لم تكن فترة حكم مبارك مجرد فترة فاسدة، وقعت آثارها على رأس مصر، فجعلت من الشعب فقيرا لا يجد قوت يومه ، وليتها كانت كذلك ، ولكنها كانت نكبة اجتماعية، خلّفت وراءها آثارا خطيرة ، عضّت هذه الفترة بنواجذها على نفوس الشباب، فوقعوا أسرى في مشاعر القهر، وانتبهوا إلى أنهم يتنفسون في بلادهم دخان الاستبداد ، والنفس المقهورة تعيش في سجن نفسي قسوته طاغية ، فهي تشعر بالعجز أمام متطلبات الحياة التي لا غنى عنها لإنسان ، مثل الوظيفة والزواج والدخل المادي المعقول والرعاية الصحية وغير ذلك كثير ، هذا العجز لاشك أنه قهر الشعب ، وفي ذات الوقت سيطر على نفوس الناس الضعف أمام الحاكم المستبد الذي امتلك مقاديرهم فتحكَّم فيها ، فما بالك إذا وقع الإنسان بين هذا وذاك، وهو في السجن الكبير يجرع ويلات التعذيب ؟ فقد تحولت مصر كلها على يد هذا الحاكم إلى سجن كبير ، حينئذ يشعر المقهور بأنه لا شيء ، بأنه بقايا إنسان عاجز ذليل مهان ، ولكن هذا الشعور لا يستمر أبدا ، فالنفس الإنسانية لها وسائلها للدفاع عن الذات ، ولكي تستعيد توازنها النفسي فإنها تثأر لذاتها التي تعرضت للقهر والمهانة والتحقير فتستعلي على الآخرين وتحتقرهم ، وبذلك يتحول هذا الإنسان المقهور إلى صورة من قاهره المستبد ، وبعد أن كان يرى نفسه قد أصبح عبدا أو أقرب إلى العبد إذا به يشعر بسيادة كاذبة ، يكره من خلالها قومه الذين لم يقفوا معه حين استبد به المستبد ، ويكره وطنه المقهور ، فيسعى إلى الهجرة الحقيقية، أو الهجرة الشعورية والعزلة عن المجتمع، التي يتصور أنها ستكفل له الحماية والصيانة ، وما يصدق على الأفراد يصدق أيضا على الجماعات والتكوينات البشرية ، لذلك فإن أي جماعة ظلت عمرها تحت ركام الاستبداد والقهر لا بد أن تتحول إلى جماعة مستبدة إذا ما حكمت ، ستتحول دون أن تشعر إلى نسخة أخرى من المستبد الذي قهرها ، كل التاريخ كان كذلك.