لوضع وإرساء قيم ومبادئ المدينة الفاضلة، لابد من توافر إعلام يمتلك من القدرة ما يمكنه من زرع وتثبيت المحبة والأخوة بين المواطنين، وتنمية روح الانتماء للوطن ونشر الإحساس بالأمان، ليكون مربيا فاضلا للأجيال القادمة، وفى محاولة لدعم دور الإعلام لترسيخ قيم المدينة الفاضلة، أجرت فيتو حوارا مع "ثريا البدوي" أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، للوقوف على أهم النقاط المفترض اخذها في الاعتبار لتأسيسها..وفيما يلى نص الحوار.. هل "المدينة الفاضلة " حلم ممكن التنفيذ..أم مجرد خيال؟ وهل للإعلام المصرى القدرة على تأسيس مبادئ المدينة الفاضلة؟ المدينة الفاضلة أقرب إلى الخيال، لأن المفهوم الأساسى للمدينة الفاضلة قائم على التماثل بين البشر، ولكن الواقع تتباين فيه النفوس الإنسانية والبيئات الحياتية، وبالتالى تتباين فيه ظروف التنشئة الاجتماعية وطموحات الأفراد، كما أن الوطن الواحد قائم التباين ففى مصر يوجد اختلاف كبير بين الوجه القبلى والبحري، وكذلك التباين بين ظروف الدول المختلفة، فنسبة التباين والاختلاف بين البشر مرتفعة، مما يقف عائقا أمام تأسيس مدينة فاضلة. كيف يمكن إرساء مبادئ المحبة والإخاء داخل المجتمع من خلال وسائل الإعلام؟ لابد من توافر عدة عوامل لإرساء قيم المحبة والأخوة، وهى ما نطلق عليها في علم الإعلام قنوات التنشئة الاجتماعية والمتمثلة في المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام. فالمدرسة تعد إحدى قنوات التنشئة، وتلعب دورا في تشييد مفاهيم الحب والأخوة وهى مؤهلة لذلك. وعلى مستوى الأسرة، زيادة الخلافات الأسرية وارتفاع نسبة الطلاق يؤثر بالسلب على المحبة والأخوة المجتمعية، لأنها ترتبط بشكل كبير بالظروف المادية والمناخ العام السائد في المجتمع، فالانشغال الكامل للأب وعمل الأم المستمر يحول دون ترسيخ مبادئ الأسرة. أما على المستوى الإعلامي، فقد فشل الإعلام المصرى في تنفيذ دوره الأساسى في تفعيل هذه المفاهيم، وأصبح المكمن الأساسى الذي تبث من خلاله روح الكراهية في المجتمع، بتقديمه دورا منافيًا تماما لمسئوليته الاجتماعية والأخلاقية. ما أفضل الطرق لمواجهة قصور وسائل الإعلام في تحقيق مبادئ المحبة؟ إلغاء وزارة الإعلام كان خطوة أساسية للأمام، كى يشعر الإعلاميون بالحرية، ويقومون بدورهم الحر المسئول، ولكن الحرية غير منفصلة عن المسئولية، وهو ما يرتبط بنظرية الحوكمة التي لابد من اتباعها وتفعيلها في المجال الإعلامي لتنظيمه كما نظمت المؤسسات الاقتصادية، على أن تكون حوكمة اجتماعية وحوكمة داخل المؤسسات تنظم المؤسسات الإعلامية بطريقة ذاتية، بحيث يشعر كل إعلامي ووسيلة بالمسئولية بجانب تمتعهم بالحرية، لكى يكون لديه القدرة والوعى الكامل بأهمية دورهم في بناء المجتمع. إلى جانب ذلك لابد من تفعيل دور المجلس الوطنى لحرية الإعلام، ومناقشة قوانين عمل إعلامي تلزم جميع الإعلاميين بالقيام بدورهم بدلا من نشر قيم الحقد والكراهية والفتنة، والتركيز الأساسى على الجوانب السلبية دون الإيجابية. ما الدور الذي يلعبه الإعلام في زيادة ترابط أبناء المجتمع وترسيخ مبادئ الانتماء؟ الإعلام لم يخاطب جميع طوائف المجتمع، بل يعتمد بشكل أساسى على التصنيف، فيخاطب الطبقات الثرية دون البسيطة، مما يزيد من الاحتقان والكراهية لدى الشعب، فكان تأثير ذلك مرتدا، جعل المواطنين يفسرون إعلانات التراحم والتبرعات بصورة سلبية، على أنها محاولة لاستغلال مشاعر الجمهور لاجتذاب أكبر قدر ممكن من الأموال، معتقدين أن أموالهم لم تصل لمستحقيهم. فدور الإعلام في القرن 21 سطحى وهدام،وأصبح مثل محامي الشيطان إن لم يكن شيطانا رجيمًا. متى يصبح الإعلام مربيا للأجيال القادمة؟ عندما يكون التركيز الأساسى للإعلام على قضايا تخص الدولة، تحتوى على معلومات تفصيلية وإحصائية عن كيفية إدارة الأعمال وتطوير الذات، والبعد عن التركيز الأكثر على الإعلانات، لما لها من تأثير سلبى على المضمون، والذي بدوره يهبط بالذوق العام في المجتمع، وكذلك انحدار ثقافة ووعى المواطنين، بالتركيز على موضوعات الاثارة، التي تجذب أكبر عدد من المشاهدين دون النظر للمحتوى. ولمنظمات المجتمع المدنى أيضا دور في رفع الوعي، كجمعية حماية المشاهد ولكن هذه الجمعية مسئوله على المضامين، ونحن بحاجة لجمعية تهتم بالشارع، وتنظم ندوات لرفع الوعي، وإرساء ثقافة كيفية تحليل ومشاهدة وسائل الاعلام. تقوم المدينة الفاضلة على نشر الإحساس بالأمن، كيف تنظر لدور الإعلام في ذلك؟ لابد وأن يقوم الإعلام على التعبئة والتهيئة للأدوار المنوط بها في نشر الإحساس بالأمن، وإشراك المواطن في القضايا الحياتية التي يعانى منها وإرشاد المواطن لأفضل طرق الحل، فالإحساس بالأمان من الأحتياجات الأساسية للمواطنين، ولكن في الواقع يلعب الإعلام دورا سلبيا في ذلك الاتجاه بنشر ثقافة الخصم الدولي، بالتركيز على الجريمة وتفاصيل وتمثيل الحدث بكل حذافيره لجذب انتباه المواطنين، وبالتالى اجتذاب أكبر قدر من الإعلانات، ثم تعطى تنويها بسيطا في دقيقة واحدة عن دور الداخلية المنوط به في هذه القضية، كما يحدث على سبيل المثال عن الحديث على حوادث الطرق والتركيز عليها، فكان ينبغى على الإعلام رصد الإجراءات المتخذة من قبل الوزارة أيضا في مواجهة ذلك، محاولة لنشر الأمن والطمأنينة بين المواطنين. كما تهدد وسائل الإعلام الإحساس بالأمن الاجتماعى والثقافي، فعلى المستوى الثقافى تعانى من نقص في دورها التوعوى وإنارة الرأى العام للقضايا المهمة، وهو ما حولها من إعلام وطنى إلى مجرد دعاية لرجال الأعمال أو السلطة أو بعض المواطنين. وعلى الجانب الاجتماعي، أثار الإعلام قضية التهديد الغذائى لدى المواطنين، بنقص السلع الغذائية والموارد المائية، مما دفعهم لتخزين السلع والمياه خوفًا من نفاذها، فكيف يتحقق الأمن والإعلام يركز على التهديدات والجوانب السلبية.