شهدت بداية الخمسينيات من القرن الماضى تحويل عشرات من الصحفيين ورجال الفكر إلى ساحات القضاء، واتهامهم بالعيب فى الذات الملكية.. وقتها وقف الكتاب والمفكرين مع أبناء الشعب الواعى معترضين على هذه المحاكمات، بعد أن وصفوها بأنها بلا سند من القانون. فمنذ إعلان الملكية الدستورية فى مصر عام 3291، وحتى قيام وزارة النحاس، أى على مدى 72 عاما، لم يتم تحويل إلا عدد قليل لا يتعدى أصابع اليد الواحدة إلى المحاكمات، ومنهم إسماعيل صدقى، ومحمود عزت، وعباس محمود العقاد ، وتوفيق دياب. فهذه التهمة لم يكن يجوز توجيهها لكتاب إلا فيما ندر. أما الأخذ بالظن وتأويل العبارات لم يظهر إلا فى بداية الخمسينيات، حيث دأبت الحكومة وقتها إحالة العشرات إلى المحاكمات بتهمة العيب فى الذات الملكية حتى فقدت هذه التهمة معناها ، ودفع الكثيرين إلى اتهام الحكومة نفسها بالتعسف. ومن أشهر المتهمين بالعيب فى الذات الملكية فى ذلك الوقت، سيد قطب، سليمان زخارى، عبدالخالق التكية، إبراهيم الزيادى، أحمد حسين، إحسان عبدالقدوس، فتحى رضوان، مصطفى مرعى، وأخيرا إبراهيم شكرى والدكتور رياض شمس. دفع الكتاب والمفكرون عن أنفسهم هذه التهمة بأنها غير قابلة للوجود بحكم الدستور المصرى، فالملك لا يحكم لأنه يتولى جميع سلطاته بواسطة وزرائه، بمعنى إنه إذا تم توجيه أى نقد لأى تصرف يقع فى الدولة فإن هذا النقد لا يكون موجها إلى الملك، مهما يكن هذا التصرف ما دام لا يمس خصوصيات الملك الشخصية، وعلى هذا فإن تهمة العيب فى الذات الملكية تكون تهمة غير قابلة للوجود وغير قابلة للتوجيه إلى أحد، فذات الملك مصونة ولا تمس باعتباره رئيس الدولة. ورغم إن فترة الأربعينيات والخمسينيات هى الفترة التى شهدت أشد أنواع القمع والبطش لأصحاب الحريات، إلا إن هذه التهمة تقلصت وحتى قبل اشتعال فتيل ثورة يوليو إلا أنه ظهرت على الساحة جريمة أخرى وهى السب والقذف. شهد عامى 0591 و 1591 تقديم أكثر من 51 صحفيا وكاتباً إلى محكمة الجنايات بتهم السب والقذف فى حق رجال الحكومة ووقتها خرجت الصحف أيضا لتقول أين حرية الصحافة التى تتحدث عنها الحكومة؟! البداية كانت مع سعد فهيم رئيس تحرير «الكتلة» ثم أحمد على زيدان ثم إحسان عبدالقدوس وفاطمة اليوسف ثم صلاح الدين حافظ وشفيق إبراهيم وجورج شلبى واللواء محمد شعراوى والصاغ وجيه أباظة وجلال الدين الحمامصى وأبو الخير نجيب ومحمود الرملى وعلى أمين وعبد الباسط عبد الرحمن البنا ومحمد صبيح ومحمد عبد القادر حمزة وألبرت برسوم سلامة وأخيراً محمد حسنين هيكل الذى عاب علنا إمبراطور إيران.