وجوه مشرقة، أعين دامعة، قلوب مضطربة الدقات، يسير أصحابها كالسابحون فوق السحاب، فساعات قليلة ويتحقق حلم العمر الذي طال انتظاره، لقد أذن لهم الرحمن بزيارة بيته الحرام، ومدينة نبيه الكريم، جزاءً وفاقًا لما صبروا عليه في حياة تملؤها المصاعب والمحن. «لبيك اللهم لبيك»، تلهج بها قلوبهم قبل ألسنتهم بمشاعر العشق واللهفة والامتنان، فيتضاءل أمامها الاشتياق إلى الأحباب، وتهون مشقة الرحلة والبعد عن الأوطان، تاركين خلفهم متاع الدنيا وزخرفها، إلا من رداء أبيض بسيط، وذنوب أثقلت ظهورهم راجين العودة بدونها. . الضحكة تزين وجوه الحجاج ما إن وطأت أقدامهم أرض المطار. . وأمام الحواجز الحديدية يحين الوداع، فتتشابك الأذرع، وتغمر القبلات الوجوه. . تنفلت الدموع الحبيسة، وتجري دون انقطاع لتحكي عن خوف وقلق وشوق آخذ في النمو مع تسارع خطوات الأحباب باتجاه صالة المطار. . نظرة أخيرة على الأحباب قبل دخول صالة المطار، تستقبلها عيون المودعين خلف الحاجز الحديدي. . دموع تحكي عن قلوب تئن من فراق الأهل والأصحاب. . سرعان ما يجبر الله قلوب زوار بيته، فيكفكفون دموع الفراق، وتشرق الوجوه ضاحكةً مستبشرة. . «لبيك يارب» لا مرض ولا شيب يحول دون تلبية ندائك لعبادك الفائزين. . وداع أخير في مكالمة هاتفية لا يحول دون تعلق الأعين بشاشة مواعيد مغادرة الرحلات إلى الأراضي المقدسة. . لقاء طال انتظاره، قد يقربه ترتيل بعض آيات القرآن الكريم. . تنزل سكينة الله بردًا وسلامًا على زوار بيته الحرام، فتطبق الأجفان، وتنام الأعين قريرة، وتحلم القلوب بوصلٍ قريب.