ما هذا؟ هل في مصر دواعش؟ نعم.. في مصر دواعش، قد لا يحملون السلاح على أكتافهم، ولكنهم يحملون بين جوانحهم كراهية للآخر وإقصاء له، في مصر، في صعيدها وريفها وحضرها، دواعش كثيرون، يملأون الأرض بغضا، لا يأبهون بقول القرآن الكريم: " وقولوا للناس حُسنا"، ولا بقول الإنجيل: " طوبى للمتراحمين، أولئك هم المرحومون يوم القيامة"، ربما لم يُبصر تنظيم داعش المسلح النور إلا في السنوات القليلة الماضية، ولكن ملامح الفكر الداعشى القائم على البغضاء ورفض الآخر، تستقر في عقول وأفئدة كثير من المصريين، وتعكسه نفوسهم وقت الخلافات والأزمات، حينئذ يُصبح كلُ منهم داعشيا حقيقيا ربما يفوق في قبحه أبا بكر البغدادى ومن ضل ضلاله، وسعى سعيه، وحذا حذوه. في المسجد تطرف، وفى الكنيسة تطرف، وفى المدرسة تطرف، وفى البيت تطرف، وفى الإعلام تطرف، والنتيجة أجيال جديدة تتخذ من الكراهية دينا، ومن إقصاء الآخر عقيدة، ومن العنف والتحريض مذهبا، ثم ندّعى أننا أكثر أهل الأرض حبا وعشقا وهياما للسلام. قبل ثورة يناير 2011 وبعدها، كانت ولا تزال صدورنا متُخمة برذائل الفكر الداعشى، كل منا يرفض الآخر، مدفوعا بأوهام ما انزل الله بها من سلطان، السنى يحرض على الشيعى، والشيعى يكره السنى، وكلاهما يرفض البهائى، والإخوان يسخرون من السلفيين، والسلفيون يكرهون الناس أجمعين، ظنا من عند أنفسهم أنهم الفئة الناجية، ومن دونهم في النار خالدون، فضلا عما يحمله نفر من المسلمين المتشددين ضد إخوانهم المسيحيين، وما تموج به صدور بعض الأقباط المتطرفين ضد إخوانهم المسلمين. العنف حاضرٌ دائما وقت الخلافات، ولكن العقول غائبة أو تدّعى الغياب، صورة الدم لم تعد ترعبنا ولا تخيفنا، حادث قرية الكرم بالمنيا، ومقتل الشيخ الشيعى حسن شحاتة والتمثيل بجثته، وهجوم الإخوان على الكنائس ودور العبادة المسيحية بعد زوال حكمهم الغاشم، والحرب بين الهلايلة والدابودية، خير دليل وشاهد على الانحطاط الفكرى والأدبى والأخلاقى الذي تردينا في أوحاله. سجلات التاريخ القريب تحمل في صفحاتها وقائع مؤلمة، ربما كانت بوادرها في سبعينيات القرن الماضى، تزامنا مع نشوء الجماعات المتطرفة التي أعملت القتل ضد كل من اختلفت معه، مسلما كان أو غير مسلم، فضلًا عن منهج تعليمى يزكى نار الكراهية، وإعلام يحرض على الكراهية، وخطب منبرية تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور من يخالف أمر أصحابها، وعظات كنسية لم تكن أخف وطأة. حادث المنيا الأخير أيقظ ذوى الضمائر الحية، لا بد من الاعتراف بأخطائنا، لسنا ملائكة، لسنا أطهارا، بعضنا إلى داعش أقرب، الفرصة لا تزال أمامنا، انتهزوا شهر رمضان الكريم، هيا اغسلوا قلوبكم من الكراهية والعنف والتطرف والحقد، واملأوها حبا وتسامحا وسلاما الرسول الكريم كان يعامل غير المسلمين بالتي هي أحسن.