وما أن وصل شيخنا السبعيني إلى منتصف الطريق حتى أصابه إعياء شديد؛ وإرهاق متزايد سببه الجوع والعطش وهما اللذان قررا أن يتحالفا معًا عليه، وعلى مدد الشوف رأى نارًا تتراقص حول خيمة وحيدة منفردة بين تلتين علتهما بعض الكثبان الرملية التي تذروها الرياح الشمالية، فذهب إليها مسرعًا ليجد عجوزا شمطاء بلغت من الكبر عتيا، ولكنها كانت ترحب به من كل قلبها، فبادرها الشيخ عليش لاهثًا بقوله: ألا أجد عندك شربة ماء أروي بها عطشي أيتها العجوز الصالحة، وبالفعل قربت له العجوز كوز الماء الوحيد الذي تملكه، ثم قدمت بين يديه كسرات من الخبز الجاف بقيت لديها، وما أن فرغ الشيخ عليش من طعامه؛ حتى قدمت له سلطانية كبيرة بها مذقات من اللبن، جرعه الشيخ عليش حتى آخره في رشفة واحدة؛ وما أن انتهى منه حتى توجه إلى العجوز بآيات الشكر والعرفان داعيًا لها بقوله: بارك الله لك أيتها العجوز في بقرتك، فردت عليه بابتسامة غريبة نافية أن تكون لديها بقرة، ليعاود الشيخ عليش دعاءه لها قائلا: إذن بارك الله لك في ناقتك فردت بالنفي أيضًا، فقال إذن في عنزتك، وكان الجواب أيضًا أنها لا تمتلك أي عنزات أو نعاج. فسألها متعجبًا!! فمن أين لك باللبن إذن أيتها المرأة ؟ هل اشتريته من السوق أم أن أحدا تصدق عليك به ؟!! فردت عليه العجوز قائلة: أنا لا أمتلك من حطام الدنيا الفانية سوى هذه الخيمة، وليس لدى أي مال أشتري به، وأنا أمكث في هذه الخيمة وحدي طوال الوقت، وزادي قليل وبالكاد يكفيني، إلا أنني رأيتك مجهدًا ومتعبًا فأردت أن أقدم لك الطعام لتتزود به، وكانت لدى كلبة ترضع جروها المتبقي بعد أن نفق إخوته الخمسة، فأتيت لك بحليبها الذي رويت منه. فاستشاط الشيخ عليش غضبًا وقال لها: خرب الله بيتك أيتها العجوز المخرفة... ورفع السلطانية عاليًا وألقاها لتنكسر أرضًا إلى نصفين.. لتبادله العجوز الدعاء بدورها قائلة: خرب الله بيتك أنت... كسرت سلطانيتي الوحيدة التي أتغوط فيها كل مساء !!