فى عام 1890 حوكمت رواية «مادام بوفارى» للروائى الفرنسى «جوستاف فلوبير» والتى أثارت قضية الأدب المكشوف حيث تكمن جريمتها فى محاكاة الواقع بشكل رائع،فوقف محامى المؤلف ليقول أمام المحكمة أن للأدب وظائف منها تصوير القبح حتى يعرف الناس بشاعته..ورغم مرور قرن وعقد كاملين يعيد التاريخ نفسه هنا في مصر «فيتو»حاورت نقيب السينمائيين مسعد فودة عن حرية الإبداع ومستقبله وإلى التفاصيل: ما هى المعايير والأطر التى يحاسب العمل الإبداعى على أساسها ؟ لا يوجد ما يسمى بالمعايير أو الضوابط المحددة الحاكمة للعمل الابداعى،لأن الابداع وجدان وإلهام ويختلف من مبدع لآخر، فقد تتقارب الأفكار ولكن يختلف تناولها أما من حيث الشكل أو المضمون، فالابداع هو نتاج خبرات وثقافات وموروثات ومع ذلك نؤكد على أن الضابط هو ضمير المبدع نفسه. كيف يقيم العمل الفنى؟ يجدر النظر إلى العمل الفنى كوحدة واحدة وبناء متكامل لا ينتقص منه أى لقطة أو مشهد ثم يبدأ تحليل العمل من حيث الشكل أو المضمون ولكن لا يجوز أن يقتطع من العمل الفنى ثم تقييمه، فحذف جملة واحدة من نسق السيناريو أو مشهد واحد من العمل قد يخل بالحكم عليه ومن هنا يتم تحديد الإخفاقات التى وقع فيها أى عمل فنى. كيف ترى العلاقة بين العمل الفنى والمجتمع؟ الفنون الابداعية محاكاة للواقع ولكنها ليست حقيقية بنسبة 100% مثل الفيلم التسجيلى وإنما هو طرح للواقع بشكل فيه جزء تخيلى أو فانتازيا، وكما نقول فى الكوميديا شر البليه ما يضحك، فنحن رأينا فى الأفلام القديمة كثيرا من المشاهد الكوميدية التى تضحكنا ولكن هى فى حقيقة الأمر تعكس مصائب وكوارث،فالفن هو المرآة الحقيقية التى تعكس الواقع،وتوجيه الرسائل من خلال العمل الفنى تصل اسرع من الخطب السياسية،كما يعد الفن هو الاقتصاد الناعم بالنسبة للدولة مما يحققه لها من عوائد مالية،وأيضا المبدعون هم من يسطرون تاريخ الأمة ويشكلون وجدانها. بعد الحكم بسجن الفنان عادل إمام ..كيف تقرأ المشهد الآن؟ منذ صعود التيار الإسلامي بعد الانتخابات البرلمانية وهناك عداء يتصاعد داخل التيار نحو الإبداع والفن بدعوى أن بعض الأعمال الفنية تزدري الدين وتشوه صورة مصر وهي فكرة مغلوطة ومع ذلك فنحن لا نخشي علي مستقبل الفن لان الفن مرتبط ببقاء المجتمع ولا يمكن أن تتنصر عليه رغبة فصيل سياسي خاصة بعد الثورة . مطالبة الإسلاميين بإطلاق الحريات ثم تبنيهم لقضايا الحسبة الفنية والإبداعية ألا ترى في الأمر ازدواجية؟ لا ليست ازدواجية لكنه أمر يثير الدهشة، فكيف تنادى بحرية الرأى والتعبير وحرية العقيدة ثم تقدم مشاريع قوانين تكبل هذه الحريات، واتذكر أن هناك من قال لأحد زملائنا المخرجين «أن المتوضئون لا يشاهدون أفلامك» و«لابد من استتابتك». من يحاسب المبدع على أعماله؟وهل يجوز مثوله أما القضاء ليحاسب على أعماله؟ القاضي الطبيعي للفنان هو الناقد الفنى والجمهور،فالناقد لديه القواعد النقدية البناءة التى يحكم من خلالها على أى عمل فنى سواء فى الشكل أو المضمون وملاحظات الناقد هنا تؤدى فى نفس الوقت إلى حماية المبدع،ثم يأتى الجمهور والذى يحكم بدوره على العمل الفنى إما يعجبه أو لا يعجبه. هل هناك ما يسمى بالفن الملتزم أو النظيف؟ بالطبع لا،فلا هناك فن ملتزم أو سقف حرية ولكن المهم هو الضمير لأنه الحاكم،وبعد خروج العمل الفنى للنور واقتناع المبدع به،يصبح الحكم هنا الناقد الفنى والجمهور. وكيف كان الدور الرقابى للمصنفات الفنية على الأعمال الفنية؟ نحن نتحدث اليوم عن إحداث تغيير فى لجنة المصنفات الفنية يواكب التغيير الحقيقى بعد ثورة يناير،فكل الأعمال المتهمة اليوم مرت على الرقابة بالأمس فلا يستطيع الفنان والمبدع أن يعملا بمعزل عن الرقابة. وأخيرا ما هو دور نقابة المهن السينمائية في مواجهة الهجمات الشرسة على الفن والفنانيين؟ أولا من الناحية القانونية نحن ندعم ونقف بجوار كل الفنانين ولدينا مستشاريين قانونيين يدافعون عن الفنانيين ضد أى تهم توجه لأعمالهم. ثانيا نعمل على تغيير قانون النقابة حتى يواكب روح الثورة. ثالثا هناك نقاشات وحوارات مع لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب وجبهة الإبداع والنخبويين لكى نصل فى النهاية إلى وثيقة لحماية وحرية المبدع. وماذا يقول مسعد فودة لكل من يحاول إقصاء الابداع؟ نحن لسنا فى منطقة خلاف أو اتفاق ولكن دعونا نصل إلى توافق يؤكد على حماية حرية الابداع ونترك ضمير المبدع يحكمه ونترك الابداع يواجه من قبل الجمهور،ويجب ألا تسن قوانين أو تكبل حريات ولا يستخدم الدين كسلاح ضد من يختلف معنا ،فالابداع هو الذى يشكل ويخلق سلوكيات أبناء الوطن.