الصحافة دخلت مصر لأول مرة مع الحملة الفرنسية.. ومصطفى كامل وعلى يوسف من روادها الأوائل الصحافة كانت مهنة محفوفة بالمخاطر قبل الثورة الإنجليزية.. وكافة الصحف تخضع للرقابة قبل النشر كانت الصحافة منذ القدم تؤدى نفس الدور الحالى المرتبط بنشر المعلومات مع اختلافها عن الشكل الذي نراه في الوقت الراهن لذا مرت بمراحل تطور عدة، ويعود تاريخها إلى زمن البابليين حيث استخدموا كاتبا لتسجيل أهم الأحداث اليومية لإطلاع الناس عليها. وهكذا فعلت الإمبراطوريتين الصينية والرومانية. وفى عصر الرومان ظلت المنشورات غير الدورية المكتوبة بخط اليد توزع في أوروبا الغربية، وتحوى العديد من الأخبار الحربية والسياسية والمواضيع العامة، كما كانت تحتوى على إعلانات تجارية وتوزع في الأماكن العامة. في عام 1400، كان رجال الأعمال في المدن الإيطالية والألمانية يجمعون السجلات المكتوبة بخط اليد التي تحتوى على الأحداث المهمة، وكانوا ينقلونها بين العاملين معهم في محيط عملهم. وفى أوائل القرن السادس عشر وبعد اختراع الطباعة من قبل، يوهانس جوتنبيرج، في مدينة ما ينز بألمانيا ولدت صناعة الأخبار والتي كانت تضم معلومات عما يدور في الأوساط الرسمية، وكان هناك مجال حتى للإعلانات. وفى عام 1645 بدأ توزيع أولى الصحف المطبوعة وعندما أصبحت تلك الأخبار تطبع بصفة دورية، أمكن عندها التحدث عن الصحف الورقية بمعناها الحقيقى وكان ذلك في بدايات القرن السادس عشر. في القرنين السابع عشر والثامن عشر أخذت الصحافة الدورية بالانتشار في أوروبا وأمريكا وأصبح هناك من يمتهن الصحافة كمهنة يرتزق منها، وقد كانت الثورة الفرنسية حافزًا لظهور الصحافة الحديثة، كما كانت لندن مهدًا لذلك. سمح اختراع الطباعة بانتشار الصحف الورقية بشكل غير مسبوق، فقد أصبح صدور جريدة دورية ومتجددة أمرًا في متناول اليد. وبدأت المحاولات لطباعة المنشورات غير الدورية، تلتها المجلات الشهرية. أما أول صحيفة بالمعنى المفهوم اليوم فكانت صحيفة "رولاسيون" الأسبوعية وتعنى «علاقة» وتأسست في مدينة ستراسبورج الألمانية عام 1605. وفى عام 1702 مع تعاظم غريزة المعرفة والإطلاع ظهرت في لندن صحيفة الديلى كوران Daily Courant أولى الصحف اليومية في العالم، أما صحيفة التايمز Times فقد أسست في عام 1788 أنشأها هنرى جارفيس ريموند وجورج جونز، وكانت تصدر في أربع صفحات، وتقع مكاتبها في دور علوى لا نوافذ له، وتعتمد على الشموع في الإضاءة، وذلك بمقرها في مانهاتن بمدينة نيويورك. وفى عام 1805 ظهرت صحيفة الكوريية Courier، وفى عام 1814 استخدمت آلات الطباعة البخارية لطباعة صحيفة التايمز اللندنية. وأنجبت الصحافة في النصف الأول من القرن الثامن عشر العديد من الصحفيين البارزين الذين اعتبروا من رواد الصحافة في العالم مثل دانييل ديفو وجوناثان سويفت وجوزيف أديسون وريتشارد ستيل وهنرى فيلدنغ وصمويل جونسون. وقد قام هؤلاء الرجال بتحرير الصحف أو كتابة المقالات للصحف المشهورة في وقت ما أو آخر. على الرغم من أن المادة التي كانوا يقدمونها كانت الصحافة مهنة محفوفة بالمخاطر قبل الثورة الإنجليزية، ومن بين ضحايا الصحافة الناشر بنيامين هاريس، والذي أدين بتهمة التشهير بسلطة الملك، ومع عجزه عن دفع الغرامة الكبيرة التي فرضت عليه، تم وضعه في السجن، وفى النهاية تمكن من الهجرة إلى أمريكا، حيث أسس واحدة من أوائل الصحف هناك. بحلول أوائل القرن التاسع عشر، كانت هناك 52 صحيفة في لندن وأكثر من 100 من المطبوعات الأخرى. وفى عامى 1802 و1815، ازدادت الضرائب على الصحف إلى ثلاثة بنسات ثم إلى أربعة. وعلى الرغم من عدم قدرتها أو عدم رغبتها في دفع هذه الرسوم، فإن المئات من الصحف غير الخاضعة للضريبة ظهرت في الفترة بين عامى 1831 و1835. شهد مطلع القرن العشرين صعود صحافة "التابلويد" التي تستهدف الطبقة العاملة وتميل إلى التأكيد على الموضوعات المثيرة. كان ألفريد هارمسورث أو لورد نورثكليف من أوائل رواد هذا النمط في عام 1896. تأسست أول صحيفة في فرنسا وهى صحيفة (جازيت دى فرانس) عام 1632 على يد طبيب الملك ثيوفراستوس (1586-1653)، تحت رعاية لويس الثالث عشر. وكانت جميع الصحف تخضع للرقابة قبل النشر ووسيلة للدعاية للملكية. ويعتبر جان لوريت واحدًا من أوائل الصحفيين الفرنسيين. وقد قام بنشر الأخبار الأسبوعية للمجتمع الباريسى منذ 1650 حتى 1665 في نظم فني. وفى ألمانيا عرفت الدوريات ذات الطابع الوطني، والتي عانت من الرقابة وتسلطها كما انتشرت فيها صحافة الإعلانات، ولذا تخلفت الصحافة الألمانية حتى منح لها الملك "جوزيف الثاني" الحرية عام 1781م فازدهرت، ثم عادت للتراجع مع عودة الرقابة وزيادة الضرائب. بدأت الصحافة العربية مع حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798 وارتبطت معرفة مصر بالصحافة من خلال الحملة الفرنسية عبر صحيفتين أصدرتهما الحملة باللغة الفرنسية، الصحيفة الأولى: كانت صحيفة عسكرية صدرت باسم "كورييه دى ليجيبت" وأصدرتها الحملة بعد شهر واحد من دخولها مصر، وكانت تزود الجنود بالأخبار عن مصر وأقاليمها وتربط بينهم وبين قياداتهم، أما الصحيفة الثانية: وكانت صحيفة علمية صدرت باسم "لاديكاد اجيبسيان" وصدرت في أكتوبر من نفس العام وكانت تهتم بدراسة مصر من الناحية العلمية والثقافية والأدبية. أقامت الحملة الفرنسية ديوانًا للقضايا يرفع إليه ما يقع بين المصريين من أحداث يتم نشرها بعد ذلك في صحيفة اختاروا لها اسم «التنبيه» وكانت أول صحيفة تصدر في الوطن العربى عام 1800. وقد تولى أمرها شيخ من خريجى الأزهر الشريف هو الشيخ إسماعيل الخشاب الذي استعان به الفرنسيون حتى خرجت الحملة الفرنسية وتوقفت صحيفة «التنبيه». صدر قانون الصحافة عام 1881. وقبل هذا التاريخ لم تكن مصر تملك تشريعًا خاصًا بها، باعتبارها جزءا من السلطنة العثمانية كانت خاضعة للقوانين السائدة في الإمبراطورية. وتبعًا لهذا القانون، لم تكن الطباعة حرة، فلم تلغ الالتزامات التي كانت ترد في القانون العثمانى بحيث بقى فتح المطبعة أو نشر الجريدة خاضعًا لإذن إدارى مسبق، وإلى كفالة مرتفعة تتراوح بين 50 و100 ليرة مصرية. كان دخول المطبعة في خدمة الصحافة مع الحملة الفرنسية حدثًا حضاريًا، وكان ظهور «التنبيه» نقلة في عالم المعرفة. ولم تصدر في مصر صحيفة أخرى إلا عام 1827 وهو تاريخ البداية الفعلية للصحافة الورقية في مصر وذلك في عهد "محمد على" والى مصر عندما أصدر أمرا بإصدار "جرنال الخديو". وقد كان في الواقع يهدف إلى إصدار نشرة خاصة ليطلع على شئون البلاد وماليتها. ولكنه لم يلبث أن لمس حاجة الشعب للإطلاع على أعمال الحكومة، فأمر بتوسيع نطاق "جرنال الخديو" الذي تحوّل إلى صحيفة "الوقائع المصرية" اعتبارًا من عام 1828. كانت صحيفة "الوقائع المصرية" توزع على من يسدد الاشتراك من موظفى الحكومة. وتلا ذلك ظهور "الجريدة العسكرية" عام 1833. وتعتبر صحف تلك الفترة بمثابة نشرات رسمية حيث وُلدت صحافة مصر في كنف الحكام ونمت بسلطانهم وخضعت لتوجيهاتهم إلى أن ظهرت الصحافة الشعبية في عهد سعيد باشا (1854- 1863) الذي سعى إلى التقرب من قلوب المصريين عندما باعدت سياسته وتصرفاته بينه وبين السلطان، بعدما كان هذا الأخير قد أوفد السلطان إلى مصر "إسكندر شلهوب" ليصدر صحيفة "السلطنة" عام 1857 من أجل لفت أنظار المصريين إلى الباب العالي. وعن طريق «الوقائع المصرية» عرف الشعب المصرى الصحافة العصرية، وساعد الشيخ رفاعة الطهطاوى على تحويلها من جريدة رسمية جامدة إلى صحيفة تنشر الأبحاث والمجادلات والمقالات المترجمة. وشهدت سنة 1877 الحرب التركية الروسية التي كان لها أثر في تطور الصحافة المصرية، بحيث عمدت إلى سرد أحداث الحرب وإلى الخوض في الأمور السياسية. ثم كان تشجيع "جمال الدين الأفغاني" لتلاميذه على احتراف الصحافة، وكان من بينهم "أديب إسحق" و"يعقوب صنوع". فأصدر الأول جريدة "مصر" سنة 1877 وجريدة "التجارة" بالإسكندرية سنة 1879. وأصدر الثانى جريدة "أبو نظارة زرقاء" سنة 1877. وعندما تولى الخديو "توفيق" السلطة، واجهت الصحافة المصرية نكسة تمثلت في رفضه للإصلاحات الدستورية، رغمًا أنه كان من مؤيديها، وبالأخص عندما أمر بنفى "جمال الدين الأفغاني"، وبدأ ما أطلق عليه البعض بعهد إرهاب الصحف. فأُغلقت "مصر الفتاة" و"مصر" و"التجارة"، وهرب "يعقوب صنوع" من مصر. وتحولت جريدة "الوقائع المصرية" إلى جريدة رأى في أوائل القرن العشرين بدأت الصحافة تتسع دائرتها، وتتقدم بفضل النهضة الصحفية التي أحدثها "مصطفى كامل" في "اللواء" و"على يوسف" في "المؤيد" وفى "الأهرام" أصدرت ملحقًا مجانيًا وأرسلت مراسلين إلى الخارج.