى «14 ديسمبر 1948م» حضرة صاحب العزة قومندان معتقل هايكستب أرجو التكرم برفع طلبى هذا إلى الجهات المختصة، ولكم الشكر كتبت منذ أربعة أيام أوضح أننى لا أنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك فليس هناك مبرر لاعتقالى معهم، وقد أفرج أمس عن سالم أفندى غيث الذى اتضح لكم أنه غير منتسب حاليا للإخوان.. وليس من المعقول أننى أدعى ذلك من غير حق، فلو كنت من الإخوان لكان لى أعظم الشرف بهذا الاعتقال، ولكنى فعلًا لست عضوًا فيها، وأعتقد أن من بين ضباط القلم السياسى بالمحافظة ورجاله من يعلم ذلك حق العلم، فأرجو الإسراع بإطلاق سراحى إذا كان اعتقالى لظنكم عضويتى، وإلا فعلى الأقل توضيح سبب الاعتقال إذا لم يكن كذلك. وفى معتقل الطور أرسل جمال البنا خطابا لرئيس لجنة النظر فى أمر المقبوض عليهم عسكريًّا، يناشده بالإفراج عنه، وجاء فى نص الخطاب: حضرة صاحب السعادة رئيس لجنة النظر فى أمر المقبوض عليهم عسكريًّا.. بعد فائق الاحترام نظرًا للقرار الذى اتخذته اللجنة باستمرار اعتقالى بمعتقل الطور، أرجو أن أضع بين يدى سعادتكم الحقائق الآتية: - اعتقلت ليلة الخميس 9 ديسمبر 1948م، وحوّلت فى صبيحته إلى معتقل هايكستب، وقدمت إلى الجهات المختصة فى ذلك اليوم الطلب ، ثم أرسلت بعد أربعة أيام الطلب الآخر الموضحة صورته، ولو أن السلطات المختصة ردت على طلبى ووضحت سبب اعتقالى لاستطعت أن أنير اللجنة، وأن أرد على الاتهامات الموجهة إلىَّ إن كانت ثمة اتهامات، ولكنى الآن مضطر إلى الحدس والتخمين، وعن هذا الطريق أرجع اعتقالى إلى أمرين: الأمر الأول: أننى سكرتير تحرير مجلة الشهاب. وهى مجلة إسلامية تبحث فى فلسفة الإسلام، وتشترك «فيها» الحكومات الإسلامية والجامعات، ولا يكتب فيها إلا الصفوة المختارة من كبار رجال مصر وغيرها.. أمثال حسن بك الهضيبى المستشار، د. محمد الشافعى اللبان بك، والأستاذ عباس العقاد عضو مجلس الشيوخ، والأستاذ أبو زهرة، والأستاذ الخفيف؛ الأستاذين بجامعة فؤاد الأول. فليست هى - والحالة هذه - بالمجلة التى تعنى بالنواحى السياسية، أو المجلة التى تنحط على مستواها الفنى الرفيع، وأعدادها الخمسة التى ظهرت شاهدة على ذلك، ويمكن للجنة تصفحها والحكم عليها. وقد كانت الفكرة الأساسية فى مجلة الشهاب هى الفصل بينها وبين صحف الإخوان المسلمين، واعتبارها عملًا خاصًّا وشخصيًّا لصاحبها ورئيس تحريرها «شقيقى فضيلة الأستاذ حسن البنا»، واختيارى سكرتيرًا للتحرير كان تحقيقًا وإمعانًا فى هذا الفصل؛ لأننى لم أكن عضوًا فى الإخوان كما سيتأكد ذلك للجنة الموقرة عند مناقشة الأمر الثانى، وكانت كل مهمتى فى سكرتارية التحرير هى مطالعة آراء القراء، والإشراف على التبويب والترتيب والطبع ومراجعة المقالات. الأمر الثانى: أننى رئيس جماعة العمل الوطنى الاجتماعى، وهى جماعة وطنية واجتماعية، ترى أن الوطنية الحقيقية اجتماعية وليست سياسية، وطنية الحقل والمدرسة والمنزل والقرية والمدينة، وترى أن الوسيلة الوحيدة التى تبعد بها الشباب عن التهريج الحزبى الرخيص هى إشعاره بهذه الوطنية. أما عن وسائلها فهى الخطابة والرسائل والإقناع الشخصى، وأما عن مدى نجاحها فأنا شديد الأسف لأن أعترف بفشلى فى تكوين حتى بضع شباب يشاركون الإيمان بفكرتها، وقد كان مما يثير زهوى نجاحها لو نجحت، ولكن فكرتها بعيدة عن موافقة سيكولوجية الجماهير، وليس لها تأثير الدين أو بريق الشيوعية حتى تجتذب الأتباع بسهولة، لذلك استمرت، وإن مضى عليها عام أو أكثر فى دائرة الإمكانيات الشخصية لى، وهى دائرة ضيقة حتى لقد عجزت عن دفع إيجارها الأخير. وجملة القول: إن فكرتها لا تتعارض مع الصالح العام أو قوانين البلاد أو دستورها، بل هى تعمل جاهدة لذلك، فليس هناك ما يدعو لاعتقال رئيسها. وأخيرًا فقد كان القضاء المصرى وما زال مفخرة من مفاخر البلاد، والسلطة الوحيدة التى تسمو فوق الأغراض والأهواء، وسيكون سرورى وزهوى كمواطن مصرى بتأكيد ذلك أعظم من كسبى الشخصى بإطلاق سراحى. وتفضلوا يا صاحب السعادة بقبول عظيم إجلالى واحترامى.