رئيس النواب يهنئ "مدبولي" لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة    رئيس الوزراء يلتقي أعضاء المجلس التصديري وغرف الصناعات الكيماوية    تشكيل الحكومة الجديدة.. وزير سابق يوجه نصيحة مهمة للوزراء الجدد    الجابر: دعم الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة وتقديم مزايا تنافسية لتشجيع التصنيع المحلي    وزير الصناعة: 16.9% زيادة في حجم التبادل التجاري بين مصر والمجر العام الماضي    تفاصيل العثور على 5 توابيت فارغة ملفوفة بأعلام فرنسية قرب برج إيفل    سيناتور أمريكى يطالب بايدن بوقف دعم إسرائيل عسكريا بسبب تقيد مساعدات غزة    حوار| رئيس المؤسسة الكورية الإفريقية: سنكون أقرب إلى إفريقيا بعد قمة سيول.. ولن نفوت الفرصة لزيادة التعاون مع مصر    وجه جديد يظهر في مران الزمالك وتجهيز الزناري لمباراة سيراميكا    وزير الرياضة: تتويج نائل نصار إنجاز جديد في تاريخ الفروسية    مصرع شخصين في حادث انهيار سور بالقليوبية (صور)    إعلام إسرائيلي: وفد كبير من عائلات المحتجزين التقوا جوتيريش في نيويورك    نسرين طافش تستمتع بالطبيعة في أحدث ظهور لها    تشكيل الحكومة الجديدة.. عزة مصطفى ل مدبولي: بلاش اللي بيقول كله تمام    إيرادات الأحد.. "فاصل من اللحظات اللذيذة" الثالث و"تاني تاني" بالمركز الخامس    مي عمر عن علاقتها بحماتها :«أمي التانية وفي المشاكل بتقف معايا» (فيديو)    وزير البترول الأسبق عن الحكومة الجديدة: عليها النزول للشارع والتواصل مع المواطنين    إصابة 3 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالإسماعيلية    النائبة رحاب موسى: استقالة الحكومة تعكس روح المسئولية والشفافية للقيادة    تقارير: لاكازيت أحدث المنضمين إلى الدوري السعودي    يورو 2024 - منتخب تخلى عن لقبه.. ألمانيا "النضارة" ومواهب الجبال    حقيقة رحيل العشري من الاتحاد السكندري بعد فضيحة كأس مصر (خاص)    بعد تتويجه مع الأهلي بدوري أبطال أفريقيا 4 مرات.. تكريم ديانج في مالي (فيديو)    قبل عقد قرانه على جميلة عوض.. 9 معلومات عن المونتير أحمد حافظ    ثقافة الإسكندرية تقدم عرض قميص السعادة ضمن عروض مسرح الطفل    عضو "الفتوى الإلكترونية" ل قناة الناس: هذا وقت استجابة الدعاء يوم عرفة    الكشف على 417 شخصاً بالقافلة الطبية بمركز شباب الهيش بالإسماعيلية    رئيس «الرقابة والاعتماد» يشارك في افتتاح مؤتمر ومعرض صحة أفريقيا 2024    إضافة «الطب البشري» لجامعة حلوان الأهلية    قائد القوات الجوية يلتقى قائد القوات الجوية والدفاع الجوى لوزارة دفاع صربيا    وظائف متاحة للمعلمين في المدارس المصرية اليابانية.. رابط التقديم    تعديل تركيب بعض القطارات بخط «القاهرة- الإسماعيلية».. السبت    جولة لرئيس جامعة القاهرة للاطمئنان على سير الامتحانات وأعمال الكنترولات    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر    البابا تواضروس يستقبل السفير التركي    سلوت لا يمانع بيع صلاح    8 وجبات تساعد الطلاب علي التركيز في امتحانات الثانوية العامة    متى تذهب لإجراء فحوصات تشخيص مرض السكر؟.. «الصحة» تُجيب    مثلها الأعلى مجدي يعقوب.. «نورهان» الأولى على الإعدادية ببني سويف: «نفسي أدخل الطب»    موسكو تهدد واشنطن بعواقب الأضرار التي لحقت بنظام الإنذار المبكر    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    دعم منظومة النظافة في مركز بيلا بمكنسة أتربة إلكترونية (صور)    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



10 ألغام في طريق تجديد الخطاب الديني
نشر في التحرير يوم 07 - 05 - 2015


كتب- باهر القاضي:
«تجديد الخطاب الدينى».. مصطلح رنان انتشر على مسامعنا طيلة الفترة الماضية، حتى أصبحت له شعبية فاقت كثيرا من القضايا الملحّة فى أولويات النخبة والعامة، حتى وصل الأمر ببعض وسائل الإعلام إلى إجراء المناظرات بين المشايخ وعلماء الدين فى وقت لم يتعوّد فيه المصريون على مناظرات دينية إلا فى ما ندر نظرًا إلى حساسية الدين فى الدولة الأرسخ دينيِّا على وجه البسيطة.. لكن ربما فرضت الحالة الثورية التى يعيشها المصريون، إلى جانب التباس المشهد العام وخلط الأوراق السياسية بالدينية ضرورة هذا المفهوم فى الوقت الحالى، وبات تجديد الخطاب الدينى أمرًا لا مناص منه، وصل إلى حد قيام الرئيس عبد الفتاح السيسى بالدعوة المباشرة والصريحة إلى القيام بهذه المهمة، مما زاد الفكرة شرعية وبريقًا بعد أن ظلت عشرات السنين تمشى على استحياء فى عروق بعض مَن يؤمنون بها، إلا أن الاستحياء سرعان ما تحول إلى تطرف وصل إلى حد غير مسبوق، وبعيدًا عن التأييد والرفض تحاول «التحرير» الدخول فى هذا الملف من منظور مختلف لا يعتمد على تغليب وجهة نظر على أخرى، لكن عبر رصد التحديات والألغام التى تواجه مشروع تجديد الخطاب الدينى بعد ثورة 30 يونيو.. وفى محاولة منها للقيام بدورها فى مشروع تجديد الخطاب الدينى قررت وزارة الأوقاف خلال الأسابيع الماضية ضم جميع مساجد الجمهورية إلى عصمتها كخطوة أولى فى تجديد الخطاب الدينى بالسيطرة على المنابر، لمنع صعود المتطرفين من أبناء الجماعات المتشددة عليها، حتى لا تُقحَم المساجد فى المعترك السياسى.
الشيخ محمد عبد الرازق، رئيس القطاع الدينى، يقول إن الوزارة تعطى اهتماما شديد بدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى تجديد الخطاب الدينى، واتخذت من أجل ذلك عديدا من القرارات والخطوات التى من شأنها المضىّ قُدمًا تجاه الرقى بالعمل الدعوى، وحفاظًا على المساجد من استغلالها فى السياسة وبث الأفكار المتطرفة خضعت جميع المساجد لإشراف وسيطرة «الأوقاف»، حيث يبلغ عدد المساجد فى مختلف محافظات الجمهورية ما يزيد على 120 ألف مسجد، جميعها تحت السيطرة، وأنه لدى الوزارة 60 ألف إمام وخطيب معين، بالإضافة إلى 3 آلاف واعظ وألفين من خطباء «الأوقاف» بالمعاش ناهيك بخطباء المكافأة وهم يتجاوزون عشرات الآلاف، وبالتالى تكون المنابر كلها بعيدة عن أيادى المتطرفين.
رئيس القطاع الدينى يضيف أن الوزارة قررت أيضًا إغلاق جميع الزوايا التى تقل مساحتها عن 80 مترًا فى أثناء صلاة الجمعة، خصوصًا أن تلك الزوايا كانت فى الماضى الملاذَ الآمن للخطباء المتطرفين من الإخوان والسلفيين وغيرهما من الجماعات الأخرى، حيث شمل القرار إغلاق 21 ألف زاوية موجودة فى مختلف أنحاء الجمهورية، ناهيك بقرار الأوقاف مؤخرًا ضم معاهد إعداد الدعاة التابعة للجمعيات الأخرى أمثال الدعوة السلفية والجمعية الشرعية لإشراف الوزارة، للوقوف على عمل تلك المعاهد من ناحية الكتب التى تدرس بها، وطريقة العمل الدعوى بها، حتى لا تخرج جيلًا من الأئمة يكون متشددًا وينحرف عن وسطية الأزهر الشريف، نبراس العلوم الشرعية، ليس فى مصر فقط، بل فى كل بلدان العالم الإسلامى.
منابر خارج سيطرة «الأوقاف»
مصادر من داخل وزارة الأوقاف تشير إلى أن قرار ضم المساجد ما زال حبيس الأدراج وغير مفعّل على أرض الواقع، لأن الضم يمثل تحديًا كبيرًا يفوق قدرة الوزارة، فهناك فرق شاسع بين عدد المساجد، الذى يزيد على 120 ألف مسجد، وبين عدد الأئمة والدعاة المعينين رسميا لدى الوزارة البالغ عددهم 60 ألفًا. أما عدد الوعاظ فى آخر جدول قيد لهم فبراير الماضى فهو 2800 واعظ، وهناك ألفان من خطباء الأوقاف على المعاش، أما فى ما يخص ادعاء الوزارة تغطية باقى المساجد بخطباء المكافأة فهو كلام لا يمت إلى الواقع بصلة، فعدد من يعمل بهذا النظام 10 آلاف خطيب بالمكافأة، لا يحضر بعضهم للخطبة بانتظام، نظرًا إلى قيام الوزارة بدفع أجورهم على أربع دفعات فى السنة، ومن هنا يتضح أن هناك قرابة ثلاثين ألف مسجد متروكة للجماعات المتطرفة والدعوة السلفية التى تهيمن على أكثر من 15 ألف مسجد، والجمعية الشرعية التى تسيطر على عشرة آلاف، وأنصار السنة والجماعة الإسلامية والإخوان وغيرها من أصحاب الفكر المنحرف يسيطرون على ما يتجاوز 5 آلاف منبر، فجميع تلك المنابر يتحركون فيها كما يشاؤون دون أى رقابة من قبل «الأوقاف» سوى عمال المساجد التى لا حول لها ولا قوة.
هذا إلى جانب أن هناك عائقًا آخر فى ضبط المنابر كأولى خطوات تجديد الخطاب الدينى، وهو أن الزوايا لا تغلق طبقًا للقرار، فعدد الزوايا الرسمية 21 ألف زاوية على الأقل، يتطلب الإشراف على غلقها أكثر من 5 آلاف مفتش، وهو أمر غير متوفر لدى «الأوقاف»، فأغلب تلك الزوايا يقيم شعائر صلاة الجمعة على مرأى ومسمع من الجميع، ناهيك بأن هناك زوايا غير مسجلة تزيد على الزوايا الرسمية، وأن الكارثة الكبرى تكمن فى أن «الأوقاف» كل ما يشغلها هو الظهور بمظهر المسيطر على المنابر دون الإفصاح عن تلك العراقيل والعمل على معالجتها بمصارحة الأجهزة المعنية وفتح باب التعيينات.
المصادر تشير إلى أن هناك كارثة كبرى، وهى أن الوزارة تقوم بفتح عدد من المساجد كل شهر فى جميع المحافظات، الأمر الذى يزيد من عجز «الأوقاف» فى السيطرة على المنابر وتركها للجماعات المتطرفة للإخوان والسلفيين بعد غلق باب التعيينات الجديدة فى «الأوقاف»، حيث لا يزال قانون تنظيم الخطابة حبرًا على ورق، والدليل على ذلك الصفقة التى أبرمتها الوزارة مع الدعوة السلفية التى انفردت بها «التحرير»، وترتب عليها صعود السلفيين وبرهامى ومخيون، وهو رئيس حزب، للمنابر بشكل رسمى.
غير أن عدم سيطرة «الأوقاف» على المساجد لم يقف عند هذا الحد، بل يصرح الشيخ أحمد ترك، وكيل وزارة الأوقاف للبحوث والدعوة، بأن هناك أكثر من 6 آلاف مسجد فى المناطق الصناعية فى محافظات عدة لا تعرف الوزارة عنها شيئًا مؤكدًا، إذ إن تلك المنابر تستقطب شريحة كبرى من العمال يكونون فريسة لسموم تلك الجماعات الإرهابية من الإخوان والسلفيين على حد تعبيره، وأن مسؤولية النهوض بالخطاب الدينى لا تستطيع الأوقاف والأزهر الشريف بمفردهما تحقيقها على الوجه المطلوب، بل لا بد من تضافر جميع مؤسسات الدولة فى هذا الصدد.
معاهد دعاة السلفية
ونظرًا لأن منابر بث السموم والأفكار المتطرفة متعددة التى تقف حائلًا فى طريق تجديد الخطاب الدينى الذى يتطلب فى المقام الأول السيطرة على المنابر ونشر الفكر المعتدل الوسطى، فلقد لجأت الجماعات إلى معاهد إعداد الدعاة والثقافة الإسلامية من خلال تدريس كتب تدعو إلى التطرف والتشدد والمواجهة المسلحة ضد الدولة.
«الأوقاف» كعادتها أصدرت قرارًا خلال الأيام الماضية بإشراف الوزارة على جميع المعاهد التابعة للجمعيات الأخرى غير أن هذا القرار لم يسفر إلا عن غلق معهد واحد بعابدين وخضوع ثلاثة معاهد لرقابتها، وهى «الحمد» بالتجمع الخامس، و«رابعة العدوية» بمدينة نصر، و«الحصرى» بأكتوبر.
الشيخ محمد عز الدين، وكيل وزارة الأوقاف، يقول إن الجماعات المتطرفة لجأت إلى معاهد إعداد الدعاة لنشر الأفكار المتطرفة من خلال تدريس كتب للبنا والقرضاوى وغيرهما تدعو إلى العنف والتطرف، حيث إن هناك أكثر من 50 معهدًا فى شتى محافظات الجمهورية تابعة للدعوة السلفية والجمعية الشرعية وأنصار السنة، وغيرها من الجماعات الأخرى، ففى الجيزة وصل عدد المعاهد إلى 33 معهدًا، وفى القاهرة 5 معاهد، وفى الإسكندرية 7، والمنيا 4، والسويس 1، وبنى سويف 2، مؤكدًا أن هذه الأرقام تم حصرها من قِبل مديريات الوزارة المختلفة، وإرسالها إلى القطاع الدينى بالوزارة، لبحث الموقف، منوها بأن «الأوقاف» نفسها لا تملك تلك المعاهد، فعدد المعاهد التابعة للوزارة فى جميع محافظات الجمهورية لا تزيد على 26 معهدًا.
الوضع المادي للأئمة والدعاة
ولكون تأهيل الأئمة والدعاة عاملًا أساسيًّا فى النهوض بالخطاب الدينى ينادى نقيب الدعاة والأئمة، محمد البسطويسى، بضروة الاهتمام الفعلى بالأئمة والدعاة على شتى المستويات، مفجرًا مفاجأة من العيار الثقيل تكمن فى أن اهتمام الوزارة بالأئمة والدعاة الذين هم بمثابة العمود الفقرى لمهمة تجديد الخطاب الدينى مجرد شو إعلامى، فما زال قانون كادر الأئمة والدعاة حبيس أدراج وأرشيف الوزارة، فكيف يتسنى للخطيب أن ينهض بالخطاب الدينى وهو مكبد بالأعباء المادية التى قد تدفعه إلى الاهتمام بجلب الرزق أكثر من تنميته، فأغلب الأئمة يمارسون أعمالًا أخرى حرة مع عملهم الأساسى، فالبعض منهم سائقو توك توك، والآخرون أصحاب محلات بقالة، فجميع برامج تأهيل الأئمة والدعاة لا تتعدى سوى مجرد حبر على ورق، فمنذ نشوب ثورة 30 يونيو، وبعد دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى بتجديد الخطاب الدينى وإعلان الوزارة اهتمامها بشباب الأئمة، لكنه حتى هذه اللحظة لم يعد على الإمام أى فائدة مادية توفر له عيشة كريمة وتجعله على مستوى حجم المسؤولية، فلا نهوض ولا تجديد للخطاب الدينى، وأئمة الوزارة سائقو توك توك، على حد تعبيره.
فسوء أحوال الأئمة والدعاة المادية وتدهور مكانتهم فى المجتمع سبب رئيسى فى رغبتى فى الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، حتى يتسنى لنا كنقابة رسمية أنْ نجلب حقوقنا الشرعية، بعد أن تاهت مطالبنا بين أروقة الوزارة، لذلك نطالب بضرورة إيجاد حياة كريمة تضمن نزاهة وكفاءة فى أداء الأئمة والدعاة، خصوصًا أن المرحلة الحالية التى تمر بها البلاد حرجة وتتطلب سرعة العمل على نشر الفكر المعتدل لدرء الإرهاب، وهذا لن يتأتى إلا بتحسين أحوال الأئمة وتأهيلهم على مستوى عالٍ بعمل دورات تدريبية وتثقيفية وعلمية وتزويدهم بمختلف الأدوات الحديثة التى تمكنهم من التواصل مع مختلف شباب المجتمع المصرى.
سجن التراث الفقهى العتيق
ومن جهته يشير الدكتور عمار على حسن، الباحث السياسى، إلى أنه فى الحقيقة وما نشاهده الآن من أعمال تخريبية وتفجيرية وإرهابية تبرهن لنا جميعًا على كل المستويات أن الخطاب الدينى فى مصر قبل ثورة 25 يناير وبعد ثورتى يناير و30 يونيو حتى الآن خطاب دينى عتيق وقديم ومتهالك وغير موائم لمتطلبات العصر، وغير قادر على ملاحقة الثورات الرهيبة التى لحقت بأغلب بلدان العالم، فهو خطاب بحاجة إلى تغيير جذرى فى حقيقة الأمر.
وقطعًا المسائل الخاصة بالعقائد لا تغيير فيها، لكن كل الأمور الخاصة بالمعاملات وعلاقتنا بالآخر وإدراكنا للعالم ورؤيتنا لطبيعة التطور الاجتماعى والسياسى والثقافى التى شهدتها البشرية فى القرون الأخيرة تخضع لذلك، فالتخلص من عبء التصورات الفقهية القديمة التى حددت بعض الملاحظات التى لا تزال تقيدنا حتى هذه اللحظة منها مصطلح الحاكمية وجاهلية المجتمع وتكفيره والولاء والبراء وتقسيم العالم إلى دار حرب ودار إسلام والخلافة، وفهم أن هذا هو أسلوب الحكم الذى يرتضيه الدين، فكل تلك الأمور فى حاجة إلى تغيير وجهة النظر فيها، فالخطاب الدينى السليم لا يمكن أن يستقيم أو يقوم إلا بشخصيات دينية أو علماء دين جدد على قناعة تامة بهذا التطور، فمن أفسد شيئًا فليس بوسعه إصلاحه، فالذين ينتجون الخطاب الدينى فى الوقت الراهن كالأزهر والأوقاف وغيرهما من المعنيين بذلك هم فى الأصل الذين أسهموا فى تخلفه، ولا أتصور أن فى وسع أغلبهم على الأقل أن يستجيبوا أو ينهضوا بخطاب دينى مغاير.
عمار على حسن يضيف أن المصطلح الأدق لتجديد الخطاب الدينى ليس بحاجة إلى ثورة دينية، فهذا مصطلح غريب، فنحن نتحدث عن ثورة ثقافية أو سياسية أو اجتماعية أو إدارية، ولكن فى الأديان نتكلم عن إصلاح تام، فمفهوم الإصلاح الدينى فيه أشياء لا يمكن بأى حال من الأحوال الاقتراب منها، وهى الخاصة بالعقيدة ذاتها، أما الإصلاح ففيه ميزتان، أولاهما أنه يفهم أن مسألة الأديان ليست بها تغيير جذرى، وثانيًا هو أن الانتقال من حالة دينية فيها جمود إلى صورة أخرى أكثر حداثة، لا يمكن أن يتم بين يوم وليلة وإنما التدرج مطلوب، وهذا هو مفهوم الإصلاح، والمسؤولية هنا تقع على أطراف عديدة منها علماء الدين أنفسهم من الإصلاحيين، وليسوا من أعداء الإصلاح والمفكرين والمثقفين، وكذلك طلبُ الناس أنفسِهم على التغيير، بمعنى أنه إذا ظل المسلمون يتصلون بدار الإفتاء وشيوخ الدعوة على الفضائيات يسألونهم عن سفاسف الأمور فلا تنتظر تغييرًا، ومن ثم فطلب الجمهور يجب أن يرتقى إلى المطالبة بالتغيير الجذرى أو الإصلاح وأيضًا السلطة السياسية التى تحالفت مع الجناح المحافظ أو المتخلف داخل المؤسسات الدينية فى المجتمع مسؤولة عن إعادة النظر فى هذا السلوك، وبناء نمط تحالف آخر مع الإصلاحيين داخل تلك المؤسسات المعنية بالخطاب الدينى، كما يجب على الأزهر الانفتاح على مختلف العلوم الإنسانية.
قلة عدد علماء الأزهر المُصلحين
عمار يضيف أن جزءًا من الخطاب الدينى للجماعات المتطرفة على مدار سنين طويلة هدم الأزهر أو قضى على المؤسسات الدينية التقليدية ونزع الشرعية عنها والهيبة منها، ومن ثم لا يمكن لعاقل أن يفكر فى هدم تلك المؤسسات ويمكّن الجماعات من المجتمع تمامًا، ولأن الطلب على الدين لم ينتهِ فإذا لم يجد الناس الأزهر سيطلبون الدين من هؤلاء، ومن ثم ليس كل الأزهر الشريف مؤهلًا لتجربة الإصلاح الدينى، ولكنْ هناك علماء إصلاحيون داخل الأزهر نعلم أنهم قلة، ولكن يمكن بسياسات وقرارات وحزمة من الإجراءات أن يتمكنوا من دائرة صنع القرار بتلك المؤسسات، وبالتالى يكون بوسعهم خلال سنوات طويلة أن ينهضوا بالخطاب الدينى، وذلك بتغيير التشريعات التى تحكم المؤسسات الدينية ومساعدة شيخ الأزهر فى تقريب الإصلاحيين منه، بالإضافة إلى تنقية المناهج التى يدرسها الأزهر وتخليصها من الأمور القديمة والعتيقة.
ضعف ميزانية الأزهر
إلى جانب ضخ أموال تنفق للأزهر فى سبيل الإصلاح، فالسلطة السياسية على مر التاريخ هى التى أفسدت الخطاب الدينى، وأنتجت أيديولوجية فكرية لا علاقة لها بصحيح الدين خدمة لمصالحها، كما ينبغى أن يستقل الأزهر وفقًا لقانون ليس من قبيل السلطة، لكن فى إطار عمل ومشروع دعوى يخدم الوضع الراهن، بمعنى أن يكون معنيًّا بإنتاج المعرفة الدينية دون أن يكون وصيًّا على الدين، فما ينتجه الأزهر ليس دينًا وإنما علم من علوم الإسلام، وبالتالى فالهجوم على الأزهر ليس هجومًا على الدين كما يدعى البعض، فالدين موجود قبل الأزهر، وهناك وجود لمسلمين فى دول لا يصل إليها الأزهر، فلو ارتبط الدين بالأزهر ارتباطا شرطيا فى وقت حصار الأزهر وضعف دوره لضعف الدين، وهذا ليس صحيحًا، فالاتجاه إلى احتكار الدين هو فى الأصل كهنوت، وهذا ليس من الإسلام فى شىء.
مدارس برمجة أذهان الأطفال
ثروت الخرباوى، القيادى الإخوانى المنشق، يقول إن هناك كارثة كبرى لا يلتفت إليها الكثيرون تقف حائلًا عن تجديد الخطاب الدينى تكمن فى المدارس، حيث تعانى المدارس من الأفكار الرجعية لبعض المدرسين، نتيجه انتماءاتهم الدينية وأفكارهم المتشددة، إلى جانب المدارس الإخوانية الخاصة، والبالغ عددها ما يزيد على 250 مدرسة فى شتى محافظات الجمهورية، مؤكدًا أن تلك المدارس تستغلها الجماعة فى برمجة أذهان الأطفال بمفاهيم مغلوطة عن صحيح الدين حتى يكونوا إرهابيين على قائمة الانتظار، وذلك فى غياب تام لدور وزارة التربية والتعليم التى عقدت صفقة من خلال وزيرها السابق مع خديجة خيرت الشاطر، تم الاتفاق بينهما سويًّا على ترك المدارس دون أى رقابة، رغم صدور قرارات بنقل تبعية تلك المدارس والإشراف عليها من قبل «التربية والتعليم» غير أن الوزير السابق كان له رأى آخر.
الخرباوى يشير إلى أن من بين أبرز تلك المدارس مدرسة الجزيرة والرضوان بمدينة نصر والفاروق الإسلامى بالتجمع الخامس والواحة بالمقطم والمقطم الدولية للغات ومنارة المستقبل بالقطامية والجيل الجديد بالإسكندرية وطنطا وغيرها، منوها بأن فى تلك المدارس تم تغيير النشيد الوطنى من «تحيا جمهورية مصر العربية» إلى «يحيا الإسلام وطنى حبيبى الإسلام»، فلا يمكن لنا أن نتحدث عن تجديد الخطاب الدينى وعقول أطفالنا تخرب على أيدى جماعة الإخوان فى تلك المدارس.
البيئة الحاضنة لولادة متطرف
ومن جهته يقول الدكتور ناجح إبراهيم، المفكر الإسلامى، إن ظاهرة انتشار الأفكار المتطرفة تبدأ من شعور الفرد بغياب العدالة وتكافؤ الفرص إلى جانب الفقر والتعطل والإحساس بالظلم والانتهاكات التى يتعرض لها الشباب فى السجون، فعندما يتم القبض على الشباب فى حالة مشاركتهم فى المظاهرات أو غيرها تبدأ مشاعر الانتقام من المؤسسات الشرطية تتولد فى داخله ويفرح عند وقوع أى حادثة تفجير ضد الجيش أو الشرطة، وفى هذا التوقيت يكون على طريق تبنى الأفكار المتطرفة، لذلك يتعين عدم التوسع فى حالات القبض وعدم الاعتماد على الحل الأمنى فقط فى مواجهة الأفكار المتطرفة، فالجزء الأمنى جزء من الحل، وليس كل المطلوب فى مواجهة دحر الأفكار المتطرفة، وهؤلاء يكونون فى حالة عزلة تامة عن أى محاولات لتجديد الخطاب الدينى ونشر الفكر المعتدل، مطالبًا الأزهر بضرورة اقتحام معركة السجون كإحدى مهام تجديد الخطاب الدينى، وذلك للحد من انتشاره بين المساجين، خصوصًا من فئة الشباب التى ترى فى التظاهر حقا مشروعا.
وحول دور الأزهر فى مواجهة الأفكار المتطرفة داخل السجون يقول محيى الدين عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الأزهر الشريف يلعب دورا حيويا فى التصدى لظاهرة الإرهاب والتطرف بكل قوة، خصوصًا تحصين الشباب بشكل عام من خلال لقاءات مشتركة معهم للرد على الاستفسارات والشبهات التى تدخل بها الجماعات التكفيرية لعقول الشباب لخدمة أغراضهم الدنيئة التى تتنافى مع تعاليم الإسلام الصحيحة، فلدينا وعاظ مكلفون بالتحاور مع قطاعات الأمن المركزى لرفع كفاءتهم وإعطائهم مزيدًا من الشعور بالانتماء إلى الوطن، أما فى ما يخص قطاعات مصلحة السجون والتشاور مع الشباب فلدينا مشكلات عدة تحول دون ذلك، أهمها أن هؤلاء يعتبرون وعاظ الأزهر علماء السلطة، بالإضافة إلى أن عقولهم ترفض التواصل، كما أن الشباب داخل السجون على تواصل بجماعات تكفيرية، ويحملون أجندات سياسية تخدم فصيلا معينا.
تحرير العقول
الدكتور محمد محمود أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر، يقول إن هناك أزمة أخرى تحاط بمهمة تجديد الخطاب الدينى، وهى طبيعة المناهج التى تحتوى على بعض الفصول التى تدعو إلى التشدد، لذلك بادر الأزهر الشريف بتبنى خطة استراتيجية بتنقيح المناهج واستبعاد كل ما به من مواد متشددة، ولكن مهمة التجديد قد تستغرق بشكل عام بضعة أعوام، منوها بأن مسالة تنقيح كتب التراث أمر ملح، ولكن المشكلة ليست فى كتب التراث، ولكن فى العقول. أليس فى كتب التراث كلام يدعو إلى الرحمة؟!
فهناك ثوابت فى العقيدة لا تقبل التغيير، وما عدا ذلك فقابلٌ للتعديل والمرونة على حسب طبيعة الزمان والمكان.
فغياب الإرادة السياسية لتقوية الأزهر وتعظيم دوره فى الفترة الماضية نال الكثير من دور الأزهر ومؤسساته، لكن القيادة السياسية الحالية تراعى ذلك، وتعطى أهمية كبرى لدور الأزهر وتوفر له كل الإمكانات اللازمة للنهوض بالخطاب الدعوى، ولكن مسألة الهجوم على الأزهر ليس من قبيل المصلحة العليا، فالأزهر لديه خطة تطوير وعمل ومراجعة المناهج فى المعاهد والجامعات.
مواجهة التخلف الحضارى
ومن جهته يقول المفكر الإسلامى، الدكتور أحمد كمال أبو المجد، إن قضية تجديد الخطاب الدينى باعتباره جزءًا من أزمة التخلف الحضارى الذى يعيشه العرب والمسلمون الآن، إذ إنه لا يمكن إنتاج خطاب إسلامى حديث يوافق روح العصر، جزء من كل، فليست بمعزل عن الإصلاح الشامل فى جميع الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية للمجتمع.
أبو المجد يشير إلى أن مشكلة التخلف الحضارى، ومشكلة الغلو والتطرف والفهم المنقوص للإسلام وتفسير بعض الآيات بما يخدم الأغراض الشخصية وعدم العمل بمكانة العقل فى الفكر الإسلامى، وحرية الإنسان، ومكانة المرأة وغيرها من القضايا، الإلمام الجيد بالأصول الشرعية يقف حائلًا فى تجديد الخطاب الدينى الذى يتطلب نشر الثقافة الإسلامية بعيدة عن كل أشكال التشدد.
وأن هناك عراقيل بشروط الدعوة نفسها، منها حتمية معرفة طبيعة البلد محل الدعوة، والإحاطة بثقافة أهله، ومعرفة أيضًا التراكمات التاريخية، حتى يتسنى للإمام القدرة على التواصل بتحديث خطاب معاصر يتناسب مع طبيعة التحديات المعاصرة داخليا وخارجيا. كما أن الخطاب الدينى المعاصر يواجه أزمة من حيث طبيعة هذا الخطاب، فضلًا عن أن هناك شروطًا ينبغى توافرها فى القائمين على نشر الفكر المعتدل منها تخليصه من أسلوب الرتابة بعيدًا عن أسلوب الوعظ المباشر والنمطية. وضرورة تثقيف العاملين فى مجال الدعوة، فهناك حالة ضعف أصابت الأزهر، فلم يعد هناك أئمة أمثال متولى الشعراوى أو مصطفى المراغى أو محمد عبده، فأصحاب التجديد لا بد أن يكونوا أصحاب فكر غير تقليدى. وأن تكون مهمة التجديد ليست مقصورة على جهود فردية، فالتجديد لم يتبلور فى استراتيجية محددة المعالم، فلا يمكن لنا القضاء على هذا التطرف بتلك الجهود المتواضعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.