سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«فتنة الخوارج من الصحابة حتى داعش».. ظهروا في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان بن عفان.. خرجوا على الإمام علي وقاتلهم في معركة النهروان.. يتخذون من التكفير وسفك الدماء منهجا
يقال إن التاريخ لا يأتي بجديد بل هو فقط يعيد نفسه على مر الأزمان، ولكن بشخصيات وأحداث مختلفة، فتظل الأفكار الإنسانية بخيرها وشرها باقية تتناقلها الأجيال، مهما تجددت واصطبغت بصبغة كل عصر مرت به، ولنا في فرقة الخوارج مثال؛ حيث بقيت أفكارها حية حتى عصرنا الحالي تتبناها جماعات وحركات متطرفة وتطبقها، حتى إن اختلفت المسميات، مثل وهابية، جهادية وإخوان، وسلفية جهادية، ومؤخرا داعش. ظهور الخوارج ظهرت فرقة الخوارج في السنوات الأخيرة من خلافة الصحابى عثمان بن عفان رضى الله عنه؛ نتيجة الخلافات السياسية التي وقعت آنذاك بسبب منحه العديد من المناصب المهمة لأقاربه وتقريب أهل الثقة وتجاهل أهل الكفاءة، فتعالت أصوات المعارضة، ولم تنطفئ جذوة تمرد الخوارج بمقتل عثمان بل زادت حدتها بحلول عهد الخليفة على بن أبى طالب، وناصبوه العداء بشكل معلن إلى حد الاقتتال. كان الخوارج جزءا من جيش الخليفة على بن أبى طالب الذي خرج لمواجهة جيش معاوية بن أبى سفيان والى الشام آنذاك، بعد رفضه مبايعة "على" على الخلافة، وبعد التقاء الجيشين في معارك استمرت سبعة أيام لا غلبة فيها لأحد، كاد جيش الخليفة في اليوم الثامن أن يهزم جيش معاوية فلجأ الأخير إلى حيلة اقترحها عليه عمرو بن العاص، وهى رفع المصاحف على أسنة الرماح لوقف القتال والتحاكم إلى القرآن. تقول بعض الروايات إن نحو عشرين ألفا من جيش على يتقدمهم جماعة من حفظة القرآن الكريم نادوه قائلين: "يا على أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت وإلا قتلناك"، فأجاب رضى الله عنه: "ويحكم.. أنا أول من دعا إلى كتاب الله، وأول من أجاب إليه"، ولكن رضخ "على" وأوقف القتال مكرها في نهاية الأمر، لتكون بداية تشكيل فرقة الخوارج وتأسيس منهج عقائدى لهم منفصل عن الخلافة الإسلامية. تصدي "علي" للخوارج حاول علي بن أبي طالب وضع أسس للتعامل مع تلك الفرقة وكف أذاها عن المسلمين فقال لهم: "ألا إن لكم عندى ثلاث خلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم فيئا ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا"، ولكن الخوارج حادوا عن السبيل، فأفسدوا في الأرض وكفروا كل من عاداهم، وروعوا المسلمين، حتى أقدموا على قتل عبد الله بن خباب، ومثلوا بجثة جاريته، وأبوا أن يسلموا القتلة إلى "على" للقصاص منهم، فأعلن عليهم الخليفة الحرب وقتل غالبيتهم في معركة النهروان، وفر الناجون وتشتتوا في البلاد، مثل الأنبار، وماسبذان، والمدائن، والكوفة، وغيرها من المدن، في محاولة لاستقطاب أتباع جدد وإعادة تأسيس جيش الخوارج من جديد. الغلو في الدين وحسب رواية العديد من الصحابة والتابعين، كان الخوارج من أشد الناس اجتهادا في الطاعة وتنفيذا للعبادات، وأحرصهم على اجتناب المعاصى الكبير منها والصغير، وكان أكثرهم من حفظة القرآن وقرائه. روى عن جندب الأزدي أنه قال: "لما عدلنا إلى الخوارج ونحن مع على بن أبى طالب رضى الله عنه، فانتهينا إلى معسكرهم، فإذا لهم دوى كدوى النحل من قراءة القرآن"، وكذلك قال فيهم ابن عباس "دخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادًا، جباههم قرحة من السجود، وأياديهم كأنها ثفن الإبل، وعليهم قمص مرحضة مشمرين، مسهمة وجوههم من السهر"، لذلك كان شاقا على الناس مناصبتهم العداء ومحاربتهم في بادئ الأمر، ولكن غلوهم في الدين وفهمهم الخاطئ في تفسير وتطبيق أحكامه أدت إلى نفور الناس منهم. ونقل الصحابة عشرات من الأحاديث الشريفة عن النبى تتحدث عن الخوارج وأوصافهم وصفاتهم، موصيا بالتصدى لهم ومحاربتهم لكف أذاهم عن المسلمين، على مر الزمان، بل مؤكدا أن قاتلهم يؤجر يوم القيامة، فيروى مسلم عن أبى ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون من بعدى من أمتي، قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة". كما قال علي بن أبي طالب: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية يقرأون القرآن ولا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة". فرق الخوارج وبعد تشتت فلول الخوارج في ربوع الدولة الإسلامية؛ هربا من سيوف جيش "على"، نشأت فرق أحيت منهج الخوارج وواصلت تمردها ضد الدولة الأموية ومن بعدها العباسية، واستطاع بعضهم الاستيلاء على أجزاء من الدولة الإسلامية، وفرض منهجها على أهالي تلك المناطق، ومنها فرقة الأزارقة نسبة إلى زعيمها نافع بن الأزرق، الذي أسسها بالبصرة، التي ساهمت بشكل كبير في إسقاط الدولة الأموية، وفرقة نجدات نسبة إلى مؤسسها نجدة بن عامر الحنفي، الذي استطاع السيطرة على صنعاء، والبحرين، والقطين، وفرقة الصفرية نسبة إلى زياد بن أصفر، التي ظهرت في المغرب الأقصى وأسست دولة لها في سجلماسة باسم بنى مدرار. وجمعت "الخوارج" على مختلف مسمياتهم وعصور ظهورهم، عددا من السمات المشتركة التي ساهمت في تشكيل وعيهم الجمعي، وهى البداوة وقلة الوعى ونقص الثقافة، والفهم الخاطئ لأصول الدين، ووجدت دعوتهم بيئة خصبة في المناطق النائية التي غاب عن أهلها العلم والوعي، مستغلين الشعارات الدينية البراقة في خداع البسطاء، وكذلك المناطق التي عانت من السياسات الظالمة للحكام الذين توالوا على الدولة الإسلامية ورأى أهلها فيهم المنقذ من هؤلاء الحكام، ويمكن قياس تلك الصورة على كل الحركات الإسلامية المتطرفة التي ابتلت بها الدول العربية والأفريقية في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها تنظيم "داعش". خوارج الحاضر يقول الباحث في الشئون الإسلامية الدكتور كمال حبيب، إن لفظة "الخوارج" تأتى من كلمة "الخروج"، فتطلق على كل من يخرج على الناس، فيهدد استقرارهم، ويقطع طرقهم، ويشق صفهم، ويفرض رأيه بقوة السلاح، كما وصفهم النبى في الأحاديث الشريفة قائلا: "حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرأون القرآن بألسنتهم، لا يجاوز تراقيهم"، أي صغار السن وليس لديهم القدرة على تقدير الواقع تقديرا صحيحا، فيأخذون الأمور من شواشيها دون التعمق في باطنها، ويقرأون القرآن قراءة غير متعمقة؛ لأنهم نصوصيون يأخذون النص بظاهره وهي الصفات التي تنطبق على الداعيشين. وأشار الدكتور "حبيب" إلى تشابه منهج الخوارج الذين تمردوا على الإمام على رضى الله عنه، وتجرأوا على تكفيره خلال معركة النهروان، في صدر الإسلام، مع فرق الحشاشين والقرامطة، الذين ظهروا خلال عهد الدولة العباسية، وكذلك بعض الحركات الإسلامية المتطرفة المعاصرة مثل داعش وأنصار بيت المقدس، وغيرها من المناهج ذات النسق المعرفى المبتدع الذي يخالف نسق أهل السنة ويعرف الدين الإسلامى تعريفا جديدا يشق به جسد الأمة ويرفعوا به السيف عليها. وتابع: "اعتبر هؤلاء أنهم جماعة المسلمين، وكل من دونهم إما مرتدين أو كافرين، بدعوى أن الإيمان وحدة واحدة إذا ضاع جزؤه ضاع كله، وبالتالي إذا أقدم أحد على فعل ذنب، فإن معصيته تذهب بإيمانه كله ويخرج من الملة بما يسمى التكفير بالمعاصي، ومن هذا المنطلق يتجرأون على رفع السيف على الأمة وتهديد استقرارها والدخول معها في معارك فيقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، وهو ما تعيشه الأمة الإسلامية الآن".