«رأيتُ كُهانا بنوا أمجادهم بين العمالة والكذب ،ورأيتُ من جعلوا الخيانة قُدس أقداسِ العرب ، ورأيتُ تيجان الصفيح تفوق تيجان الذهب، ورأيتُ نور محمد يخبو أمام أبى لهب»،تلك كلمات الشاعر فاروق جويدة،والتى تلامس بقوة المشهد السياسى المصرى،المتوتر والمرتبك،حتى بعد انتخاب رئيس للبلاد..لماذا؟ لأن مصر،بطولها وعرضها،لا تزال مخترقة أمنيا ،ومنتهكة سياسيا،ومُهانة فى جميع الأوساط. مصر لم تنتخب رئيسا لجمع القمامة من الشوارع،ولكن لحفظ أمن حدودها ،وشعبها،الذى تحمل نحو عامين،انفلاتا أمنيا،راح ضحيته الكثيرون،ولا تزال قلوب ملايين المصريين تضطرب بقوة على وقعه. وقبل حسم جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية،وتنصيب «مرسى» رئيسا بفارق ضئيل،وسط تسريبات عن تدخلات خارجية لفرضه على حساب منافسه الفريق أحمد شفيق، تم الإعلان عن ضبط شحنات من الأسلحة الثقيلة ،ومن بينها:صواريخ عابرة للمدن. واكتنف هذه «الضبطيات»-على تعددها وخطورتها-كلام كثير،تداولته وسائل إعلام رصينة،وذات صدقية عالية ،مفاده:أن تلك الأسلحة،جلبتها إحدى الجماعات الإسلامية لتجنيد ميلشياتها ،التى خرجت من جحورها بعد الثورة،لا سيما أن كثيرا منها كان قادما من ليبيا،التى كان يرأس مجلسها الانتقالى «قطب إخوانى»،فضلا عما تردد عن وجود جيش نظامى مسلح للإخوان،باعتراف قيادات سابقة بالجماعة. ولأن الأرقام أصدق أنباء من الكلام المرسل ،فقد ضبطت الأجهزة الأمنية فى 19 يونيو الماضى،»101»صاروخ أرض أرض أرض،ماركة «سى 5إم»،وقاعدة إطلاق صواريخ و48مقذوفا،وقاذفة "بى إم"،و550 طلقة لأسلحة ثقيلة. وبعدها ب"10"أيام،أعلنت الأجهزة الأمنية عن ضبط 138 صاروخ جراد،مزودة بمروحة خلفية،و139 رأس صاروخ جراد،و28 بندقية آلية و3رشاشات ثقيلة. وكانت تلك الأسلحة قادمة من مرسى مطروح ومنها إلى سيناء. وفى 20 يوليو الجارى،تم ضبط 90 صاروخ أرض أرض وأرض جو،مزودة بمراوح خلفية،وذلك على طريق "رشيد-بورسعيد" الساحلى. وسبق تلك الضبطيات،ضبطيات أخرى أشد خطورة،خاصة فى الأيام التى سبقت إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية،كما أسلفنا. اللافت أنه فى جميع تلك الوقائع،لم يتم التعامل معها،بحسب مقتضيات القانون،بل تم التكتيم عليها،وربما إغلاق ملفاتها،حيث لم يتم حتى صياغة هذه السطور،الإفصاح عن المتورطين فى جلب تلك الأسلحة،ولا الجهات التى تقف وراءها. هذا التعاطى المريب مع حوادث تنتهك أمن مصر وحدودها، وتضع رقاب شعبها،تحت رحمة الذين قفزوا على الثورة،وأفقدوها أعز ما تملك،وسرقوها فى وضح النهار،دفعت الكثيرين ،إلى التلميح إلى تورط الجهات المعنية،فى طى صفحات تلك القضايا،حتى لا يتم فضح المتورطين فيها،بعدما أصبحوا فوق جميع المصريين وأكبر من أن يُساءلوا ! أين ذهبت تلك القضايا؟ النيابة العامة أكدت فى بيان لها ردا على هذه التساؤلات ،أنها لم تتلق شيئا فى هذا السياق! إذن من المستفيد من ذلك؟ المستفيدون هم الذين تورطوا فعليا فى جلب هذه الأسلحة الثقيلة والعابرة للمدن،لإرهاب المجلس العسكرى وإرهاب الشعب، وحرق مصر ،إذا لم يحققوا أطماعهم السياسية الرخيصة! وهل لعب وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم دورا فى ذلك؟ ظاهر الأمر يؤكد ضلوع إبراهيم بشكل أو بآخر،فالرجل فى غير مرة كان ينكر ضبط تلك الأسلحة قبل أن يجد نفسه مضطرا للإعلان عنها،وهذا ما تم ترجمته سريعا فى إبلاغه حتى مثول الجريدة للطبع،من رئيس الحكومة المكلف هشام قنديل بالإبقاء عليه،وفاء للرجل الذى كان "ستر وغطا"-حسبما يتردد-على المتورطين فى جلب الأسلحة وهز استقرار مصر وحرقها ، فضلا عن أن الوزير وابنه ينتميان إلى نفس التيار الذى ينتمى إليه رئيس مصر ورئيس حكومتها! وأين تذهب الأسلحة التى لا يتم ضبطها؟ يتم حشدها إلى سيناء ،حيث توجد تنظيمات مسلحة ناشئة ،تعتنق أفكارا متطرفة،وتهدد بقوة أمن مصر القومى. ويبقى السؤال:إلى متى يتم الصمت على إهانة مصر وشعبها إلى هذا الحد،فهل مصرانتخبت رئيسا ليؤم ضيوفه فى القصر الرئاسى فى الصلاة،أم ليحفظ أمنها ،أم أن الأمر لا يزال بأيدى قاطنى مكتب الإرشاد بالمقطم؟ وإلى متى يتم الصمت على من سرق الشعوب .. ومن تواطأ .. من نهب و من باع الضمير .. ومن تآمر .. وأهان مصر؟