رغم الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد.. ووسط مهرجان الانتخابات والمعارك السياسية.. نجحت وزارة الداخلية فى تسجيل تواجدها الأمنى على مدى الأيام القليلة الماضية.. ولا يكاد يمر يوم إلا وتذيع نشرة الأخبار علينا نبأ عن إنجازات ضباط الداخلية فى ضبط ممنوعات مهربة أو تشكيلات عصابية أو استشهاد أحد هؤلاء الرجال فى معركة مع الخارجين على القانون. ولا شك أن الإعلان عن هذه الإنجازات يعطى الأمل للمواطنين فى قرب اللحظة، التى يتم فيها القضاء نهائيًا على الانفلات الأمنى.. وهو مطلب عزيز يتطلع إليه المصريون جميعًا.. لكن المشكلة أن إنجازات الداخلية تتوالى ويزداد معها الخوف.. خصوصًا عندما تكون الممنوعات المضبوطة ترسانة أسلحة ثقيلة. يوم الأحد الماضى أعلن اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، فى مؤتمر صحفى أنه تم ضبط ترسانة من الأسلحة الثقيلة فى كمين على طريق الدولى السريع "الإسكندرية – بورسعيد" الساحلى مع ثلاثة من تجار المخدرات والعناصر الإجرامية الخطرة. وطبقًا لما ذكره الوزير فإن الترسانة المضبوطة احتوت على 15 "صاروخ جراد 122 العابر للمدن" و15 رأسًا مدمرة للصاروخ و16 صاروخًا مضادًا للطائرات طول كل منها متر.. بالإضافة إلى 16 طبة خاصة بالصواريخ المضادة للطائرات و31 قذيفة أربى جى و25 عبوة دفعة أربى جى وجهاز جى بى إس للملاحة البرية و2 مفتاح إنجليزى كبير الحجم لتجميع الصواريخ. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. وإنما تم اكتشاف ترسانة أخرى فى مخزن يحمل إقامة أحد المتهمين اللذين قبض عليهما فى الكمين مع الشحنة المهربة.. وتبين أن هذا المتهم حوَّل محل إقامته فى دمياط إلى مخزن كبير للأسلحة عثر بداخله على 104 صواريخ مضادة للطائرات، طول كل منها متر، و4 صناديق زنك تضم 64 طبة خاصة بهذه الصواريخ. وهذا فى حد ذاته إنجاز جيد بلا شك تستحق الداخلية التحية عليه.. لكن الأمر يجب ألا يمر علينا بسهولة.. فالمضبوطات أسلحة ثقيلة ومثيرة وليست مجرد بنادق آلية لزوم الوجاهة القبلية أو حتى لزوم الاشتباكات العائلية أو الاشتباك بين البدو والداخلية فى سيناء كالمعتاد. وكما هو معروف فإن المضبوطات تشير إلى نوعية المواد المهربة ونوعية المتاجرين فيها.. البائعون والمشترون.. والأهداف الكامنة وراء عمليات التهريب.. لكنها لا تعنى منع التهريب.. وبناءً على ذلك فإننا يمكن أن نتوقع وجود مخازن للأسلحة الثقيلة والصواريخ المضادة للطائرات والدبابات ليس فى دمياط فحسب.. وإنما فى العديد من مدن الوادى والدلتا وسيناء.. ومن هنا فإن المعنى الكامن من وراء عملية ضبط الترسانة جد خطير ويستحق أن نقف من أجله على أطراف أصابعنا. بالتأكيد سوف تكشف التحقيقات مع المتهمين اللذين تم ضبطهما بصحبة ترسانة الكمين مفاجآت مثيرة لنعرف الجهة أو الجهات التى تطلب هذه النوعية من الأسلحة.. وفى أى شىء سوف تستخدمها.. والجهة أو الجهات التى تتاجر فيها، ومن أين تأتى بها– ومن أى المنافذ يكون التهريب. ويجب أن تكون كل الاحتمالات مفتوحة أمام سلطات التحقيق.. وكل الأسئلة مشروعة ودائرة الاشتباه واسعة.. خصوصًا أن الاتهامات توزع الآن بشكل عشوائى على الجميع دون استثناء.. وهناك أصابع تشير صراحة إلى حماس وحزب الله فى الخارج وإلى بعض الأحزاب والجماعات فى الداخل.. ونحن نطالب – من جانب كشعب – بأن تكون هناك تحقيقات مكثفة وجادة ودقيقة وسريعة حتى تظهر الحقائق ونعرف إلى أين يذهب وطننا. نريد أن تنتهى مرحلة الالتباس والغموض والتحقيقات التى لا تصل إلى شىء محدد.. القضية خطيرة جدًا هذه المرة.. وبالذات فى مدلولها السياسى قبل مدلولها الأمنى.. وللرسائل التى تكتشف عنها فى هذا التوقيت قبيل الانتخابات الرئاسية وحاجتنا الملحة إلى ضبط حدودنا وحماية أمننا القومى. لا أحد يقتنع بأن تجار المخدرات فى حاجة إلى أسلحة ثقيلة وصواريخ عابرة المدن لتأمين نشاطهم أو حتى مواجهة رجال الأمن. لا أحد يقتنع بأن قبائل البدو فى سيناء يسعون لتخزين هذه النوعية من الأسلحة استعدادًا للحرب مع الدولة بعد أن ذهبت الدولة إليهم ووعدتهم بتمليك الأراضى وفتح صفحة جديدة ولا أحد يقتنع بأن جماعات العنف المسلح تتورط من جديد فى لعبة الأسلحة الثقيلة بهذا الشكل الذى يفوق إمكاناتها، خصوصًا بعد أن أعلنت هذه الجماعات مراجعة أفكارها وتخليها عن العنف واتجهت إلى تشكيل أحزاب سياسية لتصبح جزءًا من النظام وتبنت علنًا منهج التغيير السلمى بدلا من العنف. ولا أحد يقتنع بأن حماس يمكن أن تغامر بعلاقاتها مع مصر وتتجرأ على تمرير أسلحة ثقيلة على أرضنا، بينما هى تسعى إلى بناء الثقة مع النظام الجديد، الذى يتشكل حاليًا فى مصر. وقد علمتنا التجارب أن لعبة الأمم فيها من المفاجآت ما يفوق الخيال، لذلك لم يعد مقبولاً أن تنتهى القضية إلى لا شىء أو تنحصر فى إطار ضيق فربما تكتشف أن خيوطها متشابكة وتمتد إلى خارج الحدود. يجب ألا تنسى أن إسرائيل تسعى بكل السبل لتأكيد المزاعم التى تروج لها فى أمريكا وأوروبا بأن هناك خلايا نائمة لتنظيم القاعدة فى سيناء وإسرائيل تسعى بكل السبل إلى دق إسفين بين مصر وغزة حتى تعود إلى حصار القطاع المظلوم، وليس هناك من طريقة لنجاح مخططاتها فى هذا الصدد أكثر من اللعب فى مربع الأمن القومى المصرى. إسرائيل متواجدة بقوة ولاعبة بقوة ومن يجادل فى ذلك فليس عليه إلا أن يراجع الحكم الصادر هذا الأسبوع من محكمة الجنح الاقتصادية ضد أربعة مسئولين بشركة موبينيل فى قضية تمرير المكالمات الدولية الواردة لمصر من إسرائيل بهدف التجسس وتعريض أمن البلاد للخطر. أصابع إسرائيل القذرة تعبث بكل خبث وتريد أن تواجه ذلك بكل حسم وقوة وبكل ذكاء فهل تستطيع؟!