تتفق معه أو تختلف، تشتبك مع أفكاره أو بعضها أو تتركها جملة، لكن لا أحد يستطيع مهما كانت ميوله السياسية أن يقلل من شخصية الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، فالشاب الذى لقى مصرعه وعمره 42 عاماً استطاع أن يحدث تغييراً غير عادى فى المشهد السياسى المصرى منذ وضع اللبنة الأولى للجماعة فى عام 1928، وبدأت تلك البذرة التى غرسها، مدرس الخط العربى تنمو وتكبر يوماً بعد يوم تهادن تارة وتقاوم أخرى، تمارس الانتهازية السياسية وتنقلب على حلفائها فى طرفة عين أو تتخندق مع القوى الوطنية لمواجهة الظلم والاستبداد والتحديات الداخلية والخارجية، حتى جاءت ثورة 25 يناير لتقذف بعرش مصر فى ملعبهم.. لأجل ذلك وغيره، أفردت «فيتو» صفحاتها عن ذكرى اغتيال البنا فى 12 فبراير 1949. قبل هذا التاريخ كانت المنطقة برمتها على صفيح ساخن فالجيوش العربية لا تزال تلملم اشلاءها المبعثرة فى أرض فلسطين، فيما كانت الصراعات السياسية فى مصر فى أوجها، لدرجة أن الخلافات السياسية كانت تنتهى برصاصات غادرة لإسكات الحضوم إلى الأبد. وبإطلالة عابرة على الوضع فى الشرق الأوسط فى الشهور التى سبقت اغتيال البنا، نجد أن العصابات الصهيونية تتقدم فى مشروعها الاستيطانى بنجاح ساحق وسط تراجع عربى وإسلامى وتواطؤ دولي، فأنشأت العصابات اليهودية مستعمراتها فى الجزء الواقع حول تل أبيب وحيفا ومحاصرتها بالاسلاك الشائكة وزرع الألغام حول هذه المستوطنات للدفاع عنها، كما قامت تلك العصابات باختطاف بعض الجنود البريطانيين حتى لا تتمركز القوات الإنجليزية المنسحبة من مصر وسوريا فى أرض فلسطين، لحظتها تتدخل أمريكا وتساعد وتدعم نقل اليهود من شتات الأرض إلى الأراضى العربية، وبعد ذلك تمارس ضغوطها حتى صدور قرار التقسيم، فيما كان العرب يرفضون الوجود اليهودى على أرضهم ويحاول عرب فلسطين الاستقلال وإعلان حكم ذاتى مثل جيرانهم فى سوريا ولبنان، سبق بن جوريون الجميع وأعلن فى الساعة الرابعة عصر السبت 14 مايو 1948 دولة إسرائيل، مما دفع العرب لإعلان الحرب وهم غير مؤهلين لذلك. وكانت مصر كأخواتها من دول العرب فيها ما يشغلها فالملك فاروق مشغول بمغامرات والدته «الملكة نازلي» التى أصبحت فى ذلك الحين مادة دسمة للصحف العالمية، كما أنه قلق ومتوتر بسبب الوضع الداخلى وفشله فى مفاوضات الجلاء، فأشار عليه مستشاروه بمغامرة خوض الحرب على عجالة، وكأنها نزهة حتى يلعب دوراً عربياً يعوضه عن فشله الداخلي، كما أنها فرصة ليتخلص من قوة الجيش التي بدأت تقلقه بعد وصول أنباء للقصر عن وجود تنظيمات داخل الجيش تهاجم الملك، فيما كان الملك عبد العزيز آل سعود قد أنهى سيطرة بريطانيا على موارد النفط فى السعودية، وفتح الأبواب للشركات الأمريكية للعمل، في حين كان الملك فيصل الثانى طفلا وكان الوصى على العرش يريد ترتيباً جديداً مع الإمبراطورية البريطانية، أما العرش الهاشمى فى عمان فكان أمير شرق الأردن مشغولا بتنصيب نفسه ملكاً وإنشاء المملكة الأردنية الهاشمية. الصراعات الحزبية المصرية، كانت نسخة من صراعات العروش العربية ولكن بطبعة محلية، وشهدت السنوات التى تلت الحرب العالمية الثانية العديد من حوادث الاغتيال السياسي، يصاحبها مظاهرات عارمة احتجاجاً على فشل الحكومات المتعاقبة عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن المواقف السياسية التى تغضب الحضوم، وشهدت مصر ارتفاعاً غير عادى فى الأسعار بنسبة زادت على 400٪ لدرجة أن الغالبية العظمى من الشعب لم تعد تطيق هذه الأوضاع، مما ساهم فى انتشار السرقات والاختلاسات وتخاذلت الحكومات عن مسئولياتها على جميع الأصعدة، فى هذه اللحظات يتفاقم الصراع بين جمعية الإخوان المسلمين والحكومة السعدية وازداد المشهد ضبابية حتى غامت الرؤية على قيادات الإخوان فبدأ بعضهم يتصرف برعونة كلفتهم الكثير، حيث أقدم التنظيم السرى للجماعة على اغتيال أحمد الخازندار وهو قاضى أصدر حكماً بحل الجماعة ثم جاء حادث السيارة الجيب التى كانت تحمل المتفجرات، ثم اغتيال سليم زكى حكمدار القاهرة، ثم كانت القشة التى قصمت ظهر الجماعة وهى اغتيال النقراشى باشا هنا تصل الأمور ذروتها ويصبح وكأنه قدر محتوم أن يدفع البنا ثمن أخطاء أنصاره، ويسقط قتيلا برصاص رجال شرطة بتكليف من حكومة السعديين ثأراً لمقتل النقراشى، وتطوى صفحات البنا وتبقى أفكاره ويزداد أتباعه ويكثر الجدل حول جماعته وكذلك يتنوع خصومه.