مخطئ من ظن أن الخطاب الدينى هو شيء منفرد لا علاقة له بالخطاب الثقافى والحضارى للأمة، فالحقيقة أن الخطاب الدينى هو مفردة من مفردات الخطاب الحضارى لكل أمة من الأمم، وليس من شك أن جنوح خطابنا الدينى ناحية العنف والإرهاب منذ سنوات طويلة لهو أكبر دليل على أن المجتمع في عصوره الجمهورية الأولى مع بداية ثورة يوليو 1952 كان يعيش في حالة إحباط وشعور بالهوان، وقد نشأت حالات الإحباط والانهزام هذه عن عدم وجود مشروع قومى ينتمى إليه الشباب ويشعر بوجود هدف أسمى يرتبط به، ونظرا لغياب هذا المشروع نشأ عن هذا الفراغ معظم أمراض الشباب من التعصب والذي هو نواة الفكر الإرهابى ورفض الآخر، وكانت الفرصة سانحة لمشروع التطرف أن يبسط نفوذه ويتحكم في عقليات الشاب المحبط الذي يريد أن يعيش في حالة انتصار فلم يجدها إلا في سيف التطرف وأوهام الانتصار لله بالدماء وقطع الرقاب. ومع مرور الزمن، ودخولا إلى جمهورية مبارك في ظل عدم وجود مشروع قومى حضاري، إذا بنا في دولة غابت عنها الكثير من المنابع الثقافية مثل قصور الثقافة ومراكز الشباب التي أصبحت هياكل دون روح، وأصبح الشباب معطلة طاقاته على المقاهى مما يعزز بدوره حالة الإحباط، فعلى مستوى الإعلام نجد أننا ظللنا نعيش في وسط حالة من التخبط الإعلامي، حيث لا رسالة إعلامية ولا رؤية تسعى للبناء، لذلك وفى ظل عشوائية إعلامية كان الاهتمام بأغرب الفتاوى بغض النظر عن مضمون الفتوى ومدى نفعها أو ضررها على المجتمع، ومن هنا كان هدف الإعلام في معظم الوقت هو ملء ساعات البث بما يحقق نسبة مشاهدة دون الاهتمام بالمضمون على الأخص على الصعيد الدينى مما سهل نشر أفكار دينية مغلوطة. ومع هذا كله نبحث وسط الركام عن المؤسسات الدينية، وننظر حولنا نستنجد بالأزهر الشريف، أزهر محمد عبده وشلتوت وعبد الحليم محمود فلا نجد إلا مؤسسة الأزهر العلمية وقد أصابها الروتين والبيروقراطية، لا تعرف إلا الخطاب الدينى الذي استخرجته من ركام الكتب القديمة،، كل ما سبق من عوامل له تأثيراته المباشرة على إحداث تأثيرات موازية على الجانب النفسى، من الشعور بالتهميش وعدم الإحساس بالقيمة وفقر العلم والثقافة مما ولد رد فعل، إما بالانعزال أو بالاتجاه إلى الأفكار المتطرفة.