فضلوا الانتخابات أولاً حتى لو كان الثمن إجهاض الثورة الجماعة سبب الفتنة السياسة والاشتراكيون الثوريون أول من اكتشفوا «العسكر» كقائد للثورة المضادة فى هذا المشهد تتضح الأوراق شيئا فشيئا ، وتبدأ أركان اللعبة فى التكشف ، ويتم فيه استخدام سلاح جديد لم يكن يستخدم من قبل بتلك الفاعلية وهو سلاح الدين ، تبدأ الحركة فى هذا المشهد مع الإعلان الدستورى الأول الصادر في 13 فبراير 2011 ، أى بعد يومين من إعلان مبارك تنحيه عن الحكم ، ويستمر حتى معارك اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الدائم للبلاد ، مارا فى خلال ذلك بالإعلان الثاني الذى صدر في 30 مارس بناءً علي نتيجة الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 , ويتعرض للتعديلات التى أدخلها المجلس العسكرى على ذلك الإعلان والتعديلات الصادرة فى 25 سبتمبر 2011 والخاصة بتعديل نسبة الفردى والقوائم فى الانتخابات البرلمانية ، وتلتها تعديلات 19 نوفمبر من العام نفسه والخاصة بالسماح للمصريين بالخارج بالتصويت في الانتخابات تحت إشراف السفراء والقناصل بدلاً من القضاة . فلاش باك الفرحة كانت عارمة ، والكل سعيد يوم رحيل الديكتاتور، والدبابات الذهبية تزيد من بهجة الصورة وهى تعكس أشعة شمس الحرية على وجوه كادت تنسي طعم الحياة من كثرة الهموم؛ ولكن يبدو أن تلك الوجوه لم تقدر الموقف حق قدره عندما هرولت تحتضن تلك الدبابات بقلوبها وتلتهمها فرحا بأعينها؛ فبعد أقل من خمسة عشر يوما من ذلك التاريخ هاجمت الشرطة العسكرية بوحشية معتصمين طالبوا بإقالة رئيس الوزراء آنذاك الفريق أحمد شفيق، عند مقر مجلس الوزراء يوم 26 فبراير، فى هذا اليوم بدأ الوجه السياسي للمجلس العسكرى فى الظهور من خلف بيان معتذر عرف بجملته الشهيرة «رصيدنا لديكم يسمح»، كان هذا البيان بمثابة المطرقة التى دقت سندان القوى السياسية ، ويشير المحللون السياسيون إلى أن هذا البيان كان بمثابة نقطة الانطلاق التى بدأت بها القبضة العسكرية فى دغدغة عواطف الشعب بالكثير من الخطب والبيانات العاطفية التى تخدر وتسكن دون أن تحل وتقضي فى الأمور. أيام قلائل مضت على ذلك البيان قبل أن تعلن بعض القوى الثورية تشككها فى نوايا المجلس العسكرى، وبدأ ذلك مع الاشتراكيين الثوريين الذين أعلنوا عبر موقعهم الرسمى فى5مارس2011 أن المجلس العسكرى هو من يقود الثورة المضادة، وذلك بعد إصدارالمجلس العسكرى يوم 4 مارس 2011، بياناً بتحديد يوم 19 مارس لإجراء الاستفتاء على تعديل9مواد من دستور1971، والذى سبق وعطله فى اعلانه الصادر يوم 13 فبراير 2011. بدأت المخاوف تتسلل شيئا فشيئا إلى باقى القوى الثورية والسياسيين خاصة بعد الأحداث التى شهدها يوم 9 مارس 2011 وبعد أقل من شهر على خلع الدكتاتور مبارك، ففي ظهر ذلك اليوم هجم جنود الشرطة العسكرية على المعتصمين بميدان التحرير وقاموا بتمزيق وهدم الخيام واعتقلوا نحو 170 شابا وسحلوهم حتى مبنى المتحف المصري الذي لاقوا فيه –بحسب رواياتهم- أبشع أشكال الإهانة والتعذيب بالعصي والمواسير وصواعق الكهرباء بعد تقييد أيديهم وأقدامهم، كما تم اقتياد17 فتاة من المتظاهرات إلى أحد السجون الحربية وهتك أعراضهن بكشوف العذرية التي أصبحت فيما بعد فضيحة دولية، وتم تحويل عدد من المعتقلين لمحاكم عسكرية ليصدر عليهم أحكام بالسجن تصل لسبع سنوات. فى تلك الأثناء وجد المجلس العسكرى فى قوى الإسلاميين داعما كبيرا لتوجهه نحو التعديلات الدستورية التى لاقت رفضا واسعا من قبل القوى السياسية الليبرالية التى كانت تسعى إلى إسقاط دستور 1971 كاملا ووضع دستور جديد قبل الشروع فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية. الدور الإخوانى وجد المجلس العسكرى فى الإخوان المسلمين ضالته باعتبارهم الفصيل الأكثر تنظيما والأقدر على عملية الحشد الجماهيرى ليكسب معركة التعديلات الدستورية ، واستعان الإخوان فى تلك المعركة بالسلفيين وحولوا معا قضية الاستفتاء من الاستفتاء على مواد دستورية إلى استفتاء على الدين ، وبدأوا فى تعبئة جماهير القرى فى المحافظات بعيدا عن القاهرة والإسكندرية ، ففى يوم 13 مارس أعلنت جماعة الإخوان المسلمين موافقتها على التعديلات الدستورية رسمياً، وقالت إنها ستبذل كل جهودها لتكون نتيجة الاستفتاء «نعم»، ولفت بيان صادر عن مكتب الإرشاد إلى أن هناك تشاورات بين «الجماعة» والقوى السياسية، حول المشاركة بقائمة مشتركة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة. وقال الدكتور محمد مرسى، عضو مكتب الإرشاد فى ذلك الوقت ، خلال مؤتمر صحفى عقدته «الجماعة» فى مقر الكتلة البرلمانية بمنيل الروضة: نوافق على التعديلات الدستورية، رغم أنها غير كافية، وندعو الشعب إلى الموافقة عليها فى الاستفتاء، لإجراء الانتخابات البرلمانية، ونطالب بتشكيل «جمعية» لوضع دستور جديد، لأن هذه الخطوات، هى الوسيلة للعبور بالبلاد إلى الديمقراطية. وفي تصريحات صحفية قال عصام العريان إن «الجماعة» ستعقد جلسة حوار «من أجل مصر» مع القوى السياسية، لمناقشة خطورة رفض التعديلات الدستورية. وقال إن إجراء الانتخابات الرئاسية، قبل البرلمانية سيأتى بفرعون جديد، ودعا إلى إجراء الانتخابات «البرلمانية»، ثم وضع دستور جديد، لتقليص سلطات رئيس الجمهورية وإجراء الانتخابات الرئاسية، فيما بعد. الدكتورة هويدا عدلى أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث تصف ما حدث بين الإخوان و"المجلس العسكرى " فى التعديلات الدستورية بالصفقة ، واعتبرت الموافقة على تلك التعديلات بمثابة الكارثة التى أدت إلى ما نحن عليه الآن ؛ فلو أننا سرنا فى الخط المستقيم وقمنا بوضع الدستور اولا كما أرادت كل القوى الليبرالية والمدنية وقتها لكنا تجنبنا كل المشاكل والعقبات الموجودة الآن ، وكنا انتهينا من المرحلة الانتقالية سريعا ، وكان سيأتى رئيس بسلطات واضحة ، وكان وضع الحكومة سيكون أكثر استقرارا ، ولكن الإخوان كانوا على وفاق مع المجلس العسكرى فى هذا الوقت وكانت هناك إمكانية للقفز على السلطة بسهولة باعتبارهم فصيلا منظما ، تضيف عدلى وقد تخيلوا أن الأمر سيسير وفق مخططهم ؛ فهللوا من أجل ذلك للتعديلات الدستورية ، وحاربوا من أجلها ، ووقفوا مع الإعلان الدستورى الذى تبنى ذلك ، ووضعوا بذلك العربة أمام الحصان ، وهذا هو الأساس الذى بنيت عليه الكارثة التى نعانى منها حاليا . وتؤكد الدكتورة هويدا علي وجود صفقة بين المجلس العسكرى والإخوان وهذا طبيعى جدا فى اللعبة السياسية ، وهو موجود فى كل بلدان العالم ؛ فالقوى المحافظة دائما تسعى للتحالف سويا ، ولو شرحنا المجتمع المصرى فى تلك الأثناء تحديدا ، سنجد أن المجلس العسكرى قوة محافظة ولا توجد هنك قوى محافظة أخرى فى المجتمع غير الإسلام السياسي . وتري الدكتورة هويدا ان الإخوان حققوا عددا كبيرا من الأهداف من وراء تلك الصفقة فقد استطاعوا أن يرسخوا لفكرة حقهم فى التمكن من السلطة ، ووصلوا إلى أغلبية البرلمان ، وظلوا الفصيل صاحب السلطة الأولى سياسيا قبل أن يحتدم الصراع بين الطرفين فى قضية حل البرلمان ، وفى الانتخابات الرئاسية ، وتشير أن هذا الصراع كان للاستهلاك الجماهيرى ، وأن المجلس العسكرى كان على وفاق مع الإخوان حتى فى أشد مراحل هذا الصراع ، وأن لعبة حل البرلمان كانت تبادلية بين الاثنين لتمكين الإخوان من السيطرة على المؤسسة الرئاسية . بحسب تحليلاتها فقد استمر الوفاق بين الإخوان و"العسكرى" وعاشوا في شهرعسل طويل امتد حتى قبل أزمة رفح فى سيناء ، بغض النظر عما كان يحدث على السطح ، ويتم تصديره إلى الإعلام .و تذهب الدكتورة هويدا عدلي إلى ان المجلس العسكرى كان يهدف من خلال هذه الصفقة إلى الحفاظ على مصالح المؤسسة العسكرية ، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية ، وقد وضح ذلك بشدة فى محاولاته المستمرة أن تكون لتلك المؤسسة مكانة خاصة فى الدستور القادم ، كما أن "العسكرى " لم يكن يريد إحداث تغيير جذرى فى المجتمع ؛ فهو كان ضد ملف التوريث ، ولكنه لم يكن ضد النظام ومع انتهاء ملف التوريث بحث العسكرى عن القوى الأقرب للتحالف معها والتى تساعده على ألا يحدث تغيير جذرى فى المجتمع ، فكان هذا التيار هو الإسلام السياسي ممثلا فى الإخوان المسلمين ، وتؤكد الدكتورة عدلى أن " العسكرى " من الأساس لم يكن مقتنعا بفكرة الثورة، ولكنه كان مقتنعا فقط بأن يتخلص من شبح جمال مبارك .