شُغل كثير من الناس بما يُعرف بضمة القبر، وهل هي من قبيل الخيال أم حقيقة لا نعرف عنها شيء؟، كما استغرقوا في عملية تحول الجسد بعد الموت إلى عظام نخرة، وما هي الأشياء التي لا تبلي في الجسد وتبقي لأبد الآبدين. يقول العلماء: إن ضغطة القبر عامة، ولا ينجو منها إلا الأنبياء، وحكمتها غير ظاهرة، ولذلك اجتهد العلماء في معرفة الحكمة، فقال البعض بسبب الذنوب، ولذلك ينجو منها الأنبياء لأنهم معصومون. وذكر آخرون أن ضمة القبر تكون للميت لأن الأرض تشتاق إلى أبنائها، الذين خلقوا منها ثم عادوا إليها فتضمهم، فالمؤمن الطائع تضمه بشفقة ورأفة، والكافر الفاجر تضمه بشدة وعنف، والذي يجعلها خفيفة هو العمل الصالح بوجه عام، وتقوى الله عز وجل. جاء في شرح سنن النسائي للسيوطي: "قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي عن معاذ بن جبل: (هذا الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه)، زاد البيهقي في كتاب عذاب القبر: "يعني سعد بن معاذ"، وزاد في دلائل النبوة: قال الحسن: "تحرك له العرش فرحا بروحه". وروى أحمد والبيهقي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها لنجا منها سعد بن معاذ"، وقال أبو القاسم السعدي: لا ينجو من ضغطة القبر صالح ولا طالح غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها دوام الضغط للكافر وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره ثم يعود إلى الانفساح له، قال: "والمراد بضغط القبر التقاء جانبيه على جسد الميت . وقال الحكيم الترمذي: "سبب هذا الضغط أنه ما من أحد إلا وقد ألم بذنب ما فتدركه هذه الضغطة جزاء له ثم تدركه الرحمة، وأما الأنبياء فلا يعلم أن لهم في القبور ضمة ولا سؤالا لعصمتهم. وقال النسفي في "بحر الكلام": "المؤمن المطيع لا يكون له عذاب القبر ويكون له ضغطة القبر، فيجد هول ذلك وخوفه لما أنه تنعم بنعمة الله، ولم يشكر النعمة، وروى ابن أبي الدنيا عن محمد التيمي قال: "كان يقال: إن ضمة القبر إنما أصلها أنها أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضمة الوالدة غاب عنها ولدها، ثم قدم عليها فمن كان لله مطيعا ضمته برأفة ورفق ومن كان عاصيا ضمته بعنف سخطا منها عليه لربها". الجسد في القبر أما عما يحدث للجسد في أول ليلة لدفنه بقبره فإنه يبدأ في التعفن، وأول من يتعفن في الجسد البطن والفرج، ويبدأ ظهور اللون الأخضر على الجسم كله، وفي الليلة الثانية تبدأ الأعضاء الداخلية بالتعفن (الطحال والرئة والأمعاء)، وفي الثالثة تبدأ الأعضاء بإصدار الروائح الكريهة، وبعد أسبوع يبدأ ظهور انتفاخ في الوجه. ويبدأ الجسد في التحلل بعد خمسة عشر يوما عن طريق الدود الذي يخرجه الجسم نفسه من الميكروبات الداخلية، التي تنشط بمجرد خروج الروح، وبعد ستة أشهر يذوب اللحم ولا يبقى إلا الهيكل العظمي الذي يتآكل بعد خمسة وعشرون عاما، ولا يبقى إلا عجيب الذنب- عظمة صغيرة في مؤخرة الإنسان منها خلق ومنها ينبت يوم القيامة-، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه: "يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجبَ ذنبه. قيل: ومثل ما هو يا رسول الله؟ قال: مثل حبة خردل، منه تَنْبُتون".