معارك الثلاثى «حجازى – عبدالرازق – سعد» تهدد مستقبل الطلاب في كل شبر وحارة فرضت «تسريبات الثانوية» نفسها على كل بيت مصري، وتحولت بوصلة الامتحانات من طوارئ الأسر إلى تحطم آمال شهور من التعب على صخرة التسريب ونشر الأسئلة بإجاباتها على صفحة شاومينج بفيس بوك. خلف «قناعة الفشل» وحدت وزارة التربية والتعليم أطياف المجتمع المصرى على إخفاق الوزارة في ضبط العملية الامتحانية والحفاظ على سرية الامتحانات، رغم الوعود الكثيرة التي أطلقها وزيرها الدكتور الهلالى الشربيني، قبل امتحانات الثانوية العامة هذا العام، والتي وصلت إلى حد إصدار تصريحات تؤكد أن الامتحانات تحت السيطرة التامة. وعود «الشربيني» قبل الامتحانات بأيام ثم تحولها إلى تعهد كلها تبخرت مع امتحان اللغة العربية والذي لم يكن للطلاب بقدر ما كان اختبارا ل«التعليم» وقيادتها في مدى القدرة على التصدى لظاهرة الغش الإلكتروني، خصوصًا مع زيادة أحاديث قيادات الوزارة قبل انطلاق الماراثون الامتحانى عن خطة الوزارة اللوذعية لمواجهة عصابات الغش، وهى الخطة التي أكد المسئولون أنها مختلفة وسرية ولا يجب الإفصاح عن ملامحها هذا العام لضمان تحقيق أهدافها في مواجهة الغشاشين. مع اليوم الأول للامتحانات تبين فشل «التعليم» في كل هذه الإجراءات، وتجاوز الأمر مجرد حالات للغش الإلكترونى إلى حدوث فضيحة من العيار الثقيل في امتحانى اللغة العربية والتربية الدينية وصلت إلى حد إلغاء امتحان التربية الدينية بسبب تسريبه قبل الامتحان بنحو ساعة، وتحديد موعد 29 يونيو الجارى لعقد الامتحان الجديد. ولم تقتصر الأمور على ذلك بل تم تسريب نموذج إجابة محكم لأسئلة امتحان اللغة العربية، وظهور ملزمة مراجعة نهائية وزعها معلم دروس خصوصية بمنطقة العمرانية في الجيزة على طلابه فجر يوم الامتحان وبها نفس أسئلة امتحان اللغة العربية وإجاباتها، وهو ما دفع الوزارة إلى الإبلاغ عن هذا المعلم الذي يخضع حاليا للتحقيق في اتهامات بتسريب امتحانات الثانوية العامة كما يخضع 12 مسئولا بالوزارة للتحقيق في اتهامات بالتورط في تسريب امتحان التربية الدينية. وسط كل هذا كثر الحديث عن أسباب تسريب امتحانات الثانوية العامة هذا العام، رغم وجود قرار جمهورى بقانون رقم 101 الذي ينص على معاقبة من يساهم أو يشارك في أعمال الغش في الامتحانات سواء من التربية والتعليم أو من خارجها بالحبس مدة سنة وغرامة 50 ألف جنيه، ومع ذلك شهدت امتحانات الثانوية العامة حتى الآن «مهازل» كثيرة، ما دفعت البعض لربط عملية التسريب بنظرية المؤامرة الشهيرة. «المؤامرة الإخوانية» ضد الدولة المصرية، كانت فرضية حاضرة بقوة وتبناها وزير التعليم نفسه، وهناك من رأى أنها مؤامرة من قيادات استبعدها الوزير الحالى من مواقعها ورجال أعمال وأصحاب مدارس خاصة ودولية وضعها الوزير تحت الإشراف المالى والإدارى وقبل ذلك لم يكن أحد يجرؤ على دخولها، وبذلك يذهب أنصار هذا التحليل إلى أن هؤلاء جميعا تآمروا على الدكتور الهلالى الشربينى من أجل الإطاحة به بتسريب امتحانات الثانوية العامة. وبين هذين التفسيرين هناك تفسيرات كثيرة بعضها سطحي، وبعضها يلامس الحقيقة، إلا أن مصادر ب«التعليم» قالت إن هناك مجموعة سلبيات حدثت داخل الوزارة قبل انطلاق مارثون الثانوية العامة، على رأسها وجود اثنين من قيادات امتحانات الثانوية العامة من محدودى الخبرات في الامتحانات. الشخصية الأولى هي الدكتور رضا حجازى رئيس قطاع التعليم العام رئيس عام امتحانات الثانوية العامة الطامح إلى منصب الوزير، والذي كان يشغل منصب نائب مدير الأكاديمية المهنية للمعلمين قبل ندبه لرئاسة قطاع التعليم العام بالوزارة، وهو القطاع الأهم، ورئيسه هو صاحب أعلى منصب في الوزارة بعد الوزير وفقا للهيكل التنظيمى للوزارة، وفقًا للمصادر نفسها. وكل خبرات الدكتور رضا حجازى في مجال الامتحانات، بحسب المصادر، أنه كان عضوا في المركز القومى للامتحانات المسئول عن وضع المواصفات القياسية للورقة الامتحانية، ويقتصر دوره على الجانب الفنى في الامتحانات. أما الشخصية الثانية فهى محمود عبدالرازق القائم بأعمال مدير عام الامتحانات بوزارة التربية والتعليم، وكل خبراته في مجال عمل الامتحانات أنه كان عضوا في المطبعة السرية، وكان رئيسا لإحدى لجان الإدارة. وفى محاولة منه لتفادى أزمة غياب الخبرة الكافية عن القياديين السابق الإشارة إليهما، أصدر وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالى الشربينى قرارًا وزاريًا بتولى الدكتور رضا حجازى رئاسة الامتحانات على أن يكون محمد سعد الرئيس السابق لامتحانات الثانوية العامة نائبا لرئيس الامتحانات هذا العام من أجل إحداث حالة من التوازن في الامتحانات. وزير التعليم سارع بمطالبة «سعد» بإدارة الأمور على أنه المسئول عن الامتحانات باعتباره الأكثر خبرة في هذا المجال، ومع بدء اختيار فريق العمل في امتحانات الثانوية العامة هذا العام، بدأت بوادر الخلاف والشقاق تظهر جلية بين قيادات امتحانات الثانوية، خاصة الدكتور رضا حجازى ومحمود عبد الرازق اللذين كونا جبهة ضد محمد سعد للحد من النفوذ الذي منحه له الوزير، ووصلت الأمور إلى حد تضارب التعليمات المرسلة إلى قيادات الكنترولات. ومن خلافات الغرف المغلقة إلى الخلافات الظاهرة بين القيادات الكبرى في الامتحانات، كان واضحًا أن رئيس قطاع التعليم العام يرغب في بسط نفوذه على الامتحانات بالكامل، خاصة في الفترة التي شهدت تعديلات وزارية والتي ترددت وقتها أنباء عن الإطاحة بالدكتور الهلالى الشربيني، وقدوم الدكتور رضا حجازى وزيرا، وهى التوقعات التي خابت وخابت مساعى الراغبين فيها وتم تجديد الثقة في الهلالى وزيرا للتربية والتعليم. في أعقاب ذلك وصلت الأمور إلى حد الخلافات العلنية بين قيادات الامتحانات فتدخل اللواءان عمرو الدسوقى رئيس الإدارة المركزية للأمن وحسام أبوالمجد رئيس قطاع شئون مكتب الوزير لرأب الصدع وأبلغا الوزير بما يجري، وكانت هناك مقترحات بأن يتولى مسئولية الامتحانات بالكامل شخص واحد فقط من الإثنين، واستبعاد الآخر ليتمكن أحدهما من إحكام السيطرة على الأمور قبل فوات الآوان إلا أن الدكتور الهلالى الشربينى مال إلى اقتراح آخر وهو جمع قيادات الامتحانات الثلاثة في جلسة صلح، وبالفعل عقد الوزير لقاءً مع قيادات الامتحانات الثلاثة داخل مكتبه في نهايات شهر أبريل الماضي، وجعل لكل منهم اختصاصات يقوم بها ومسئوليات، وفى مؤتمر إعلان جدول امتحانات الثانوية العامة الذي عقد في مايو الماضى نفى الوزير وجود خلافات بين قيادات الامتحانات وانفعل بشدة بسبب محاولات بعض الصحفيين فتح هذا الأمر في المؤتمر الصحفي. من السلبيات التي سقطت وزارة التعليم في فخها، بعد حالة التعتيم الإعلامي التي أرادت الوزارة فرضها على امتحانات هذا العام، فقبل بدء الامتحانات بأيام أصدر الوزير كتابًا دوريًا يحظر على كافة القيادات والمسئولين بالوزارة وفى المديريات التعليمية الإدلاء بأى تصريحات حول امتحانات الثانوية العامة إلا بعد الحصول على موافقة الوزير، وهذا الإجراء لم يحدث من قبل، حيث كان يتم تخصيص أحد المسئولين عن الامتحانات لكشف الحقائق وملابسات الأمور للرأى العام. كا ما سبق تبخر وما فعلته وزارة التعليم زاد من حالة الغموض حول الامتحانات التي تجرى هذا العام، وكيفية إدارتها، الأمر الذي وصل بالوزارة إلى حد مواجهة مأزق تسريب الامتحانات في واقعة لم تحدث منذ عام 2008 الذي حدثت فيه تسريبات امتحانات الثانوية العامة في محافظة المنيا واشتهرت بتسريبات المنيا.