يناقش كتاب «الإسلام السياسي في مصر- من حركة الإصلاح إلى جماعات العنف» للدكتورة هالة مصطفى - الخبيرة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام- تطور الإسلام السياسي من حركة الإصلاح الديني، مرورا بنشأة جماعة الإخوان المسلمين وأفكارها وحركتها وصراعاتها داخل المجتمع،ثم نشأة الجماعات الراديكالية وتطورها وتحليل أفكارها وموقفها من النظام السياسي والجماعات الأخرى داخل ساحة العمل الإسلامي،وفى السطور التالية نرصد عقيدة الجهاد والأجنحة السرية التي نشأت مع ظهور جماعة الأخوان المسلمين: تبدأ الدكتورة هالة مصطفى فى كتابها بنشأة جماعة الإخوان المسلمين بمدينة الاسماعيلية عام 1928 كجمعية دينية تحض على «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» وبدأت نشاطها بالوعظ الديني والدعوة لإقامة المساجد والمدارس لمحاربة مظاهر «التحلل الخلقي» وانتشر نشاطها في كل مدن القناة، ثم انتقلت إلى القاهرة فى 1932 لتصبح مقرا رئيسا لنشاط جماعة الإخوان المسلمين، وشهدت نفس الفترة إنشاء الجهاز السري الذي لعب دورا خطيرا في الحياة السياسية المصرية، وإذا تحدثنا عن عقيدة الجهاد فى فكر مؤسس جماعة الأخوان المسلمين،فبحسب الإمام حسن البنا: «الإسلام عبادة وقيادة ،ودين ودولة ،وروحانية وعمل،وصلاة وجهاد،وطاعة وحكم،ومصحف وسيف لا ينفك من هذين عن الآخرين...» فبهذه الكلمات يلخص حسن البنا حركة الأخوان المسلمين التى تعتبر الجهاد ركنا أصيلا فيها،فالحركة تعبر عن العمل والنضال وليست حركة فلسفية أو فكرية،فشعار الجماعة الذي يحمل كلمة «اعدوا» وخلفها صورة المصحف والسيف هي أكبر دليل على التزام الجماعة «بالجهاد»وإعطائه الأولوية الأولى في الدعوة، ويقول البنا في مذكرات الدعوة والداعية ،تحت عنوان«ما خطوتكم الثانية» أيها الإخوان أعلن لكم هذه الخطوة على صفحات جريدتكم هذه لأول عدد منها وادعوكم إلى الجهاد العملي بعد الدعوة القولية»ومن هنا اعتبر البنا «الجهاد»فريضة دينية لا تقل أهمية عن الفرائض الأخرى،بل منهج أساسي من مناهج الدعوة.وتوضح الدكتورة هالة مصطفى أن نشأة النظام الخاص أو الجناح العسكري لجماعة الإخوان هي الترجمة العملية لمبدأ «الجهاد» في فكر الإخوان ووسيلة من الوسائل لتحقيق أهدافها السياسية،فقد أسس البنا التنظيم السرى في أواخر الثلاثينيات تقريبا في عام 1938 وكان من أهم أعضائه: صالح العشماوى،وحسين كمال الدين،وعبد العزيز أحمد،وعبد الرحمن السندي الذى كان أول رئيس لهذا الجهاز،وقد ساعدت الظروف السياسية التى كانت تعيشها مصر والحرب العالمية الثانية في تلك الفترة،في دفع هذا النظام وإبرازه على مسرح الأحداث،حيث عبر عنه حسن البنا بقوله المباشر «الجندية والتدريب والاستعداد للجهاد المقدس هو ما يعني به الأخوان المسلمون كل العناية،فيه يتكون الجيش الإسلامي وبه يستطيع أن يحقق الأمل ويرفع اللواء عاليا»،حيث وضع (قانون التكوين) الملامح التنظيمية للنظام الخاص فنص علي تشكيله بنظام الخلايا تتكون من هيئة قيادة وأركان حرب وجنود، وأن يكون لكل خلية أمير مهمته تعريف العضو بنوع العمل وإقناعه بشرعيته،ووجب القانون الطاعة للأعضاء بعد البيعة،وكان إعداد الجنود يشمل أعمال الفدائيين،وحرب العصابات،والتدريب على استخدام القنابل(المولوتوف)واستخدام المفرقعات والألغام والأسلحة النارية وسبل تخريب المواصلات والسكك الحديدية،وغيرها من أعمال العنف،وكان للجهاز ميزانية مستقلة عن الميزانية العامة للجماعة وكانت تنفق على التسليح ومتطلبات نشاط الجهاز السري،وكان له أجهزته التابعة له من أهمها جهاز للمخابرات مهمته تجميع المعلومات حول الأحزاب والهيئات السياسية،حيث قام الجهاز السري للأخوان بأكثر حوادث العنف السياسي توجه بعضها ضد الوفد وتركز معظمها ضد الجهات الأجنبية قبل أن تتحول ضد رموز الحكم في مصر،فكانت المرة الأولي التي اتهم فيها باستخدام العنف هي قضية اغتيال أحمد ماهر باشا زعيم الحزب السعدي ورئيس الحكومة في 1944،ثم توالى الجهاز الخاص في تصفيه أعداؤه مثل مقتل القاضي الخازندار فى مارس1948،ومحمود فهمي النقراشي رئيس الحكومة فى ديسمبر 1948،حتى وصل الأمر الى قيام الجهاز بتصفيه بعض أعضاؤه المنشقين عنه بتنظيمات صغيرة حتى لا يبقى سوى تنظيم خاص واحد للجماعة وهذا وفقا لما رواه أحمد عادل كمال وكان عضوا بارز في التنظيم السري. وتؤكد الدكتورة هالة مصطفى فى كتابها أن نشأة التنظيم الخاص للإخوان المسلمين هو النواة الأولى لظهور التنظيمات والجماعات الإسلامية منذ السبعينيات،حاملة معها مبدأ «الجهاد الإسلامي» حيث أصبح العنف السياسي أحدى الأدوات المشروعة لتحقيق مطالبها، وشهدت سنوات السبعينيات ظهور عدد من التنظيمات والجماعات تحمل منهجا مختلفا عن جماعة الإخوان وكان أولها «جماعة شباب محمد أو الفنية العسكرية» التى كشفت وجودها فى عام 1974، وجماعة «المسلمون أو التكفير والهجرة» عام 1977، وتنظيم الجهاد في 1979 وكان مسئولا عن أخطر عملية عنف سياسي شهدها تاريخ مصر السياسي الحديث وهي اغتيال الرئيس محمد أنور السادات في أكتوبر 1981. وتأتي جماعة «المسلمون» والتي عرفت إعلاميا بجماعة «التكفير والهجرة» بعد اختطافها وزير الأوقاف الشيخ محمد الذهبى عام 1977، فى المرتبة الثانية من حيث الإنشاء على يد مؤسسها شكري مصطفى والذي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين حتى اعتقل عام 1965 ولم يفرج عنه إلا فى عام 1971،وتشير بعض المصادر أنه ليس فقط الأثر الذي تركته سنوات الاعتقال على أفكار شكرى كان واضحا من خلال تشدده وأسلوبه في العمل السياسي بل تمرده على منهج الإخوان. وتتسم أفكار جماعة :المسلمون» بالسلفية الشديدة مثل أغلب جماعات الإسلام السياسي المعاصر من حيث الاعتماد على القرآن والسنة وليس المذاهب الفقهية المختلفة،حيث تشابهت الجذور الفكرية لها مع جماعة الفنية العسكرية،وقد تأثرتابأعمال سيد قطب وأبو الأعلى المودودي،وعلى شريعاتى ،ومحمد بن عبد الوهاب،وتتفق أفكار جماعة المسلمون مع جماعة الفنية العسكرية خاصة فيما يتعلق بتكفير النظام السياسي وتزيد على ذلك بتكفير المجتمع. اتخذت الجماعات الإسلامية،بحسب الكتاب، طريق العنف والاعتداءت مسلكا ومنهجا لها ففى نهاية السبعينيات وبالتحديد عام 1979 ظهر تيار داخل الجماعة مناهض لسياسة الأخوان وأميل إلى خط الجهاد خاصة في جماعات الصعيد وهو ما أدى فى النهاية إلى صدام الجماعة مع الأخوان والسلطة معا،وكان من أشهر أعضائها كرم زهدي وناجح إبراهيم وعصام دربالة وعاصم عبد الماجد الذين تعاونوا مع تيار الجهاد ضد النظام إلى أن صدرت قرارت سبتمبر 1981 التي تضمنت اعتقال قيادات الجماعة الإسلامية وأبرز أعضائها،حيث توارى تيار الجماعة الإسلامية وبرز على الساحة تيار الجهاد الذي ارتبط بحدثين تاريخيين وهما اغتيال الرئيس السادات فى 1981 وحادث أسيوط .