سالم الرفاعى: الحضانات ما هي إلا مأوى للأطفال لحين عودة الأهالي ليس إلا.. ومن الخطأ التعامل معها كونها مكانًا تأسيسيًا البيت هادئ.. تضغط الأم سناء على ابنتها صاحبة السنوات الثلاث كى تستيقظ حتى يبدأ يومها.. «دربكة» البيت صباحًا دليل على يوم جديد يبدأ ب«المشوار» للأم لتوصيل الابنة إلى باب الحضانة داعية من الله أن يمن عليها بالذكاء حتى تتقلد أعلى مناصب العلم، قبل أن تعود إلى البيت وهى مطمئنة لما تفعله. «سناء» لم تقرأ يومًا دراسات علم النفس المختصة بالأطفال والتي تقول إن 90% من شخصية أي طفل تتكون في السبع سنوات الأولى من حياته، ولم تعرف شيئًا عن الحكيم الصينى كونفشيوس القائل «مراعاة الأولاد في السنوات الأولى مهمة». الواقع يشير إلى أن «سناء» ومن قبلها الدولة لا تعترف بكونفشيوش ولا تلقى بالًا بما توصلت إليه دراسات علم النفس المتعلقة بالطفولة وطرق التربية، ولا يهمها أن تكون مصر «أد الدنيا». وفقًا للأرقام الرسمية من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فإن عدد الأطفال الأقل من 18 عامًا 32 مليون طفل، نصفهم أقل من 6 سنوات وهى السن التي يذهب فيها الطفل عادة إلى الحضانة ليتلقى أول دروسه التعليمية، من المسئول عن تلك الدروس؟ ما هي شروط افتتاح حضانة؟ كيف يتم استغلال تلك المدارس الصغيرة لتمرير أفكار بعينها؟ جميعها أسئلة لم تقدم الدولة إجابة واحدة لها، وإن كانت إجابة تفتقر إلى الصدق. بمنطقة «الملئة» الواقعة في «أبو النمرس».. بين جدران مبنى متهالك يوجد مقر حضانة «المصطفى» التي تتولى الإشراف عليها وزارة التضامن الاجتماعي، فوفقًا لأحكام قانون الطفل رقم 12 لعام 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لعام 2008 الذي نص على أن الحضانات التي تقبل أطفال حتى أربع سنوات تكون مسئولية التضامن، أما بعد ذلك فتخضع لوزارة التربية والتعليم التي تشرف أيضًا على أي حضانة تابعة للمدارس سواء حتى الأربع سنوات أو بعدها. بلغة غلب عليها الفخر أكدت مديرة الحضانة أن سعر الاشتراك بها لكل طفل لا يتعدى الخمسين جنيهًا وأن كل المدرسين العاملين بالحضانة من خريجى جامعات –معظمهم ليس من كليات تربوية- أما عن المناهج التي لم ينص القانون عن المسئول عن وضعها فتعتمد مديرة «المصطفى» على دور نشر تثق بهم في هذا المجال. أما عن النظام بداخلها فهى مقسمة إلى ثلاثة أقسام يبدأ أولها من الطفل الرضيع حتى العامين ونصف العام، على أن تبدأ المرحلة الثانية بداية من الثلاث سنوات حتى ال4 وأخيرًا ما قبل الالتحاق بالمدرسة. على النقيض من حضانة المصطفى قال خالد الشايب، مدير حضانة «جينيوز كيدز» التي يصل سعر الاشتراك فيها 650 جنيهًا إن المناهج الخاصة بالأطفال يتم وضعها اقتباسيًا من المناهج الأمريكية، وذلك من خلال خبراء يتم الاستعانة بهم بشكل فردي، الأمر ذاته أكدته موظفة في وحدة الشئون الاجتماعية رفضت ذكر اسمها من أنه لا جهة معينة لوضع المناهج. «طلب إلى وزارة التضامن الاجتماعى يتضمن توافر الشروط اللازمة للحصول على ترخيص بإقامة حضانة، وهى عبارة عن وجود المكان المخصص للأطفال ومساحة كبيرة – تقدر بمعرفة المشرفين - لإقامة ساحة للألعاب الرياضية وتوافر اللوحات الإرشادية ليأتى بعدها الموافقة» هذا ما أوضحه مدير حضانة «جينيوس كيدز»، مضيفًا أن بعد التفتيش والتأكد من كل الشروط يتم الحصول على الرخصة. الأرقام تشير إلى أن الأمر لا يسير بتلك السهولة فمن أصل 11 ألفا و900 حضانة هي العدد الكلى لحضانات مصر فإن 40% منها غير مرخصة، وحسب إحصاءات حصلت عليها «فيتو» من وزارة التضامن الاجتماعى في بعض المحافظات فإنه من أصل 500 حضانة فإن 120 حضانة فقط هي المرخصة في محافظة الأقصر، أما في الشرقية فهناك أكثر من 422 حضانة تعمل دون ترخيص، والأمر ذاته متكرر في بقية محافظات الجمهورية وإن كان بنسب متفاوتة. أما عن كيفية قبول الأطفال، قال «الشايب»: يتم اختبار للأطفال عند التقدم للالتحاق بالحضانة، في إشارة إلى أن كثافة الفصل لا تتجاوز 10 طلاب، فضلًا عن إرسال تقرير يومى بكل ما تم للطفل من عمليات ترفيهية وتعليمية لأولياء أمورهم، مع الأخذ في الاعتبار أن الفترة الدراسية بالحضانة تعادل فترة الحضانة التي قبل دخول المدرسة. انتقلنا من أصحاب «دور الحضانة» إلى الخبراء في محاولة منا للتوصل إلى رؤية متكاملة لواقع تعليم «ما قبل المدرسة»، غير أن الأمر لم يكن مبشرا كما هو الحال مع مديرى الحضانات، فها هو الخبير التربوي، كمال مغيث، الباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية يحذر من تلك الحضانات التي لا يشرف عليها أحد، معتبرًا إياها جهات لتدمير الأطفال، خاصة أن الدولة غير مسئولة عنهم تربويًا وهو ما يجعلهم عرضة لكل الأفكار التي نخشاها، لافتًا إلى أن هناك دور نشر اتخذت من تلك المناهج سبوبة لها. الطفل في الأساس، وفقا ل«مغيث» لا يستطيع الاستجابة الكاملة للقراءة والكتابة إلا بعد خمس سنوات وما قبلها يكون الأمر بلا قيمة لكنه ضحية أبويه. مأوى للأطفال وفى هذا السياق، أوضح سالم الرفاعي، الخبير التربوي، أن تلك الحضانات ما هي إلا مأوى للأطفال لحين عودة الأهالي ليس إلا، ولا يمكن التعامل معها كونها مكانا تأسيسيا وتربويا، مشيرًا إلى أنه من المفترض يقوم بعملية التدريس للأطفال بها متخصصون ورياض أطفال، في إشارة إلى أن الترخيص لم يعد الضمان. وأكد «الرفاعي»، التأثير السلبى الناتج من تلك الحضانات على عقول الأطفال، مُحملًا المسئولية التامة على الآباء، قائلًا: «لكن ربما العامل الاقتصادى هو الذي يفرض على أولياء الأمور ترك الأولاد بهذا الشكل دون التيقن من تنشئة الطفل تنشئة سليمة بها»، في إشارة إلى أن مرحلة الطفولة بتدخل بشكل مباشر في بناء الشخصية، مؤكدًا ضرورة وجود مناهج متخصصة للأطفال، فضلًا عن ضرورة توافر متابعات طبية لهم.