من ألطف أنواع «الرغى» الذى يمكن أن تسمعه هذه الأيام كلام الإخوان وذيولهم عن خطورة العنف على المجتمع، وضرورة نبذه وعدم الاحتكام إليه كأداة من أدوات اللعبة السياسية فى مصر، والألطف من ذلك وصف «الإرهابيين» الذى خلعته الجماعة على مجموعات «البلاك بلوك» وغيرها من المجموعات الثورية التى آمنت بأنه لا يفل العنف إلا العنف. أليس من المضحك أن يشجب دعاة العنف العنف، وأن يهاجم رعاة الإرهاب الإرهاب؟!. عجباً لهؤلاء هل نسوا أنهم أول من ابتكر فكرة العنف الذى يصل إلى حد «القتل» من أجل إملاء أفكارهم على المجتمع، وهو نوع من الأداء لم تعرفه التجربة السياسية المصرية قبل ابتلائها بظهور جماعة الإخوان عام 1928، فقبل هذا العام لم تكن القوى السياسية تعرف ما يسمى ب«الميليشيات المسلحة»، حتى أسست الجماعة نظامها العسكرى الخاص لتأديب معارضيها واغتيال مناوئيها. عندئذ بادرت الأحزاب والحركات الأخرى إلى إنشاء أجنحة عسكرية لها، فأنشأ أحمد حسين زعيم حركة مصر الفتاة جمعية «القمصان الخضر»، كان الشباب المنخرطون فيها يرتدون القمصان الخضراء لتمييزهم ك«ميليشيات عسكرية»، وهو الأمر نفسه الذى قام به حزب الوفد عندما أنشأ ما يسمى بجمعية القمصان الزرق، وهكذا أصبحت القوة العسكرية هى السبيل للحوار، والفضل فى ذلك يعود إلى شخصية «حسن البنا» الذى استولد العنف من أضلع الشعب المسالم. ولعل جانب الخلاف الأساسى بين هذه الميليشيات وميليشيات النظام الخاص التابع للجماعة، أن ميليشيات القوى الأخرى استخدمت ذراعها العسكرية فى الدفاع عن المنتمين لها، فى حين لجأت ميليشيات الجماعة إلى استخدام آلة القتل فى تصفية خصومها السياسيين، فاغتالت القاضى أحمد الخازندار، وقتلوا النقراشى باشا، بل وربما يكون النظام الخاص قد اغتال «حسن البنا» نفسه، بعد أن أصدر بياناً بعنوان «ليسوا إخواناً ولا مسلمين»، وهو يصف الأفعال الإجرامية لتلامذته، وواصلت آلة القتل الإخوانى عملها طيلة فترة الستينات وما تلاها، وتشكلت أذرع عسكرية أخرى للإخوان داخل العديد من الجماعات الإسلامية التى خرجت من رحمها، وبادرت هذه الأذرع إلى التفجير والاغتيال وسفك الدم، بداية من دماء البشر العاديين الذين راحوا ضحايا التفجيرات، ومروراً باغتيال السائحين من أجل إضعاف السلطة، وانتهاء باغتيال الرئيس السادات رحمه الله. وقد يصح القول بأن عدداً من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار الذى استولى على الحكم فى يوليو 1952 تربى داخل النظام الخاص لجماعة الإخوان، ومن بينهم الزعيم جمال عبدالناصر رحمه الله، ولأن العسكر كانوا الأكثر امتلاكاً للقوة، والأعلى تأهيلاً على مستوى استخدامها، فقد حسموا الأمر فى النهاية لصالحهم، والفضل فى ذلك للجماعة التى جعلت من القتل أداة لإملاء أهدافها على الواقع، فكانت النتيجة أن قهرها الأكثر عنفاً.. وكل سلمية وأنتم طيبون.