لم يكن حظ حرية الإبداع أن تنطلق عندما قامت ثورة 32يوليو2591، فمنذ الأيام الأولى للثورة والطريق يتجه على يد مجلس قيادة الثورة إلى تقييد حرية الإبداع كما هو الحال فى السياسة حيث ألغيت الأحزاب والتى تأسست ومارست الحكم فى الفترة الملكية، وأقام عبدالناصر مكانها هيئة التحرير لتحل محل هذه الأحزاب وتكون التنظيم الجماهيرى لها، ولكن تحولت الهيئة إلى جهاز حماية للثورة، وكان لها أبلغ الأثر فى حسم الخلاف بين اللواء محمد نجيب وجمال عبدالناصر لصالح الأخير عندما خرجت المظاهرات من قلب هيئة التحرير التى كان يقودها الصاوى محمد تهتف ضد الديمقراطية والحرية، ومن هنا عرفت الثورة أول طريق للديكتاتورية، وأسست هيئة التحرير أول مجلة تعبر عن الثورة تحت اسم «التحرير» ورأس تحريرها أحمد حمروش أحد الضباط الأحرار، ثم بعد ذلك أسس جريدة «الجمهورية» ورأس تحريرها الرئيس أنور السادات، وحاولت الثورة بهذه الجريدة أن تسحب البساط من تحت أرجل الجرائد التقليدية التى كانت قائمة فى ذلك الوقت، وبدأت اجراءات العصف بحرية الصحافة تمارسها رقابة المطبوعات خاصة كل ما يمس الثورة، كما تم منع كل السياسيين السابقين والكتاب المواليين لهم من الكتابة فى الصحف وربما كان أحمد أبو الفتح خير دليل على هذا العصف، حيث كان أبو الفتح يمتلك العديد من الصحف قبل الثورة وكان مواليا لحزب الوفد بقيادة النحاس باشا ويصدر جريدة المصرى والتى كانت لسان حزب الوفد، وتبنت الجريدة حملة ضد مجلس قيادة الثورة تطالبه بالديمقراطية فتم اضطهاده حتى وصل الأمر إلى هروبه للخارج ومصادرة كل أملاكه فى مصر!! أيضا الكاتب والأديب إحسان عبد القدوس الذى تعرض للاعتقال بسبب مقالاته التى انتقد فيها مجلس قيادة الثورة بمجلة «روزاليوسف»، وكان ضمن ما قاله فى هذه المقالات أن الضباط الأحرار وعلى رأسهم الرئيس عبدالناصر لم ينسي أنه كان تنظيما سريا، ويبدو أنهم لا زالوا يتعاملون على هذا الأساس، وكان ذلك كفيلا باعتقاله، وبالنظر لأحداث مارس 4591 والتى سبقت المظاهرات التى نادت بالديكتاتورية وسقوط الديمقراطية. أطلقت الحريات ورفعت الرقابة عن الصحف لمدة عشرين يوما هزت مصر، حيث سارع الكتاب والصحفيون بالكتابة والدعوة إلى الديمقراطية والحرية واطلاق يد المبدعين فكتب الدكتور طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمدمندور وفكرى أباظة وحافظ محمود ولويس عوض شارحين اخطاء الماضى والحاضر وقدموا رؤية للمستقبل، وكما قلنا لم تستمر هذه الإنفراجة إلا عشرين يوما، والغريب أن كل من كتب ينتقد الثورة فى ذلك الوقت تعرض للعصف والاعتقال بعد ذلك!! وفى عام 9591 كانت جملة الاعتقالات الأولى لليساريين خاصة الصحفيين منهم فتم اعتقال صلاح حافظ ومحمود أمين العالم ومحمودالسعدنى وعبدالستار الطويلة وغيرهم المئات من الصحفيين والمبدعين منهم على سبيل المثال انجى افلاطون الفنانة التشكيلية وشريف حتاتة ويوسف إدريس. وظل الأمر كذلك حتى تأميم الصحافة عام 4691، وقيل إن الصحفى الكبير مصطفى أمين كان المسمار الأخير فى نعش حرية الصحافة حيث خرجت جريدة «الأخبار» والتى كان يرأس تحريرها على المصريين بعنوان مثير على الصفحة الأولى حيث كتب «مصرع السفاح» وأسفل منها كتب عنوان آخر «عبدالناصر فى باكستان» ففهم القراء والمسئولون أن العنوان هو «مصرع السفاع عبدالناصر فى باكستان» ويبدو أن مصطفى أمين لم يكن بريئا فى هذا الأمر وحقيقة القصة أن الصحافة فى ذلك الوقت من عام 4691 كانت تتابع قضية السفاح الشهير محمود سليمان والذى كتب نجيب محفوظ رواية اللص والكلاب استلها ما لقصته، واستطاع رجال البوليس قتله فى إحدى المغارات بصحراء حلوان، وفى نفس الوقت كان الرئيس عبدالناصر يبدأ زيارة لباكستان، فكان العنوان الرئيسى للجريدة «مصرع السفاح» كعنوان مستقل ثم عبدالناصر فى باكستان عنوان آخر، وانقلبت البلد بسبب هذا العنوان الذى كان المسمار الأخير فى نعش حرية الصحافة!! وبما أننا ذكرنا مصطفى أمين فلابد أن نعرج على قضية مهمة وهى أن الرئيس عبدالناصر كان يعتبر الصحافة أحد أجهزته للمخابرات، حيث كان عبدالناصر يطلب من مصطفى أمين وغيره من الصحفيين كتابة التقارير والاتصال ببعض أجهزة المخابرات، وقضية مصطفى أمين واتهامه بالتخابر والتجسس بالمخابرات الأمريكية خير شاهد علي تأثير ذلك على نظرة الجمهور للصحفيين ناهيك عن نظرة عبدالناصر نفسه للصحفيين!! ولو نظرنا لحال السينما إبان حكم الرئيس جمال عبدالناصر ستجد أنها لم تكن أحسن حالا من الصحافة، فالسينما كان محرما عليها تناول الأحداث الجارية وانتقاد سياسة عبدالناصر، وفى هذه الفترة بدأت السينما بالانحياز الكامل للثورة، وتوالت الأفلام التى تعظم دور الثورة وتنتقد النظام الملكى وتظهر مساوىء الملك والملكية، وقام عبدالناصر بالاستفادة من السينما للدعاية للثورة فكانت أفلام مثل «رد قلبى»، وسلسلة أفلام إسماعيل ياسين فى الجيش.. والأسطول.. والطيران.. والبوليس الحربى، وكلها أخرجها الضابط السابق فى القوات المسلحة فطين عبدالوهاب، كما قدمت السينما أفلام مثل بورسعيد تدين فيه العدوان الثلاثى على مصر بعد ستة أشهر من العدوان فقط والذى أخرجه أيضا عزالدين ذو الفقار الضابط السابق فى القوات المسلحة أيضا!! أما الأفلام التى حاولت أن تنتقد الثورة أو سياسات عبدالناصر فتعرضت للعصف الرقابى، وربما كانت أفلام المخرج الكبير توفيق صالح خير مثال على ذلك، حيث قدم أفلام مثل «المتمردون» و «صراع الأبطال» و«السيد البلطى» و «يوميات نائب فى الأرياف» وكلها تتعرض بالرمز للثورة بالانتقاد، وعقب هزيمة 7691 ادادها سمح بالحرية بعض الشىء لامتصاص الغضب الشعبى فقدمت السينما أفلام مثل «القضية 86» و«ميرامار» و «ثرثرة فوق النيل» و «شىء من الخوف» والملاحظ أنها كلها كانت عن أصول أدبية، وكانت الموافقة عليها بقرار من عبدالناصر شخصيا!! أما فى عهد الرئيس السادات استمر الحال كما كان أيام خلفه الرئيس عبدالناصر وظلت الصحافة تحت مقصلة السلطة، وكان السادات يردد فى أكثر لقاءاته والرئيس عبدالناصر آخر الفراعنة كناية عن الحكم الديكتاتورى المطلق، ووصل الأمر إلى ذروته فى اعتقالات سبتمبر 1891، عندما اعتقل السادات كل رموز العمل الوطنى من سياسيين وصحفيين واقتصاديين ووصل العدد لأكثر من 0051 معتقل وبرر الاعتقال بمنعهم من مهاجمة اسرائيل حتى يتسلم العرش والتى كان مقررا لها العودة إلى مصر فى إبريل2891 ولكن القدر لم يمهله وتم اغتياله هو شخصيا فى يوم 6 اكتوبر 1891 وسط جنود القوات المسلحة وبيد أحد رجالها النقيب خالد الاسلامبولى!!