في منطقة جرداء من الساحل العماني على مسافة 550 كيلومترا جنوبي العاصمة مسقط، يروح العمال ويجيئون في حوض لإصلاح السفن حول سفن البضائع القادمة من مختلف أنحاء العالم لأداء أعمال ستسهم في تحديد مصير سلطنة عمان في عصر النفط الرخيص. ويقع الحوض الذي تملكه شركة عمان للحوض الجاف وهي شركة حكومية وتديره شركة دايو لبناء السفن والهندسة البحرية الكورية الجنوبية بعيدا عن المناطق الصناعية في شمال البلاد. لكنه في قلب أكبر مشروع اقتصادي منفرد في تاريخ عمان في إطار الجهود الرامية لوقف اعتماد البلاد على صادرات النفط الخام والغاز وتنويع مواردها لتشمل صناعات أخرى قبل أن تنفد موارد البلاد من احتياطيات النفط. وتنفق الحكومة مليارات الدولارات على تطوير المنطقة المحيطة بقرية الدقم النائية التي يعمل أهلها بالصيد لتصبح منطقة نشاط اقتصادي كبيرة بهدف جذب شركات لخلق عشرات الآلاف من الوظائف. وبالإضافة إلى حوض إصلاح السفن والميناء المجاور له ستضم منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة مصفاة للنفط ومجمعا للبتروكيماويات وأنشطة تصنيعية ومنشآت للتخزين والخدمات اللوجستية. وستصبح منطقة لتصنيع الأسماك محور صناعة صيد السمك في السلطنة. وستقام منطقة سياحية بهدف جلب العملة الصعبة من السياح الأجانب. وتحمل هذه الإستراتيجية في طياتها مخاطر مالية كبيرة إذ أنها تقوم على الإنفاق بسخاء على البنية التحتية وإطلاق صناعات رئيسية بتمويل من الدولة وحث القطاع الخاص على المشاركة. لكن هذا يمثل عنصرا رئيسيا في السياسة الاقتصادية في السلطنة التي يبلغ عدد سكانها 4.4 مليون نسمة ولا تملك من موارد الدخل ما يضاهي جيرانها من مصدري النفط مثل السعودية والإمارات العربية. وقال صالح حمود على الحسني المدير المسئول عن طلبات الاستثمار في الدقم "نحن ننوع بما يتجاوز النفط والغاز. علينا أن نخلق وظائف للناس ونجذب الاستثمار الأجنبي المباشر." وخفضت دول عربية أخرى مصدرة للنفط في منطقة الخليج الإنفاق على البنية التحتية ومشروعات التنمية على مدى 18 شهرا مضت بسبب الضغوط التي فرضها انخفاض أسعار النفط. كما تضررت الأوضاع المالية للسلطنة لكنها لا تملك من رفاهية الوقت ما تملكه دول مجاورة. وتقدر الاحتياطيات المالية للسلطنة بعشرات المليارات من الدولارات لا بمئات المليارات إذ تقدر شركة بريتيش بتروليوم أن احتياطياتها النفطية ستدوم 15 عاما فقط بمعدل الإنتاج الحالي. ولذلك تواصل الحكومة الإنفاق بكثافة على الدقم ومشروعات أخرى أصغر حجما لدفع الاقتصاد بعيدا عن النفط الخام. وتوضح أحدث البيانات الرسمية أن إجمالي الإنفاق الاستثماري للدولة ارتفع بنسبة 5.5 في المائة عما كان قبل عام ليصل إلى 2.81 مليار ريال (7.3 مليارات دولار) في الأشهر الأحد عشر الأولى من 2015 وذلك رغم أن الميزانية الحكومية سجلت عجزا بلغ 4.07 مليارات ريال. وقال محللون بمجموعة أوراسيا جروب في تقرير "مازالت حملة الاستثمار العمانية في البنية التحتية والصناعة قرب رأس جدول الأعمال الحكومي وستمضي مشروعات إستراتيجية رئيسية مثل مشروع ميناء ومنطقة الدقم الاقتصادية الضخم قدما." قبل خمس سنوات كان عدد سكان الدقم يبلغ نحو 3000 نسمة ولم تكن تربطها ببقية العالم أي روابط جوية تجارية وكان العمال الوافدين يعيشون في خيام وأكواخ متنقلة أو باخرة قديمة خرجت من الخدمة وتقف راسية في الميناء. والآن تتلوى طرق واسعة لاتزال خالية من السيارات عبر الصحراء بينما تمتد خطوط الماء والكهرباء عبر مساحات تمتد على عشرات الكيلومترات المربعة. وبدأت ترتفع وسط الرمال مجمعات سكنية ومبان تجارية. وافتتح المطار عام 2014 لكن مبنى الركاب ما زال قيد الإنشاء. وارتفع عدد سكان المنطقة إلى نحو 13 ألفا بمن فيهم العمال ويقول مسئولون: إن من المقدر أن يصل إلى 67 ألفا في عام 2020. وفي الأجل الأطول تتحدث السلطات عن مدينة يبلغ عدد سكانها 100 ألف أو يزيد. ويمثل تمويل حركة البناء هذه كلها تحديا. فقد أنفقت الحكومة حتى الآن 1.2 مليار دولار وستواجه صعوبة في تدبير المليارات الأخرى الضرورية إذا ظلت أسعار النفط منخفضة. وقال الحسني: إن المنطقة الاقتصادية تدرس عدة خيارات لتدبير المال بما في ذلك إمكانية إصدار سندات وكذلك الحصول على قرض من بنوك دولية وإنها بدأت تحقق دخلا من الرسوم سيساعدها في تمويل نفسها. وربما يتمثل تحد أكبر في جذب ما يكفي من استثمارات القطاع الخاص. وتعمل الدقم على تسويق موقعها باعتباره مميزا إذ تقع على بحر العرب قرب طرق الملاحة الرئيسية التي تمر بالبحر الأحمر إلى آسيا وأفريقيا إذ أنها تقع خارج مضيق هرمز المزدحم بالحركة والمعرض للتأثر عندما تزيد التوترات الإقليمية. غير أن الشكوك تكتنف جانبا مهما من هذه الرؤية. فقد كان من المقرر ربط المنطقة الاقتصادية بدول خليجية عربية أخرى من خلال خط للسكك الحديدية بطول 2100 كيلومتر على أن يكتمل بحلول عام 2018 بما يسمح للميناء باستقبال واردات للمنطقة بأسرها ونقلها شمالا حتى الكويت. ودفعت ضغوط الميزانية الحكومة إلى تأجيل المشروع لأجل غير مسمى ويقول المسئولون العمانيون: إنهم قد يركزون بدلا من ذلك على بناء خط محلي للسكك الحديدية.