يذكر عصام ستاتي في كتابه» مقدمة في الفلكلور القبطي» عن رحلة الحج إلى بيت المقدس, انه فى الذاكرة الشعبية, يعتبر الأقباط الحج إلى بيت المقدس فرضاً على من استطاع إليه سبيلا, ويذكر أن قليلا من الفقراء يؤدون هذه الفريضة،ويكون الحجاج قافلة كثيرة العدد, ويمضون الجمعة الحزينة وعيد القيامة فى بيت المقدس, وفى اليوم الثالث - بعد الجمعة الحزينة - يتقدمون إلى نهر الأردن حيث يستحمون. ويؤكد «ستاتي» أن هذا الفرض توقف بعد الاحتلال الإسرائيلى لكل فلسطين وسيناء بعد هزيمة يونيو1967, واستمر هذا التوقف حتى الآن, لأن رأس الكنيسة المصرية رفض الذهاب مع الرئيس السادات إلى إسرائيل, واعتبر الذهاب خيانة,وأصر علي إيقاف الحج إلى بيت المقدس,وكذلك الموقف الرافض للتطبيع مع العدو الإسرائيلي, وهو من المواقف الوطنية للكنيسة المصرية,رغم حب الأقباط الشديد لهذه الفريضة، ولا تزال الذاكرة الشعبية تحتفظ بأغنيات عن هذه الرحلة, وهى تعبر عن حنين الحجاج أو «المقدسين» الذين نالوا بركة زيارة الأراضى المقدسة بفلسطين . ويعود «المقدس» ليرسم على أجزاء من جسده علامات مميزة له تشبه الوشم ,كالصليب,مثل ما يرسم الحاج المسلم على جدران منزله رحلة السفن والطائرات ورسوم الكعبة والفداء, وتقام حفلات العودة من هذه الرحلة المقدسة, ويثق كل منهم بأن آثامه ومعاصيه قد غفرتو وأن دعاءه استجيب. يقول «ستاتي» :إن هذه الصورة تعيد إلى أذهاننا الصورة القديمة عن الحجاج إلى»أبيدوس» ,فقد كانت « أبيدوس» العرابة المدفونة بمحافظة سوهاج ,من أكبر عواصم الدين فى مصر, فقد تخيل القدماء أن بها قبر الإله « أوزوريس « يحجون إليه ويطوفون من حوله التماسا للبركة ويحملون موتاهم إلى تلك الوجهة المقدسة, وكان الناس يتركون وراءهم أثرا فى تلك البقعة الطاهرة,ويبنون لهم قبوراً وهمية,ويتركون حولها شواهد يضمنونها دعاءهم وضراعتهم..ومن أجل ذلك كثرت آثار الضحايا من طعام وشراب حول القبر المقدس طلبا لشفاعة « أوزوريس « فى الحياة الآخرة, وعند عودتهم يقيمون الولائم والأفراح وينحتون ويرسمون فى منازلهم بعد الرحلة, وكذلك يرسمون علامة «حتب» على أجسادهم, ويلقب العائد « نتر» أى المقدس. ويذكر «ستاتي» في كتابه إنه فى جولته داخل الجماعات المختلفة للمسيحيين, وجد أن الذاكرة الشعبية لا تزال تحتفظ - فى مناطق عديدة - ببعض الأغنيات التى كانت تقال فى رحلة الحج للأراضى المقدسة بفلسطين,التى تعرف بأغنيات القدس أو التقديس أو الحنون,وهى قريبة الشبه بنظيرتها الإسلامية التى تقال إلى حجاج بيت الله الحرام,ما يجعلنا نعتقد أن لها جذوراً أبعد من هذه الرحلة, وكان من أول النصوص التى تعامل الباحث معها هذا النص الذى يصف المقدس أثناء ذهابه فى رحلته إلى بيت المقدس : «محزم وعايق.. فى طريق المسيح.. محزم وعايق» «محزم وعايق.. والزمزمية فى إيده سبيل يا حبايب» « محزم وعياقه.. فى طريق المسيح.. محزم وعياقه» « محزم وعياقه.. والزمزمية فى إيده.. سبيل يارفاقة.» ويظهر هذا النص الفترة الزمنية وطريقة الملابس التى كان يرتديها المصريون بشكل عام,من ربط حزام من القماش,وغالباً ما يكون من الحرير على الوسط, فيعطى شكلا جميلاً ويشد الجسم ويظهر قوامه. وفى بعض النصوص الخاصة برحلة التقديس تربط فيها الجماعة المسيحية بعذابات المسيح وعذابات أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام عندما رفض السجود إلى أوثان أهله الذين كانوا يتخذونها آلهة من دون الله, فرفض إبراهيم ,فالقوه في النيران ولم تؤذه:» دخل فرن حامى.. رموه اليهود.. دخل فرن حامى» « دخل فرن حامى.. انطفت له النيران.. بقى بحر جارى» . كما تشير بعض اغنيات رحلة التقديس إلى أن هذه الرحلة تزين صاحبها وتعطيه قداسة ما,وبالفعل كان هذا اللقب «المقدس» يمنحه وضع اجتماعى متميز,فينشدون:» وقدسك يزينك.. وان نويت يا مقدس.. وقدسك يزينك» « وقدسك يزينك.. دا غبار المسيح.. يزين جبينك» « وقسك يليق لك.. وان نويت يا مقدس.. وقدسك يليق لك» « وقدسك يليق لك.. دا غبار المسيح.. على طرف رجلك.» اغنيات أخرى لوصف الطريق, ترى الجماعة الشعبية أن الحدائق التي تشتهر بها فلسطين أنشأت خصيصاً لتكريم العذراء وأهلها:» جنينه نشوها.. فى طريق العدرا.. جنينه نشوها» كما توضح بعض النصوص أن هذه الرحلة كان يقدم فى نهايتها ذبائح كالتي كانت تقدم لأوزوريس, كالتى ينحرها المسيحيون فى الموالد والأعياد والتى يقوم بها المسلمون فى حجهم من هدى وأضاحٍ , وهنا ينشدون» فيها السبع نايم.. قبتك يا عدرا.. فيها السبع نايم.. فيها السبع نايم .. ودبايح العدرا.. تزين الولايم.» والمكان الرئيسى لحج المسيحيين هو القدس لوجود كنيسه القيامة والمزارات المرتبطة بالمسيح, كما يحج المسيحيون الكاثوليك والأرثوذكس لكنائس وأديرة بها ايقونات أو مقتنيات للقديسين,وأماكن اخري يعتبرونها مقدسة لظهور التجلى فيها,سواء من قديس أو رمز من رموز المسيحية. ولم يقتصر المسيحيون في حجهم على زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين، بل يأتي بعضهم إلى مصر(مَنُف وطيوة) لزيارة الصوامع التي أقام فيها القديس أنطونيوس الكبير والقديس بولس الطيوي أول ناسك هناك؛ وكذلك مدينة روما ثاني الأراضي المقدسة,ويقصد المسيحيون فيها ضريحي القديس بطرس والقديس بولس،وحضور اليوبيل المبارك الذي كان يقام آخر سنة من كل قرن، ثم جعله البابا اكليمنس السادس في آخر كل 33 سنة,والبابا بولس الثاني في آخر كل 25سنة, ومن الأماكن المقدسة التي يؤمها المسيحيون في ألمانيا: كنيسة القديس بطرس والقديس بولس في ترير، التي تفتخر منذ عام 1190 باحتوائها علي القميص الذي كان يرتديه السيد المسيح. وقد قال أحد المسيحيين الذين سافروا العام الماضي للحج للقدس: إنه ذهب ليري نور السيد المسيح الذي يتجلى فى القدس, حيث نصحه عدد من أقاربه ومعارفه بالسفر إلى فلسطينالمحتلة لزيارة تلك المقدسات لما لها من جانب قدسى كبير،وعظيم. وهناك سيدة أخرى ذهبت للتقديس قالت: إن شوقها لرؤية أى شىء يتعلق بسيدنا المسيح دفعها لتلك الزيارة، خاصة وأنها تعتبر زيارتها سياحة دينية.