الأحداث التى جرت فى مصر خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد أن دولة القانون فى إجازة وأن «دولة الميليشيات» أصبحت هى الحل، لمواجهة الخصوم السياسيين ، وغضب الشارع ، وانتفاضته ضد قرارات الرئيس محمد مرسي ، وطموحات جماعته فى السيطرة على الدولة ، و«أخونة» مؤسساتها بالكامل. و«الميليشيا»، لمن لا يعرف ، هي تنظيم عسكري أو شبه عسكري ، يتكون عادة من متطوعين ، في مناطق التوتر السياسي والأمني ، أو في إطار الحروب الأهلية ، ويكون هذا التنظيم المسلح ، والمدرب على القتال وحرب الشوارع ،تابعا لحزب أو حركة سياسية ، ويتم تمويله بأموال خارجية لإحداث الفتن أو ضرب المعارضين والخصوم السياسيين . وقد ارتبط مصطلح «الميليشيا» في الماضي بالأنظمة المستبدة فى ألمانيا بقيادة هتلر وإيطاليا بقيادة موسوليني ، وهى الأنظمة التى كممت الأفواه وحجرت على الآراء ، فكان الاسم الشائع والمرعب للتنظيم السياسي والعسكري الذي أنشئ تحت عباءة حكومة «فيشي» ، في أربعينيات القرن الماضي وبالتعاون مع الجستابو الألماني، لاصطياد مناضلي المقاومة الفرنسية أو تسليمهم إلى المحتل النازي ،وقد تميزت هذه الميليشيا الارهابية بارتدائها لونا خاصة وسميت بميليشيات القمصان السوداء أو البني. وأخذت الميليشيات شكلها وحجمها الكبير والخطير لدى حزب الله فى لبنان الذي أشرف على تأسيسه الحرس الثوري الايراني او «الباسدران» ، وأيضا قوات «الباسيج» التى تملك جناحا نسائيا أسسته «مرضية دباغ» حارسة خميني في باريس وهو جناح يدعي «اخوات الباسيج» ويعود تأسيسه إلى فترة الحرب العراقية الإيرانية 1981– 1988 . أما الميليشيات فى مصر فهى قديمة ، حيث تعود إلى ما قبل ثورة 1919 ، حيث كان الحزب الوطنى القديم الذى أسسه الزعيم مصطفى كامل أول من ارتكب العنف السياسي ، عندما قتل أحد أعضائه بطرس باشا غالى ،ثم أسس الحزب فيما بعد جماعة «القمصان البني» ، وفى فترة الثلاثينيات من القرن الماضي أنشأ المحامي أحمد حسين – زعيم حركة «مصر الفتاة» - جماعة «القمصان الخضر» ، ليدخل حزب الوفد فى الصراع السياسي بجماعة «القمصان الزرق» ، وتدخل الجماعتان فى صراع عنيف انتهى باندثارهما معا ، لتنتهى جماعات «القمصان الملونة» التى كانت تتلقى تدريبات خاصة وتستخدم العنف و السلاح لحسم الخلافات السياسية. وحاول حسن البنا – مؤسس جماعة الإخوان المسلمين – أن يخفى التنظيم السري الخاص داخل فرق الكشافة التى أنشأها ، ثم سرعان ما ارتكب هذا التنظيم عدة عمليات عنف وقتل للنقراشى باشا والقاضى الخازندار ، وبعض حوادث التفجير فى القاهرة. وانتهت ميليشيات الأحزاب بعد ثورة يوليو عام 1952 ، ليبقى التنظيم الخاص للإخوان ، وعملياته المسلحة حيث حاول اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر فى حادث المنشية ، ليتم الزج بقيادات الجماعة والتنظيم فى السجون والمعتقلات ،ورغم هذا حافظت الجماعة على التنظيم باعتباره أهم أجنحتها والمتحكم الرئيس فيها ، خاصة أن الحرس الحديدي لهذا التنظيم كانوا على قيد الحياة وأبرزهم مصطفى مشهور المرشد الأسبق للإخوان ، لنجد حادث العرض القتالى شبه العسكري فى جامعة الأزهر ، ومذبحة قصر الاتحادية التى أسفرت عن 8 قتلى ،وأخيرا ما جرى أمام مسجد القائد إبراهيم فى الإسكندرية. فى «موقعة الاتحادية» قامت ميليشيات الجماعة بالاعتداء على متظاهرين سلميين ، بعد أن أزالوا خيام الاعتصام ،وسبوهم بأقذر الألفاظ ،لينتهى الأمر بمذبحة ، لم يتحمل فيها الرئيس وجماعته مسئولياتهم ،بل راحوا يؤكدون فقط أن جميع الضحايا من الإخوان ،فى موقف مارسوا فيه الكذب السياسي ببراعة لا يحسدون عليها ، بينما الدم المراق لا يزال يخضب أرض الموقعة . واللافت أن ما قام به الإخوان شجع جماعات أخرى منها جماعة «حازمون» وأنصار حازم صلاح أبوإسماعيل على محاصرة مدينة الانتاج الإعلامى ، فى «غزوة سلفية» أثارت الاستياء والشعور بالدهشة لعدم تعامل الحكومة معهم بما ينبغى خاصة بعدما قاموا ببناء دورات مياه على أرض حكومية فى محيط المدينة ، وهو الأمر الذى شجع «ولاد أبوإسماعيل» على التمادي ، فقاموا ب «غزوة» أخرى ، فى حزب الوفد – أعرق الأحزاب الليبرالية فى مصر – واستباحوا تاريخه الوطنى ، وأحرقوه واعتدوا على أعضاء الحزب والصحفيين العاملين بجريدة الوفد. والمثير أن أجهزة الأمن ألقت القبض على خليل أسامة، حارس خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان ، بتهمة حيازة سلاح دون ترخيص ،وتردد أنه تلقى تدريبات فى غزة ،وأنه تم العثور على صورة له على هاتفه المحمول يظهر فيها بزى كتائب القسام الجناح العسكرية لحركة حماس . كما تم القبض على أحمد عرفة، الناشط بحركة «حازمون» ، وقال وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين إنهم حصلوا على معلومات تقضي بشراء عرفة لسلاح ناري، ما دفع قوات الأمن لتفتيش منزله بأمر من النيابة العامة؛ حيث تم ضبط بندقية نارية و 4 طلقات بكرتونة في منزله. كل ما سبق يؤكد أن مصر على طريق «دولة الميليشيات» ، خاصة أن هناك العديد من التيارات الإسلامية الجهادية ،ومنها تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية وجماعات التكفير والهجرة والسلفية الجهادية والقاعدة ،لديهم ميليشيات مسلحة مارست العنف الدموى ضد الدولة ،منذ فترة السبعينيات من القرن الماضى وحتى الآن ،فهناك ميليشيات مسلحة فى سيناء ،لا تزال تعبث بأمن الوطن على ثغر من ثغوره بالتعاون مع جماعات فى قطاع غزة مثل التوحيد والجهاد ،وبرعاية من حركة حماس التى تسيطر على القطاع . فى هذا الملحق ، تقدم «فيتو» مجموعة من التحقيقات والحوارات عن الميليشيات والعنف السياسي فى مصر منذ عهد الملكية قبل ثورة يوليو 1952 وحتى الآن .