الرجل، أي رجل إلا القليل، يميل دومًا إلى الاستشهاد بأقوال أمه، وبما كانت تحاول أن تغرسه فيه من مبادئ، وقيم، وأخلاق؛ «أمي قالت لي»؛ «أمي علمتني»؛ «أمي نصحتني».. يؤكد ذلك الموروث الشعبي «ابن أمه»، وهو- بالمناسبة- مصطلح غير مهين- كما قد يتصور البعض- بل يضع الأم على القمة، ويدل دلالة واضحة على الدور الذي تلعبه في تكوين وتحديد شخصية ابنها. رائد علم التحليل النفسي، سيجموند فرويد، استخدم مصطلح «عقدة أوديب»؛ ليدل على المشاعر، والأفكار، والأحاسيس الجنسية التي تبقى مكبوتة في العقل الباطن للطفل تجاه أمه، وتشكل وجدانه، وترسم- بشكل كبير- ملامح شخصيته، وتصبح ملازمة له طوال حياته.
«قُلْ لي ما علاقتك بأمك أقل لك مَنْ أنت».. لذا يربط بعض علماء النفس بين أفكار الرجل؛ خفيرًا، أو وزيرًا، أو حتى رئيسًا، وما يتخذ من قرارات وبين علاقته بوالدته .. الأمر الذي يفسر استشهاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بأقوال والدته، والإشارة إلى تأثيرها في حياته، في أكثر من مناسبة. وفي السطور التالية سنعرض أبرز المبادئ، والأفكار، والنصائح، التي كانت تقدمها أمهات رؤساء مصر لأبنائهن، أو أبرز المطالب التي طلبوها منهم بعد أن تحملوا المسئولية. أم السيسي خلال لقائه مع ممثلي المجتمع وبعض النواب والإعلاميين، أمس الأربعاء، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، ردًا على تسليمه جزيرتي «تيران وصنافير» إلى السعودية: «أمي قالت لي متطمعش في اللي في إيد الناس، حتى ولو كان اللي في إيده ده والدك، ودايمًا اطمع في اللي بيدي للناس»، وكررها ثانية بعبارات أخرى قائلًا: «أمي قالت لي اوعى تبص للي في إيد الناس ولا تاخده أبدًا، اللي بيعطى الناس هيعطيك». ورغم اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية من استشهاد الرئيس بأقوال والدته في قضية مصيرية كتلك، إلا أنها كشفت بوضوح عن تأثير والدته في تكوينه، وفي شخصيته، وأيضًا في قراراته. «السيسي» أكثر رؤساء مصر تحدثًا عن والدته «سعاد إبراهيم محمد»، التي توفيت في 18 أغسطس الماضي.. فقبل ذلك قال عنها في أحد حواراته التليفزيونية: «أنا كنت محظوظ بأمي أوي لأنها كانت شديدة الحكمة والإيمان بالله، وعلمتني التجرد، بمعنى الحكم بدون هوى إلى حد كبير، ولما تعلمته حكمت على ممارستها بتجرد فزاد حبي وتقديري لها». وخلال ترشحه للانتخابات الرئاسية السابقة، والتي فاز بها، قال السيسي عن والدته، في أحد لقاءاته على قناة القاهرة والناس: «لم أجد منها إساءة لأحد أبدا، وكانت دايما تعطي العذر للناس، وعمرها ما سألتني إنت ما جتش ليه وإحنا في بيت واحد، ودي قيمة إننا نستوعب بعض». وأكد أنه سيعرف نتيجة الانتخابات في بيت والدته. أم مرسي لم يتطرق الرئيس الأسبق محمد مرسي إلى الحديث عن والدته «منيرة عبد الدايم حسن حسين»، في أي مناسبة، وربما كان ذلك عائدًا إلى طبيعة بعض أهل الريف، الذين يعتبرون ذكر اسم المرأة، سواء كانت أمًا، أو زوجة، وتأثيرها فيهم «عيبًا». لذا لم يعلم كثير من الناس شيئًا عن والدة «مرسي» إلا عندما ماتت في العام 2010، ودفنت بمسقط رأسها بمركز ههيا بالشرقية، وسار في جنازتها عدد من قيادات مكتب إرشاد جماعة الإخوان، التي كانت محظورة آنذاك. أم مبارك الذي يعرفه الناس عن الرئيس الأسبق حسني مبارك أنه- وكما كُتب عنه- كان نموذجًا للابن العاق بوالديه، والجاحد لفضلها، و«المستعر» من أبيه، ومن أمه «نعيمة إبراهيم» التي توفيت في 22 نوفمبر 1978، وقت أن كان مبارك نائبًا للرئيس السادات، وأقام مبارك ليلة عزاء لوالدته، ثم تلقى العزاء تلغرافيًّا على قصر عابدين حيث كان يعمل.. مستدلين على هذا الجحود والعقوق بأنه لم يتحدث عنها أبدا، ولا يوجد سطر واحد في أي خطبة، أو أي لقاء رسمي، أو أي حديث ودي معه. لكن وللتاريخ لا يمكن التسليم بصحة اتهام مبارك بعقوق والديه؛ خاصة أن معظم ما كُتب عن الرئيس الأسبق وعائلته جاء بعد تركه للسلطة عقب ثورة يناير 2011.. كما أن القريب من شخص مبارك يدرك أنه «كتوم» جدًا، و«بخيل» في مشاعره، ولا يجيد ترجمتها إلى أفعال.. وإذا كان البعض يستدل بأن مبارك بمجرد أن التحق بالكلية الجوية لم يعد يتردد على والديه إلا كل ثلاثة أشهر ولساعات معدودات، فمردود عليه بأن كثيرًا من الناس، وخاصة زملائنا في الصعيد، لا يترددون على أهاليهم إلا كل بضع سنوات، ولم يحسبه أحد عقوقًا بالوالدين. أم الرئيس المؤمن ما قاله محمد حسنين هيكل عن والدة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، في كتابه «خريف الغضب»، وسار خلفه عدد من الكتاب، يمكن التشكيك فيه بسهولة؛ لأن الأستاذ تخلى عن حياديته، ومهنيته، وراح يطعن في السادات بعد رحيله، وكأنه أراد الانتقام منه؛ لاستبعاده من دائرة الرئاسة ومراكز صنع القرار.. وذكر في كتابه سابق الذكر أن «ست البرين»- والدة السادات ذات الأصول السودانية- كانت من العبيد؛ لأنها كانت- وكما ادعى هيكل- «ابنة رجل يسمى خير الله، وقع في أسر العبودية، وساقه أحد تجار العبيد إلى القاهرة، وحينما ألغى نظام العبودية في مصر تم عتق خير الله، وحصل على حريته»، ويزعم هيكل أن هذه القصة، والبشرة السوداء التي ورثها السادات عن أمه أثرت في شخصيته، وهي أمور تم الرد عليها. وما يدحض ما قاله هيكل عن «عقدة السادات»، دحضها الأخير بنفسه، إذ يكاد يكون هو الرئيس الوحيد الذي التقطت له عدة صور فوتوغرافية وهو مع والدته في عدة مناسبات. لكن ما لم ينتبه إليه كثيرون أن والدة السادات كانت متدينة جدًا بالفطرة، شأنها شأن أمهاتنا اللائي رزقهن الله- عز وجل- «إيمان العَوام».. وما يدل على ذلك أنها كانت سببًا في إذاعة «الآذان» في التليفزيون، والإذاعات المصرية والعربية. وقد حكى السادات أنه كان في زيارة لوالدته، وسألها: «مش عاوزة حاجة مني يا أمي قبل ما امشي؟».. فقالت له: «ياريت يا ابني تذيع الآذان في الراديو والتليفزيون، عشان كل ما يجي وقت الصلاة، ماعرفش وقت الآذان عشان أصلي الفرض». واتصل الرئيس «المؤمن» على الفور بتماضر توفيق، رئيس التليفزيون وقتذاك، وطلب منها أن تذيع الآذان، وقطع أي برنامج أو مباراة، عند حلول وقت الصلاة.. وسرعان ما تم تطبيق الفكرة في الإذاعة، وعلى نفس المنهج سارت الإذاعات العربية. أم عبد الناصر للأسف الشديد، هناك ندرة في المعلومات حول طبيعة علاقة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بوالدته «فهيمة حماد»، وكيف أثرت في تكوينه، وفي شخصيته.. وهنا سنعتمد على ما قاله هيكل عن طبيعة هذه العلاقة التي وصفها بأنها كانت قوية جدًا، ودائمًا ما كان ناصر يتحدث عنها، وفي كل مرة كان يذكرها فيها كانت عيناه تتملئ بالدموع. لكن هيكل كان يسهب في الوصف والسرد، دون أن ينقل لنا أهم نصائح السيدة فهيمة لابنها جمال، وهل لعبت دورًا مهمًا في تغيير مجرى حياة ابنها؟ وهل وهل وهل؟ أم محمد نجيب لم تتوافر معلومات حول والدة أول رئيس لمصر محمد نجيب، وكل ما هو متوفر عنها أنها لأب مصري وأم مصرية، سودانية الأصل والمنشأ اسمها زهرة محمد عثمان، سليلة أسرة عسكرية اشتهرت بالشجاعة والإقدام، فقد استشهد والدها «الأميرالاي» العميد محمد عثمان، ضابط مصري تعيش أسرته في أم درمان في إحدى المعارك ضد الثورة المهدية، حيث كان قائدا لحامية بوابة المسلمين بالسودان، ومعه 3 من إخوته الضباط في الجيش المصري بالسودان، أثناء الدفاع عن الخرطوم ضد قوات المهدي عام 1885، وفقا لموقع «الرئيس محمد نجيب»، ولم يذكر الموقع أية معلومات أخرى عنها.