من يستحق الجلوس على عرش مصر؟..تساؤل طرح بقوة خلال الأشهر القليلة الماضية، البعض تحدث عن الشيخ حازم أبو إسماعيل الذى أصبح قاب قوسين أو أدنى من الخروج من سباق الرئاسة .. قالوا إنه الأفضل في كل من روادهم الحلم الرئاسي، كتائبه السلفية جعلته «فرض عين» على الجميع، تحدثوا عن معجزاته ونبؤاته، لكنهم لم يقدموا برنامجا انتخابيا واضحا يحدد الأزمات ويقدم الحلول لشارع أعلن الثورة من أجل «الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية»، آخرون كانوا أكثر تفاؤلا وقالوا علينا بالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح «أرودغان العرب» غير أن حالة الارتباك التي يعاني منها، وتأكيدات الجميع بأن معركته الرئاسية لا تتعدي كونها حلبة صراع بينه والمهندس خيرت الشاطر جعلت أسهمه تتراجع كثيرا خلال الأيام القليلة الماضية، كما أن غياب الرؤية الواضحة لمستقبل مصر ساعد كثيرا في فقدانه عددا –لا بأس به- من الذين كانوا يمدون له يد العون والدعم. أما المهندس خيرت الشاطر النائب السابق لمرشد جماعة الإخوان المسلمين، وأحد الوجوه البارزة – حتي وقتنا الحالي- في ماراثون الانتخابات الرئاسية فقد اتفق مع أبو الفتوح في أمر وحيد وهو أنه لا يريد العرش بقدر ما يريد «كسر أنف» عدوه اللدود، وما بين المستشار هشام البسطاويسي المرشح الرئاسي عن حزب التجمع والنائب البرلماني السابق حمدين صباحي المرشح للرئاسة تنوعت الاختلافات في طريقة العمل غير أن غياب الرؤية اتضح أنه سمة رئيسية في كل من تقدموا لرئاسة مصر، وبات شيئا ضروريا أن ننظر للتجارب الدولية الأخري خاصة القريبة الشبه بالوضع المصري، فماليزيا قبل حقبة «مهاتير محمد» كانت ظروفها أسوأ من ظروف الشارع المصري، والبرازيل أيضا قبل أن يهبط «لولا دي سيلفا» علي مقعدها الرئاسي لم تكن تطمح لما أصبحت عليه الآن، والأمر ذاته تكرر في أكثر من بلد. مهاتير محمد...من «الملايو» إلي ال«بوتراجايا» عندما انتخب مهاتير محمد رئيسا للوزراء، بدأ فورا في تطبيق أفكاره التي ناضل من أجلها، فبادر في خطاباته إلى التمسك بالقيم الآسيوية، وتوجيه انتقادات حادة إلى ما سماه «المعايير الغربية المزدوجة»، ونفذ مشاريع ضخمة حقيقية وكان من بين هذه المشاريع بناء مبنى «بتروناس» الذي يعتبر أطول مبنى في العالم، وإنشاء الطريق السريع متعدد الوسائط (مالتيميديا)، وبناء العاصمة الذكية «بوتراجايا» بتكلفة 5.3 مليار دولار، على أحدث نظم التخطيط العمراني، لتكون عاصمة إدارية جديدة لماليزيا، تخفف الضغط على عاصمتها التاريخية كوالالمبور. أما على المستوى السياسي، فقد بدأ مهاتير محمد الإصلاح – كأي إصلاحي حقيقي – من بيته، أي من حزب منظمة الملايو الوطنية المتحدة الذي يتزعمه، وطالب أعضاء حزبه بالنأي بأنفسهم عن الفساد، وقال إن استغلال الأموال في العمل السياسي وشراء الأصوات الانتخابية سيدمر الحزب، واعترف بأن الفساد أصبح جزءاً من الثقافة السياسية في ماليزيا، وناشد أعضاء الحزب مساعدته في القضاء عليه. وأمام كل ذلك لاقى مهاتير محمد العديد من الانتقادات من جانب مؤيدي النظام العالمي الجديد، ففي عام 1999، كان الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان يتحدث عن حتمية العولمة، ويسخر من رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد، لأنه يقف أمام طوفان العولمة، ويعتبره نموذجا للشخص الذي يجب ألا نفكر مثله إذا كنا نريد أن نتوافق مع المستقبل. وفي عام 2001، وبعد عامين على كتاب فريدمان، وأربعة أعوام على الأزمة الاقتصادية الآسيوية، كان لدى مهاتير محمد ما يقوله في السخرية من العولمة، فقد كان مهاتير يتحدث في ندوة عن «تأثير العولمة على العالم الإسلامي»، عندما انتقد بحدة ما وصفه ب«الدمار الأخلاقي» في العالم الغربي، وجدد تحذيراته من مخاطر العولمة غير المنظمة. وجاءت الإجابة في «تقرير التنمية البشرية» الصادر في أغسطس 2004، عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وقد كانت التجربة الماليزية المهاتيرية حاضرة في التقرير، إن لم يكن بشكل مباشر كنموذج للاستدلال، فبشكل غير مباشر كخلفية للتفكير، فالتقرير يطمح إلى المساهمة في وضع أسس يمشي عليها العالم في طريقه إلى تحقيق أهداف التنمية. شارل ديجول...الإصلاح علي طريقة «الجنرالات» الفرنسيون يفخرون كثيراً بأن القائد الفذ شارل ديجول كان فرنسيا، نظراً لعطائه الكبير لمواطنيه وموطنه طيلة سنوات ممتدة من قبل الحرب العالمية الثانية وحتى عام 1970م. حمل ديجول على عاتقه مع زملائه عبء الكفاح والدفاع عن الأراضي الفرنسية ولم يكن هذا الكفاح بالسلاح، إنما بالكلمة، فقد توجه إلى لندن بعد الاجتياح الألماني لبلاده وهناك القى أول خطاب إذاعي إلى مؤيديه ومناصريه بالاستمرار في الكفاح وكانت لخطبه وحماسته ردود فعل قوية للغاية، إذ سرعان ما غدا ديجول رمزا فريدا في المقاومة بكل معانيها، وقد شكل قوة عسكرية بالمنفى وحاول استمالة كل من رئيس وزراء بريطانيا وينستون تشرشل لدعمه لكنه فشل حيث عامله بجفاء ولم يدعم مطلبه بتشكيل حكومة فرنسية في المنفى وذلك لاعتبارات سياسية ونفس الشيء واجهه مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت الذي اعتقد في ديجول ديكتاتوراً محتملاً وعقبة أمام العلاقات الأمريكية مع النظام الفرنسي وقتها، هذا بجانب صدور حكم قضائي من محكمة عسكرية فرنسية عام 1940 يقضي بإعدامه بعد أن وجهت له تهمة الخيانة. غير أنه بدءا من عام 1962 نجح كقائد فرنسي من خلال حركة فرنسا الحرة في كسب المزيد من القوة والنفوذ وفاز بثقة كثير من الضباط الفرنسيين العاملين في غرب أفريقيا كما أقام علاقات قوية مع حركة المقاومة السرية في فرنسا نفسها، وأخذ يكرر مطالبه ودعاواه التي تتركز على السماح للشعب الفرنسي بتقرير مصيره السياسي بعد التحرير وقد حظيت هذه الدعوة بتأييد العديد من القادة السياسيين السابقين. بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة دول المحور ألمانيا، إيطاليا واليابان، واستقرار الأحوال تدريجياً في أوروبا وانتخب ديجول بالإجماع رئيساً للحكومة المؤقتة وذلك في أكتوبر 1945م وعهد لحكومته تنفيذ روح برامج المقاومة البعيدة عن الإصلاح الاقتصادي مثل تأميم صناعات مختلفة ووضع خطة لتحديث الاقتصاد، وذلك استجابة لمطالب زعماء المقاومة الذين طالبوا بإغلاق جميع الشركات التي تعاونت مع قوات الاحتلال. لم يحقق دستور الجمهورية الرابعة الذي وضع في أكتوبر 1946 استقراراً سياسياً في فرنسا وعادت الأزمات والمشكلات تتراكم وتتعقد وتثير الاضطرابات والقلق وظل ديجول منذ استقالته في يناير 1946م بعيداً عن مسرح السياسة والأحداث لفترة تزيد على أحد عشر عاماً سميت «فترة العزلة الصحراوية» وفي أثنائها تغيرت الوزارة الفرنسية اثنين وعشرين مرة «من 1946م إلى 1958م» فتدهورت الأوضاع في الداخل وكذلك بالخارج إذ اشتعلت الثورة في الجزائر مطالبة بالتحرر والاستقلال وعودة مليون فرنسي كانوا يقيمون بالجزائر إلى فرنسا. شكل ديجول بعد ذلك الحزب الديجولي «الاتحاد من أجل الجمهورية الجديدة»، وقد جاءت الانتخابات التشريعية في 1958م وفاز حزب ديجول بأغلبية كبيرة، ثم انتخب رئيساً للجمهورية الخامسة في ديسمبر 1958م . أنجز ديجول كثيراً من الإصلاحات في فرنسا وحقق لها مكانة عالمية، وكانت الأولوية عنده تدعيم مركز فرنسا ومكانتها من العالم، ولم ينس أن بلاده أُبعدت عن المشاركة في تسويات ما بعد الحرب العالمية الثانية وعن النادي النووي، فأعلن في سبتمبر 1959م أن فرنسا سوف تبني بمفردها قوتها الرادعة النووية وحقق ما يصبو له الفرنسيون. الجميع يؤكدون أنه قاد فرنسا بكفاءة وكرامة وقوة حتى استعاد مكانتها في أوروبا وفي العالم.. ولن تنسى فرنسا له مقدرته الفذة على تحويل اقتصادها زراعياً وصناعياً وتكنولوجياً في سنوات حكمه إلى مستويات عالمية من الجودة والوفرة والنجاح وعضد ذلك بآرائه في الاقتصاد المختلط وبمدى تدخل الدولة وبحوافز التخطيط الجيد وبالتشجيع الحكومي الرشيد وكان مفتاح سياسته الاقتصادية التحديث. لولا دي سيلفا...صاحب «البولسافاميليا» بعد فترتي الرئاسة غادر الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا القصر الجمهوري في البرازيل والجميع يدرك أن الرجل استطاع خلال سنوات رئاسية ثماني أن يدفع بعشرين مليون برازيلي ليصعدوا من ساحة الفقر إلي الشريحة الأولي من الطبقة الوسطي، حيث انخفضت نسبة البرازيليين الذين يعيشون تحت حد الفقر من38% إلي22% خلال8 سنوات. هذا بينما يستمر معدل التنمية السنوية في ارتفاعه حتى بلغ8.8% عام2010. «دي سيلفا» رغم خلفيته الاقتصادية الثورية التي جاء محملا بها من حزب العمال الذي كان يترأسه إلا أنه سرعان ما أدرك أن أهم ما يجب صياغته يتمثل في ثبات الاقتصاد البرازيلي الذي ورثه من سلفه كاردوزو وكان سلفه قد نجح في السيطرة علي الغلاء المتوحش وان يحقق استقرارا ونموا للبرازيل. وقد استطاع اقتصاد البرازيل مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية في نهاية عام2008, وكان أول من تعداها بعد عام واحد فقط من حدوثها، كما انتقل الحد الأدني من الأجر إلي210 يورو أي بارتفاع9.68%, البطالة تمثل اقل من7% من طاقة الشعب العامل, وكذا فإن التضخم لا يتعدي نسبة4.5% سنويا.