رئيس جامعة مطروح يشيد بالمعرض التطبيقي لطالبات كلية التربية للطفولة المبكرة    حنان الشبيني تقدم بحثًا متميزًا عن فاعلية التدريب في تطوير التعامل مع المحتوى الرقمي    البابا تواضروس: نحن مواطنون مصريون نعيش مع إخوتنا المسلمين فى وطن واحد    أسواق الأسهم الأوروبية تغلق منخفضة مع التركيز على نتائج أعمال الشركات    محمد شردى يجرى جولة بكاميرا "الحياة اليوم" مع عمال النظافة بالقاهرة    وزيرا خارجية السعودية وأمريكا يبحثان التطورات الإقليمية والدولية    هزيمة النازية ... وجريمة إسرائيل!!    تسيميكاس يقترب من الرحيل عن ليفربول    حمدي فتحي ينهي موسمه مع الوكرة بالخروج من كأس أمير قطر    تجديد حبس موظف متهم ب«تهكير» حسابات بعض الأشخاص وتهديدهم في الفيوم 15 يوما    غدًا.. إذاعة القرآن الكريم تبدأ بث تلبية الحجاج    انطلاق ملتقى "الثقافة والهوية الوطنية" في العريش    نائب وزير الصحة يترأس اجتماع الأمانة الفنية للمجموعة الوزارية للتنمية البشرية    الآلاف يشيعون جثمان الطفل "أدهم" ضحية أصدقائه في كفر الشيخ - فيديو وصور    ميرتس يبدي تحفظا حيال إسهام بلاده في تأمين هدنة محتملة في أوكرانيا    الإسماعيلية تتابع الموقف التنفيذي لمنظومة تقنين واسترداد أراضي الدولة    أوس أوس يطلب الدعاء لوالدته بعد دخولها رعاية القلب    ختام فاعليات مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في دورته التاسعة - صور    «منهم الحمل والأسد».. 4 أبراج تتحدث قبل أن تفكر وتندم    آخرهم رنا رئيس.. 6 زيجات في الوسط الفني خلال 4 أشهر من 2025    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    بسبب السحر.. شاب يحاول قتل شقيقته بالقليوبية    بيدري مهدد بالعقوبة من يويفا بسبب تصريحاته ضد حكم قمة الإنتر وبرشلونة    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    عضو ب"القومى للمرأة": حظر تشغيل كل من كان عمره أقل من 15 سنة فى المنازل    تحت تأثير المخدر.. المشدد 5 سنوات لمتهم قتل وأصاب 3 أشخاص في القليوبية    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    ما حكم طهارة وصلاة العامل في محطات البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    التايكوندو يتوجه للإمارات للمشاركة في بطولة العالم تحت 14 عام    جامعة كفر الشيخ تشارك في منتدى «اسمع واتكلم» بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف    جوندوجان يحلم بأن يكون مساعدًا ل "الفيلسوف"    محافظ المنيا يوافق على تحسين خدمات النقل وفتح التقديم لترخيص 50 تاكسي    محافظ قنا يشارك في احتفالية مستقبل وطن بعيد العمال ويشيد بدورهم في مسيرة التنمية    رئيس جامعة القاهرة: هناك ضرورة لصياغة رؤية جديدة لمستقبل مهنة الصيدلي    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    رئيس "أزهرية الإسماعيلية" يشهد امتحانات النقل الإعدادى والابتدائى    قرار هام من الحكومة بشأن الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا    أوبرا الإسكندرية تقيم حفل ختام العام الدراسي لطلبة ستوديو الباليه آنا بافلوفا    كندة علوش: دوري في «إخواتي» مغامرة من المخرج    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    هل يجوز أن أصلي الفريضة خلف شخص يصلي السنة؟.. المفتي السابق يوضح    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    بدء التشغيل الفعلي لمنظومة التأمين الصحي الشامل في أسوان أول يوليو المقبل    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    عاجل- الحكومة: توريد 1.4 مليون طن قمح حتى الآن.. وصرف 3 مليارات بمحصول القطن    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    الداخلية: ضبط 507 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد خان.. «رومانسية الألم» على شاشة السينما «بروفايل»
نشر في فيتو يوم 26 - 07 - 2016

(أحلام هند وكاميليا- بنات وسط البلد- زوجة رجل مهم- أحلى الأوقات- شقة مصر الجديدة- خرج ولم يعد- وأخيرا فتيات المصنع) مجموعة من أفلام المبدع محمد خان شكلت مايمكن اعتباره مزيجا مدهشا من الرومانسية الواقعية.
ففي هذه الأفلام تحديدا ودونا عن أفلام خان الأخرى سوف تجد ذلك الشجن الرومانسي الذي يسعي لكي يحفر لنفسه مكانا وسط واقع صعب مفعم بالتناقضات.
نحن لسنا بصدد مجرد مخرج خرج من عباءة ماسميت بالواقعية الجديدة التي ظهرت في مصر أواخر السبعينات وترعرعت مع سنوات ثمانينيات القرن العشرين، ولكننا أمام مخرج رومانسي. للحب عنده قصص كثيرة ومحاور متعددة تؤدي كلها في النهاية إلى الحلم ومقاومة واقع اجتماعي معقد تسيطر عليه التقاليد ويتخع فيه المشاعر للمساومات الاقتصادية.
فإذا كان فيلم (خرج ولم يعد) يرصد الفرار من توحش المدينة المتمثلة في العاصمة إلى بكارة الريف حيث براءته وخيراته مازجا ذلك بقصة رومانسية، فإن خان يعود إلى عالمه الحقيقي الذي احترف المبارزة السينمائية في شوارعه ومقاهييه وحواريه في المجموعة الأخري من أعماله عبر نفس الخلطة الساحرة التي تمزج الواقعية بالرومانسية ومحاولة إيجاد مساحة للحب والحلم رغم الواقع الصعب.
هكذا رأيناه في أحلام هند وكاميليا الخادمتان أيضا في وسط البلد العالم -المفضل لخان الذي ولد وعاش به فهو كما يقول من مواليد غمرة، وعاش في وسط البلد – في أرض شريف – بجوار العتبة، ولذلك يستهويه الانطلاق منه لرصد أحلام ومتناقضات القاهرة الواسعة، لاسيما أحلام نسائها البسطاء والمهمشين.
يقول خان «عشقي لمدينة القاهرة يرجع إلى أن حياتي كلها قضيتها في القاهرة، ولم يكن لدينا سيارة، فكنت أذهب إلى مدرستي في حدائق القبة بالأتوبيس، وكان أبي يأخذني كل يوم جمعة لحلاقة شعري ثم نذهب لمشاهدة فيلم في سينما مترو بالذات، وبعدها كان يأخذني لتناول الغداء في أحد المحال ثم نعبر الشارع لكي نشتري من محل الأمريكين قطعة من الكيك لكي نأخذها لأمي، فكما ترون، حياتي كلها بمدينة القاهرة» .
لذلك لم يكن صعبا أن نجد خان فارسا مغوارا لسينما شوارع القاهرة بواقعيتها وأحلامها وإحباطها، وهكذا كانت أحلام هند الأرملة أن تجد رجلا مناسبا ينتشلها من حياتها البائسة فتلتقي بنصاب يورطها في مشكلات إضافية بسبب انحرافه.
أما كاميليا المطلقة فهي تعول شقيقها العاطل وزوجته وأطفاله مقابل أن يسمح لها بالمبيت في شقته، فكلتا المرأتين نموذجا آخر من نساء مجتمع قاسي لايرحم حيث يصبح فيه الرجل عالة على المرأة أحيانا بدلا من أن يعينها على الحياة، وهي نظرة لاتحمل الشكل التقليدي لتصنيف المجتمع والانحياز للمرأة والسلام فنماذج الرجال الموازية ضحايا أيضا لهذا المجتمع الذي لايرحم الرجل قبل المرأة ليصنع خان بذلك توازنا يؤكد حبه لكل شخوصه ورصده الموضوعي للقضية الأكبر في مجتمع يكرس الطبقية طول الوقت ويسحق الفقير بمنتهى القسوة والأنانية.
ووسط كل هذه القسوة يصبح الحلم والرومانسية هما الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذا الواقع عند خان دون إغفال للمرحلة والخلفية السياسية التي ستجدها في كل أفلام خان تقريبا.
الخلفية السياسية:
في (زوجة رجل المهم ) والذي يهديه إلى روح حليم كما أهدى فتاة المصنع لسعاد حسني، سوف نجد أمرين مهمين الأول هو تلك المسحة الرومانسية الشائعة وعلي نحو مباشر في الفيلمين رغم اختلاف العالمين، فرجل مهم يحمل اسم الرجل الذي يعبر عن الخلفية السياسية في 18 و19 يناير في مصر، والتي كانت تعبيرا بدورها عن واقع سياسي يتمثل في القهر والفقر ومع ذلك فقد كان هذا الفيلم عن المرأة أكثر منه عن الرجل الذي يكشف عن واقع من القهر السياسي أكثر منه قهرا ذكوريا كسمة بعض أفلام أخرى لمثقفين اخرين كما أسلفنا.
و(فتاة المصنع) أيضا عن المرأة في خلفية سياسية مرتبكة يبحث فيها المواطن رجل وامرأة عن العيش والحرية والكرامة الاجتماعية وهو شعار 25 يناير الذي يتجلى في مظاهرة وحيدة داخل السياق، بينما نرى بطلات الفيلم مشغولات بمشاهدة فاترينة لملابس داخلية حريمي ليصبح حلمهن البسيط جدا أصغر بكثير من واقع المظاهرات المعبرة عن ثورة تم إجهاضها فيما بعد لتعود ريما لعادتها القديمة.
وعلي الجانب الآخر يشترك الفيلمين في مساحة الحلم الرومانسي البحت والمجهض في الحالتين، ففي الأول يصبح موت حليم رمزا لإنكسار حلم لجيل بأكمله حين تودع جنازته معها أيام خوالي جميلة بينما يظلل صوت سعاد حسني في الثاني أحلام بطلاته المترعة بالشقاوة والبحث عن الآخر في سن الواحدة والعشرين حيث حلم السندريلا المتوهج لدى كل فتاة بفتي الأحلام كما في الروايات الرومانسية الكلاسيكية أو حتى في الأساطير.
نساء محمد خان:
وإذا كان (أحلى الأوقات) يتجاوز المساحة الواقعية لمساحة أكثر خصوصية في البحث عن معني رومانسي غائب كثيرا من المشهد الحياتي المزدحم بالصراع المادي والطبقي أيضا، وكذلك فيلم (شقة مصر الجديدة ) الذي يتحول طول الوقت لهذا البحث الرومانسي الذي يستهوي مخرج الواقعية الناعمة، فإن فيلم (بنات وسط البلد ) يصبح هو الأقرب حالا لعالم فتيات وسط البلد القادمات من طبقة العشوائيات والحلم الرومانسي والواقعي بالحب والاستقرار وسط تناقضات الاستغلال الطبقي والاقتصادي من خلال فتاتين، إحداهما تعمل كوافيرة والأخرى بائعة في محل ملابس وتتعرضان لعدد من المواقف والمفارقات في حياتهما حتى تلتقيا بالحب الحقيقي.
ولاحظ تلك الثنائية في أحلام هند وكاميليا وفي هذا الفيلم فكلاهما عن فتاتين ينطلق منهما المخرج لعالم الفتيات والنساء الأكثر رحابة في مجتمع وجدت المرأة فيه نفسها مضطرة لمجابهة ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة، وشريحة النساء في هذين الفيلمين كما هي في فتيات المصنع لم تنل قسطا وفيرا من التعليم، ولذلك فهن يضطررن لمواجهة قسوة الواقع ويتعرضن لأساليب مختلفة من التخبط والتحرش استغلالا لظروفهن، فجميعهن منسحقات وسط عاصمة لاتأبى بأحلامهن في حياة بسيطة كريمة ولكن حلمهن لايتوقف رغم كل شيء.
وهن يستوين في ذلك مع حلم سيدة الطبقة الوسطي المتعلمة في (زوجة رجل مهم) حيث إن الرومانسية المجهضة لاتقتصر على طبقة أو ثقافة بعينها، وهكذا نساء محمد خان في معظم أفلامه.. فهن قويات مناضلات رومانسيات مهما كان حجم محاولات إجهاض أحلامهن.
كما لابد وأن نشير هنا إلى أن أربعة أفلام من هذه المجموعة كتبتها وسام سليمان بدءا من (بنات وسط البلد) وأحل الأوقات، واستكمالا ب (في شقة مصر الجديدة) عام 2007، وأخيرا فتاة المصنع حيث حاولت تقديم صورة صريحة عن تفكير المجتمع المتدني عن شرف الفتاة وعن الرجولة الغائبة الزائفة التي يتخفى ورائها البعض وهو مايمكن اعتباره ثنائيا ناجحا
البناء العرضي:
وهنا لابد أن ننتقل إلى البناء الدرامي في أفلام خان خصوصا بناء شخصيات ومجتمع نسائه في هذه الأفلام التي يتغير فيها كتاب السيناريو والأفكار لكنها جميعا تحمل توقيع وبصمة خان البنائية ذلك المخرج الذي سافر في بداية حياته إلى إنجلترا ليدرس الهندسة المعمارية، ولكنه درس هناك السينما، ليصبح أحد رواد هذا الفن المدهش.. فخان يميل للبناء العرضي الذي يستعرض شخوصه وسط خلفيات اجتماعية وأماكن وأحداث واقعية، بحيث يمكن تحويل كل مشهد في أفلامه لبناء مستقل بذاته باعتباره لوحة تشكيلية تمثل وحدة موضوعية بحيث إن تراكم هذه المشاهد في البناء العرضي السينمائي يؤدي في النهاية إلى معني عام مفتوح للتأمل والتحليل.
فتاة المصنع نموذجا:
حاز فيلم (فتاة المصنع) على عشرات الجوائز ربما آخرها احسن إخراج وأفضل ممثلة وأفضل سيناريو في المهرجان القومي للسينما المصرية الأخير كما سبق وحصد جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما للأفلام العربية الروائية الطويلة بالدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي 2013، وفازت بطلته ياسمين بجائزة أفضل ممثلة في مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة بنفس الدورة، وشارك الفيلم بمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية 2014 ولاقى استحسان جماهيري وفني غير متوقع وهو نموذج لعمل يمكن تدريسه من حيث البناء والأفكار وطريقة العرض .
وإذا تأملنا فتاة المصنع كنموذج للبناء العرضي المستقل سوف نرصد عشرات المشاهد التي تعتمد على هذا الإسلوب.
تأمل صور طريقة حديث الفتيات بالمصنع وتناولهن الطعام ومايحدث داخل غرفة تبديل ملابسهن، خاصة العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين فتيات تلك الطبقة البسيطة وما يشغل بالهن، واستخدم أدواته في إدارة طاقم العمل بدء من الملابس، والأزياء المستخدمة والكادرات الواسعة.
وتأمل استخدام مقاطع من أغنيات سعاد حسني تبدو كما لو كانت المعلق على المشهد أو المتحدث باسم الشخصية من داخلها وكأنها هي نفسها تستدعى هذا المقطع والمشهد بعينه في لحظة ما..
وتأمل مشاهد استعراض تشكيلات الفتيات داخل المصنع وحوارتهن العامة والجانبية وتكوين الكادرات في كل لقطة لتصبح بدورها جملة فنية موحية مدهشة.. ولأن النساء يعشن حياة بائسة يسيطر عليها الرجل في الماضى والحاضر وفى الخيال والواقع، تلعب الكاميرا دورا استثنائيا بالتركيز عليهن بالزووم من أعلى.
ومنذ المشهد الأول تتحول دار العرض إلى مصنع بينما تصبح أضواء شاشة العرض وكأنها ضوء شاحب لآلات لا تتوقف عن العمل..
كذلك مشاهد اختيار البنات لملابسهن رخيصة الثمن ذات الألوان المتداخلة، وألوان المانيكير الذي يتطاير معظمه من أظافرهن، ثم لقطة الغسيل بتكويناتها ومستوياتها المتعددة المعبرة عن الحالة النفسية لكل بطلة.
حتى مشاهد الحارة التي تعكس بتفاصيلها وتشابك مناشر الغسيل ببلكوناتها ضيق هذا العالم وتشابكه المخيف، والذي يوحي بدوره بتتبع العورات وفرض الذات وعدم وجود مساحة للحرية الشخصية على أي مستوى آدمي.
كذلك مشهد النوم في سيارة نصف نقل للخالة والفتاتين بعد أن رفضت ابنتها أن تفتح لها الباب عقابا لها وانتقاما منها، حيث يتحول المشهد التالي بدوره عن لوم عنيف ولامبالاة مضادة من الفتاة التي تمتلأ بالكراهية لأمها وهي تهز قدمها أثناء الحديث بينما تجلس لترتشف الشاي وهو مشهد يكشف عن عمق أغوار الشخصية النفسية المعقدة.
وأخيرا مشهد النهاية الذي ترقص فيه «هيام» في فرح حبيبها صلاح وزواجه من أخرى تنفيذا لنذر نذرته، تأثرًا بمشهد سعاد حسني في فيلم «خلي بالك من زوزو»، عندما رقصت أمام عائلة حبيبها وهي مذبوحة من الألم.
وعموما فإن فتيات المصنع يلعب فيه الإيقاع دورا رئيسيا في البناء الدرامي فهو متدفق أحيانا وموحي أحيانا أخرى وكل كادر يمثل وحدة موضوعية ولوحة تشكيلية بذاتها..ومن أهم المشاهد في رأيي والذي يعتبر ماستر سين هو لحظات ماقبل سقوط هيام الذي يبدو انتحارا من البلكونة بتقسيمات وجهها الصارخ بالقهر والحزن المكتوم.
هيام وسعاد:
هيام أو (ياسمين رئيس) بطلة الفيلم الرئيسية هي الفتاة المصرية البسيطة بقلبها الصافي وحيويتها الدائمة، إنها تشبه سعاد حسني نفسها والتي يستلهمها الفيلم في أفلامها وأغنياتها بل وحياتها الحقيقية الصاخبة المتناقضة التي تسعى للانتصار عليها بأي ثمن.
فهي وجها آخر (لشفيقة) التي تتعرض للاستغلال في مجتمع طبقي يكرس التقاليد على حساب المشاعر وهي أيضا (زوزو) بل و(أميرة) في الفيلمين اللذين حملا نفس الاسم حين تغلب الطبقية وتتفاقم القسوة وينتحر الحب..فأقصى طموحها مثل باقي فتيات المصنع بطلات الفيلم الزواج برجل تحبه لكن أسرة هذا الشاب (صلاح) تري نفسها في طبقة أعلي، و تمارس حالة التعالي الطبقي رغم أن الفارق بسيط جدا وهو الفارق بين الأسر المتوسطة والأسر الفقيرة في مجتمعنا.
ويبدأ الصراع أو الحب من طرف واحد ومتابعة لعالم الفتيات وأسرهن من الطبقة الكادحة المستهلكة وتستخدم السيناريست وسام سليمان حيلة درامية جيدة حين توهمنا بحمل هيام من صلاح وهو مايستدعي كل الكوارث التالية لنكتشف في النهاية ومع تعقد الصراع أن الحكاية كلها أكذوبة من هيام نفسها بسبب حبها الشديد لصلاح، وأنه لم يحدث بينهما سوي قبلة. لكن كل الأحداث التالية من اكتشاف اختبار الحمل الملقي بالمصنع وتوجيه الاتهام لهيام تصبح وسيلة لجذب المتلقي لمنطقة تأجج الصراع أو الذروة وتصبح مناسبة لكشف عورات هذا العالم الذي يسعي للتشفي ويتواري خلف شرف كاذب فيتم خطف صلاح لإجباره على الزواج واقتحام الرجال من أخوال الفتاة وطليقها لعالم الأم، والتي تنبري بدورها للدفاع وبأي ثمن عن ابنتها قبل أن تنكشف الحقيقة، فهيام عذراء بختم ربها كما يقول التعبير الشعبي الدارج.
فسيناريو الفيلم يقدم لنا إدانة لمجتمع تسيطر عليه الشماتة والفضائح، وإلقاء الحجارة على الآخرين مع أن الجميع محملين بالخطايا..و خلال الأحداث لايتعمد الفيلم التلميح بإدانة أية فتاة من الفتيات بفعل العلاقة المحرمة أو حتى الحب وإن كان المخرج يوحي أحيانا بأنها تلك المنقبة التي لاتتحدث تقريبا وتتصرف من خلف نقاب يغطي ويستر أكثر مما يظهر.، لكن ذلك لايشغله وليست قضيته الرئيسية باعتبار أن الحب ليس بفضيحة تحتاج للتستر..ورغم ذلك فإن الحب عورة في مجتمعات كهذه تسيطر عليه التقاليد القاسية والكبت والعنف.
الممثلون:
وإذا تحدثنا عن الأداء التمثيلي في أفلام خان سوف نكتشف أن الممثل يعبر بصدق عن شكل الشخصية الداخلي والخارجي فالمخرج هنا مهتم باختيار أبطاله وهو يترك لهم مساحة من التحرك في إطار الشخصية لكنه يسيطر تماما عليهم ويجهلهم يؤدون بالصورة الواقعية الملائمة لنوعية الفيلم الذي يتصدي له، وقد بدأ ذلك في كل أفلامه تقريبا، ولذلك حصد معظم ممثليه جوائزا في أفلام ومهرجانات مختلفة ويعود ذلك لدقة اختيار وتوجيه خان للممثلين في كل أفلامه تقريبا.
وأول ما يلفت النظر في فتيات المصنع هو اختيار ياسمين رئيس لدور الفتاة هيام والذي كان من أفضل الاختيارات على الإطلاق حيث ملامحها الأنثوية البسيطة لتمثل أحلام كل فتاة في مثل عمرها بنفس الشقاوة والرومانسية، فجاءت تعبيرات وجهها وانفعالاتها لترصد تلقائية تلك الفتاة، ونظرات عينها المعبرة عن حالات الحب والانكسار والخوف في بعض الأحيان.
"هانى عادل" بدأ متوازنا في دوره القصير وساهم بنيانه الجسمانى وسمرته في إضفاء طابع مصرى أصيل على الشخصية، بينما تدهشنا "سلوى خطاب" بتألقها في دور الأم المصرية التي تهب بشراسة وعنف للدفاع عن ابنتها عندما تتعرض لمحنة قاسية "العذرية" التي هي الأكبر في مجتمعاتنا المتخلفة ونفس الأمر لسلوي محمد على المتمكنة من أداء شخصية الخالة ولايفلت من الشخصيات حتى الأدوار الصغيرة كالجدة المتسلطة والمصرة على المشاكسة والحياة رغم قسوتها واقتراب الموت الذي يحضر في مشهد بديع حين تذهب أم هيام لتحصل على شعر ابنتها وتسيطر على الجدة بحلم وهمي عن ابنها المتوفي الذي زارها في المنام لتسأله برهبة وتوجس: ياتري خدني معاه في الحلم ولا سابني؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.