«التعليم أساس تنمية الشعوب، يدفع الإنسان من قاع التخلف إلى سماء المجد.. هو البصر والبصيرة، بدون التعليم لا حياة ولا إعمار فى الأرض، وملف التعليم فى مصر من أخطر الملفات الشائكة.. التى يعانى منها كل المصريين على مختلف فئاتهم.. فمشاكل التعليم متراكمة ومتزايدة منذ رياض الأطفال، مروراً بمراحل التعليم الأساسى، وصولاً إلى الجامعات.. نفي كل مرحلة من مراحل هذا التعليم.. تعانى الأسرة المصرية، ويعاني أيضاً أبناؤنا من التلاميذ والطلاب.. لأن المدارس منذ رياض الأطفال تحولت إلي فوضى.. لا تربية فيها ولا تعليم.. ناهيك عن وسائل التعليم المتخلفة التى تحتاج إلى تطوير وأساليب المعلمين التي تعتمد على العنف والتلقين.. بجانب التكاليف الباهظة في المدارس والجامعات الخاصة التي جعلت من المؤسسات التربوية أسرع وسيلة للربح السريع. والنتيجة أن أبناءنا يتحرجون من المدارس والجامعات وليس في عقارهم أي شيء مما تعلموه أو «حفظوه».. المنظومة كلها تحتاج إلى تصويب وتعديل.. و«الوفد» تفتح الملف بدءاً من دور الحضانة وحتى الجامعات.. ونبدأ بالفصل الأول «الحضانات». الحضانات أو رياض الأطفال هي البداية والخطوة الأولى لتعلم الأطفال وإكسابهم المهارات، فهي مرحلة التأسيس المهم لأولادنا فى نعومة أظافرهم لتنمية قدراتهم وأفكارهم وتنشئتهم علي السلوك القويم والمهارات التي تظل في أذهانهم مدى الحياة.. لذا تحرص البلدان المتقدمة علي تنمية عقول هؤلاء الصغار فى تلك المرحلة لما لها من أهمية.. أما فى مصر فيتم تجاهل وإهمال هذه المرحلة المهمة من تعليم الأطفال، ونتغاضى عن تنمية القدرات العقلية للبراعم الصغيرة، فنجد الحضانات العشوائية تنتشر في كل مكان، دون الالتزام بالناحية التربوية لتعليم الأطفال، مما يؤدى إلى نشوء أجيال جديدة مصابة بعقد وأمراض نفسية تؤدى في المستقبل إلى تدمير ما حولها، في ظل غياب الدور الرقابى من قبل وزارة التضامن التى لم تعد تتحرك إلا بعد وقوع كارثة، لتظل الأفكار الملوثة تملأ عقول أطفالنا بجانب تلقين النشء السلوكيات المرفوضة العنيفة بل ووقع اعتداءات أخلاقية وعمليات اغتصاب للأطفال، وهو ما يتكشف يوماً وآخر دون عقاب رادع للمجرمين في حق زهور مصر الخضراء. والمفترض دور الحضانة هي البيت الثانى للطفل يتلقى فيها الأطفال جميع السلوكيات والقيم التي تظل معهم حتى الكبر، لكن في السنوات الأخيرة انتشرت حالة من الفساد الأخلاقى بالعديد من دور الحضانات بجانب اعتماد هذه الحضانات على أساليب قاسية لتعليم الأطفال الكتابة والقراءة في سن صغيرة، وهو ما ثبت خطورته علمياً، حيث أكدت الدراسات والأبحاث أن إمساك الأطفال في سن ثلاث سنوات وحتي الخامسة من العمر، يؤثر سلباً على مستوى تحصيل الأطفال وعلى أدائهم العصبى والعقلى، في الوقت الذي تعتمد فيه الدول المتقدمة علي وسائل تعليمية متقدمة لتعليم الأطفال في رياض الأطفال دون الحاجة إلى الورقة والقلم، بل عن طريق الألعاب ومواد التسلية والترفيه والصورة والصوت، بينما في مصر تدمر شخصية الطفل في دور الحضانة نفسياً وأخلاقياً ودينياً.. وتصدر إلى مراحل التعليم المختلفة أطفالاً غير أسوياء. والكارثة الأكبر تكمن في دور الحضانة العشوائية التي انتشرت في مصر كالسرطان. إذا كان لدي أى إنسان الرغبة فى مشروع مربح، ولا يمتلك سوي القليل من المال، لن يكون أمامه سوي إنشاء حضانة للأطفال في أي حي شعبى، ولن يحتاج الأمر سوى وجود غرفتين أو أكثر فى أي منطقة سكنية مكتظة بالسكان دون أى مشقة أو حتى الحاجة للحصول على ترخيص، فهذا المشروع المربح أصبح مصدر رزق متعارف عليه للعديد من الأسر بالمناطق العشوائية بغض النظر عن كونهم مؤهلين أو غير مؤهلين، وصاحب الحضانة كما قلنا لا يحتاج إلا لغرفتين وبضعة مقاعد لجلوس الأطفال، و«سبورة» صغيرة، مع القليل من الألعاب البسيطة إذا توافرت، ومن هنا انطلقت مشاريع دور الحضانات في كل مكان دون الاهتمام بالحصول على تراخيص إنشائها التي يرى الكثيرون منهم أنها معقدة وتحتاج لوقت وجهد كبير يمكنهم الاستغناء عنه، هذا فضلاً عن إغفال وزارة التضامن لدورها الرقابى علي تلك الدور، فانتشرت مؤخراً هذه النوعية غير الرسمية من الحضانات المخالفة، والتي تفتقر لأبسط وسائل الأمان، فضلاً عن عدم اهتمام أصحابها باختيار المدرسين المؤهلين تربوياً للتدريس، مما يجعل معظمهم يستخدم الضرب والألفاظ النابية كأسلوب تربوى أو عقابى للأطفال الصغار، مما يؤثر سلباً على سلوكياتهم وعلى قيمهم الاجتماعية التي يجب أن يتم غرسها فى عقولهم منذ الصغر. «الوفد» خاضت جولة في العديد من المناطق الشعبية حين تم رصد انتشار دور الحضانات العشوائية في كل مكان، بل المثير أن البعض حول المحلات التجارية الصغيرة إلى حضانات، وآخرون اعتمدوا على إقامتها في شقق إيجار جديد، وبسؤال عدد من أصحاب هذه الحضانات اكتشفنا أن أغلبهم تابع للجمعيات الأهلية وأنهم يزاولون فتح وإدارة الحضانة بالاعتماد على تصريح الجمعية الأهلية والخطير في الأمر اكتشافنا أن أغلب هذه الحضانات يقف وراءها أصحاب فكر دينى متشدد وهم يعتمدون في إدارة وتعليم الأطفال علي قاعدة تدريس تعرف لديهم باسم نور البيان وتعني التدريس بالطريقة الإسلامية، والاهتمام بحفظ القرآن والأحاديث مع تعليم الصغار الحروف الأبجدية وغيرها، وبالطبع ملاك تلك الدور من أصحاب الفكر المتشدد.. بعضهم ينتمي للإخوان أو السلفيين، أما باقى الحضانات فتقوم بالتدريس بطرق عشوائية وكل منهم يتبع طرق مختلفة مع الأطفال، ويختلف الأسلوب بين ديني متشدد أو عشوائى، لكن تتفق الحضانات فى الأماكن التي تقام فيها هذا المشروع، فهى لا تليق بصحة الأطفال البدنية أو النفسية، فهناك حضانات تستخدم «الدكة» وهي لمن لا يعرفها مجرد صندوق خشبى عليه سجادة بدلاً من المقاعد لجلوس الأطفال، وآخرون لا يكلفون أنفسهم حتي بهذه الدكة، بل يتركون الأطفال يجلسون على الأرض وكل حسب مقدرته.
تسعيرة حسب المكان وتختلف الأسعار أو تكلفة إلحاق الطفل بأي دار حضانة حسب المكان ومستوي الحضانة، وحسب إمكانيات كل دار، فهناك حضانات ذات المستوي الردىء التي تبدأ فيها الأسعار من 30 جنيهاً في الشهر، وتعمل منذ السابعة والنصف صباحاً حتى 12 ظهراً، وأخرى تبدأ فيها الأسعار من 60 جنيهاً شهرياً، أما الأفضل حالاً فتصل فيها الأسعار إلى 200 جنيه شهرياً للطفل الواحد، ويستمر العمل فيها حتي الرابعة عصراً، وهي بالطبع للميسورين من الطبقة المتوسطة أو ما فوقها، هكذا انتشر دور الحضانات مع اختلاف أساليب التعليم بها وأسعارها وإمكانياتها، إلا أن النتيجة في النهاية واحدة وهي تصدير جيل يشكل قنابل موقوتة في كل مكان، يدمر المجتمع من حوله. وقد حاولت «الوفد» أكثر من مرة الاستفسار عن هذه الكارثة من وزارة التضامن للتعرف على كيفية التصرف مع المخالفين، لكننا لم نجد منهم أي رد فعل أو اهتمام للتوضيح، وكان اعتذارهم المتكرر بأنهم مشغولون باحتفالات عيد الأم، رغم انتهاء هذه الاحتفالات منذ أيام.. لكن يبدو أن الأمر لا يعنيهم كثيراً. شروط بلا التزام أما عن شروط استخراج تراخيص الحضانات فتتمثل ضرورة الحصول على تصريح من وزارة التضامن، وهيئة الدفاع المدنى، واستخراج شهادة هندسية تؤكد سلامة المبنى ومطابقته للشروط البيئية، كما يجب ألا تقل مساحة المكان المخصص لإقامة الحضانة عن 150 متراً، ومن ضمن تلك الشروط ضرورة حصول المالك على مؤهل تربوى عال، فضلاً عن وجود إخصائية نفسية وطبيب أطفال، هذا فضلاً عن ضرورة التوجه للحى التابع له المكان المخصص لإنشاء الدار، والحصول على خطاب تحويل للهيئة العامة للأبنية التي تتولى معاينة الموقع، للتأكد من ملاءمته للمشروع، وفى حالة الموافقة يتم إصدار تقرير بمطابقة المكان للشروط اللازمة ومن هنا يتم الحصول على التراخيص لمزاولة النشاط، أما إذا كان الموقع غير ملائم فيتم رفض الأمر أو البحث عن مكان بديل لمزاولة المهنة. جرائم أخلاقية حوادث عديدة ومتكررة تحدث في دور الحضانات.. فبين وقت وآخر نسمع عن حادثة أخلاقية جديدة كاغتصاب الأطفال بحضانة بالمعادى في نهاية التسعينيات التي تعد الأبشع والأشهر، وبعدها توالت الحوادث الفردية هنا وهناك بعد أن سادت حالة الفوضى والعشوائية في ظل غياب الرقابة الفعلية من قبل وزارة التضامن التي اعتمدت علي غلق دور الحضانات بعد وقوع أي كارثة، أي على سياسة علاجية وليس وقائية، ففي نهاية العام الماضى تمكنت أجهزة الأمن من إلقاء القبض على مسئولى حضانة بمنطقة الخصوص، بعد أن قاموا بالتعدى جنسياً على الأطفال أثناء تواجدهم بالحضانة، وتلى تلك الواقعة حادث آخر أليم حيث لقى طفل رضيع مصرعه نتيجة للإهمال داخل إحدى الحضانات ببورسعيد، بعد أن تناول سائل التنظيف عن طريق الخطأ، ومنذ ما يقرب من ثلاثة أشهر تسببت إحدى المربيات بإحدى دور الحضانات بمنطقة فيصل بالجيزة في وفاة طفل بعد أن سكبت عليه الماء المغلى لتنظيفه. وسيلة للاستثمار يعلق على ذلك أيمن البيلى، الباحث فى شئون التعليم، إذ يؤكد أن هناك نوعين من الحضانات في مصر، الأول هو النوع الرسمى، والذي يكون ملحقاً بالمدارس ويسمى رياض الأطفال، وهذا النوع يخضع لرقابة منهجية تربوية علمية، سواء في التدريب علي السلوك والقيم، أو محو الأمية وتعليم الحروف الأبجدية، أما النوع الثانى فقد مر بمرحلتين، الأولى كانت في بدايات عام 1975 وحتى 1985، وكان الحضانات وقتها يسمح لها باستخراج التصاريح من وزارة الشئون الاجتماعية في نطاق ضيق ومحدود، مع التركيز على تحديد الأعمار التي سيتم قبولها، ابتداء من سن 4 سنوات، ثم بدأت المرحلة الثانية التي بدأت بإنشاء الحضانات العشوائية التي اهتم الإخوان بإنشائها في كل مكان للسيطرة على عقول الأطفال الصغار وغرس قيمهم، وشاركهم في ذلك الجماعات السلفية السنية، فظهرت تحت مسمي الجمعيات الأهلية، وجمعيات تحفيظ القرآن، تلك الحضانات، كانت تحصل علي موافقات من وزارة التضامن علي إنشاء الجمعيات وليس الحضانات، ثم أصبحت بعد ذلك وسيلة للاستثمار، مما يؤثر سلباً علي القيم التربوية التي يتعلمها الأطفال، خاصة أن الأطفال يتم تعليمهم في مراحل عمرية مبكرة دون الالتزام بالسن الملائم الذي يمكن من خلاله تعليم الطفل وهو سن ال4 سنوات. ويرى أيمن البلى أن هناك حضانات لا تتلاءم مع المنهج العلمي التربوى، فضلاً عن كونها عشوائية، ويعمل بها أشخاص غير متخصصين، مما يؤدى لانتشار حالة التشوه الفكرى لدي الجيل الجديد، كما أن هذه الحضانات غير خاضعة لأي رقابة ولا تمتلك أي نظام تربوى في التعامل مع الأطفال، أو قواعد سيكولوجية، بل يعتمد أصحابها علي توجيه الطفل نحو الاتجاه الدينى، وحفظ القرآن، لخلق شخصية دينية، مع الحرص على محو قدرتهم على الإبداع والتفكير، مما يؤدى في النهاية لمأزق كبير يتمثل في تلوث المنبع الفكرى. ومن هنا يجب علي وزارة التضامن وقف تراخيص الحضانات، وتفعيل الدور الرقابى علي جميع الجمعيات الأهلية التي يتسلل من خلالها البعض ويتخذونها ذريعة لإنشاء الحضانات، وعلي وزارة التعليم أن تتولى مسئولية الإشراف الكامل علي جميع الحضانات، لأنه من المفترض أن تكون هناك مؤسسة لها حق الإشراف التربوى والفكرى، حتي لا يضخ المنبع أفكاراً ملوثة ويخرج في النهاية جيل لا يفكر، بل يدمر كل خطط التنمية. تقديم المساعدة الدكتور قدرى حفنى، عميد معهد دراسات الطفولة الأسبق، يقول: عندما نرى ظاهرة تخدم أهدافاً معينة في المجتمع، فلابد أن نقدم لها يد العون، فتلك الحضانات العشوائية، تحتاج لحصر دقيق وعمل دراسات للقائمين عليها، حتي نساعدهم في تأهيل المدرسين الذين يعملون بها، حتي يعود بالنفع علي الأطفال الصغار، فلا يجب أن ننظر إليهم وكأنهم يعملون في الخفاء أو كأنهم مذنبون، بل يجب أن نساعدهم، حتي يصبحوا مؤهلين للقيام بهذا الدور التربوى المهم، فهناك قواعد لتعليم الصغار، أهمها الالتزام بسن 6 سنوات للبدء في تعليم الطفل، حتىِ تكون لديه قدرة كاملة علي الاستيعاب، لكن أغلب الحضانات تعتمد على بدء تعليم الطفل من سن 3 سنوات، وهذا الأمر يؤثر سلباً علي الأطفال، لذا ننصح بضرورة الانتباه، والحرص على تنمية ذكاء الأطفال في المراحل العمرية الصغيرة، والاعتماد على ممارسة الأنشطة وتنمية قدراتهم أولاً. الدكتور مكرم إسكندر، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، يقول: لا شك أن هناك العديد من الحضانات العشوائية التي تنتشر في كل مكان، فنسبة المصرح به ضئيلة جداً بالمقارنة بدور الحضانات الحاصلة علي تصريح مزاولة النشاط، لكن مع الأسف لا توجد رقابة فعلية من قبل المسئولين عن تلك الدور، فلا يتم المرور عليها، والإشراف الجاد على طبيعة عملها، مما يؤثر سلباً علي مستقبل الأطفال، فالعشوائية في إنشاء الحضانات، ينتج عنه تصرفات وسلوك عشوائى، حيث تنشأ أجيال عدوانية، نظراً لأنهم لم يتعلموا بطريقة تربوية، فالطفل في بداية مراحل عمره يحتاج لتأهيل نفسي وتربوى، ليتعرف علي القيم والسلوكيات التي من المفترض أن تؤثر على أخلاقه، وعندما نفتقد لهذا الأمر، فإننا سنخرج أجيالاً غير أسوياء، يتصرفون بطرق عشوائية فيدمرون المجتمع، ولا شك أن هذا الأمر يحتاج لمزيد من الاهتمام، خاصة بعد أن سادت العديد من الحوادث في الكثير من الأحياء الشعبية والمحافظات، والتي وقع ضحيتها أطفال أبرياء، والحل هو ضرورة تفعيل الرقابة، ومساعدة أصحاب تلك المشاريع علي الحصول على التراخيص مع المتابعة الدورية، وعدم المغالاة في الاشتراطات وتبسيط الإجراءات، حتى يتسنى لهم الحصول على التراخيص اللازمة لإقامة تلك الحضانات، مع ضرورة اختيار الكوادر المؤهلة لمزاولة مهنة التدريس والتعامل مع الأطفال.