للأسطورة الشعبية والتراثية التاريخية حيّز زمانى ومكانى مهم في تاريخ الحضارات الإنسانية المتعاقبة والمتزامنة، منذ تشكّلاتها الأولى حتى الوقت الراهن، فما من شعبٍ من الشعوب أو أمة من الأمم إلاّ ولها أساطيرها وخرافاتها الخاصة بها، ومن الملاحظ أنّ ثمة تداخلًا واضحًا بين هذه الأساطير، فالأسطورة الواحدة تنمو وتتشعب لتنتقل من حضارة إلى أخرى عبر مثاقفة فكريّة وحضارية، فعلى سبيل المثال يلاحظ أن أسطورة تموز وعشتروت أو أدونيس وعشتار هي بابلية ويونانية ورومانية وفينيقية وإن اختلفت التسميات الأسطورية للشخصيتين الأسطوريتين عشتار وأدونيس، فإنّ قاسمًا مشتركًا بين ملامحها وخصائصها وأبعادها الأسطورية، ومدلولات رموزها. وكذلك أسطورة شهرزاد وشهريار، فإنّ لها بعدًا اجتماعيًا وسياسيًا وفكريًا في التاريخ، الذي يمتدّ إلى الحضارات الهندية والفارسية والعربية التي شكّلت ألف ليلة وليلة، فالأسطورة هي نتاج معرفى جماعى يجسّد وضعًا معرفيًا أنثروبولوجيًا، بوساطته يمكننا دراسة المكوّنات الثقافية والفكريّة لدى أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب، وهى بنية مركبة من تاريخ وفكر وفن وحضارة، وبالتالى فإنّ لها قدرة على الامتداد ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، ويمكن اعتبارها مرجعًا ثقافيًا متميّزًا تنهل منه الكثير من الدراسات الاجتماعية والفكرية والتاريخية والفولكلورية، إنها مكوّن أساسى من مكوّنات الفكر الإنساني، وقد رافقت الإنسان في كفاحه المتواصل مع الطبيعة وتبدلاتها وقسوة الحياة وشظفها، وهى المعادل لخيبات هذا الإنسان، والبؤرة التي يرى منها النور والفرح وإشراقات المستقبل، إنها تجسّد حلمَ الإنسان في مستقبل أكثر نقاء، وفى علاقات أكثر تكافؤًا وعدالة. تعريف الأساطير الأساطير ما هي إلا العلم القديم وهى نتاج محاولات الإنسان الأول لتعليل كل ما يقع تحت بصره وحسه " أما صاحب كتاب «علم الأساطير» فقد عرفها بأنها أقدم لغة وطريقة للاتصال من حيث كونها قولا تلقائيا بلغة سائغة بين عناصر اجتماعية معينة ولهذا فإنها مجهولة الهوية والأصل غامضة التاريخ والمكان. والأسطورة بهذا المعنى تكتسب قداستها من كون أبطالها آلهة وشبه آلهة ومن قوة الاعتقاد بهذه الآلهة وبأفعالها وأقوالها وإن كانت قد توارت من الذهن الجمعى للناس بعد ظهور الأديان السماوية الثلاثة والفلسفات الوضعية الحديثة وتطور العلوم الإنسانية والطبيعية إلا أنه لازال لبعض الاعتقادات والعادات والطقوس الأسطورية سطوتها على أذهان البعض ومن هنا تتبدّى تقليدية الأسطورة بانتقالها من جيل إلى جيل بالرواية الشفهية مما يجعلها ذاكرة الجماعة التي تحفظ قيمتها وعاداتها وطقوسها وحكمتها وتنقلها للأجيال المتعاقبة وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس. وهناك ثلاثة مصطلحات إنجليزية للأسطورة تتداخل فيما بينها ويصعب أحيانًا التفريق بينها وهى Myth)، Legend and Folktale) ويدل المصطلح الأول (Myth) على قصة أو معتقد أو طقس تعتقد جماعة بأنه حقيقة وتراه جماعة أخرى أنه مجرد أكذوبة، أما (Legend) فهى قصة مبالغ فيها إلا أن شخصيات القصة أو بعض أحداثها حقيقية، أما (Folktale) فهى قصة لا يوجد بها شيء من الحقيقة ولا يعتقد أحد بصحتها، وقد حدث خلاف على ترجمة المصطلحات الإنجليزية، لما يقابلها بالعربية وذلك بسبب التطور الدلالى لتلك المصطلحات الأجنبية، بحيث تغير مفهومها وعليه تغيرت ترجمتها لمصطلح عربى آخر. تفسير نشأة الأساطير حاول عدد من الباحثين تفسير نشأة الأساطير والتعرف على بدايتها وأسباب ظهورها على كيفيات وأنساق معينة، ومن أبرز هؤلاء الباحثين جيمس فريزر (James Frazer) في كتابه الغصن الذهبى وإدوارد تيلور(Edward Burnett Tylor) كتابه الثقافة الفطرية (Primitive Culture) وهما يريان أن كلمة الأسطورة ترتبط ببداية الإنسانية حيث كان البشر يمارسون السحر ويؤدون طقوسهم الدينية التي كانت سعيًا فكريًّا لتفسير ظواهر الطبيعة. نظريات الأساطير ويرى توماس بوليفينشى في كتابه "ميثولوجيا اليونان وروما" وجود أربع نظريات في أصل الأسطورة، وهى النظرية الدينية التي ترى أن حكايات الأساطير مأخوذة كلها من الكتاب المقدس مع الاعتراف بأنها غُيِّرت أو حُرِّفت، ومن ثَمَّ كان هرقل اسما آخر لشمشون، والمارد ديوكاليون ابن بروميثيوم الذي أنقذه زيوس مع زوجته من الغرق فوق أحد الجبال هو نوح. أما النظرية الثانية فهى" التاريخية" والتي بنيت على أن أعلام الأساطير عاشوا فعلا وحققوا سلسلة من الأعمال العظيمة، ومع مرور الزمن أضاف إليهم خيال الشعراء ما وضعهم في ذلك الإطار الغرائبى الذي يتحركون خلاله في جو الأسطورة. اما بالنسبة للنظرية الرمزية، فهى تقوم على أن كل الأساطير بكل أنواعها ليست سوى مجازات فُهمت على غير وجهها الصحيح أو فُهمت حرفيًّا، من ذلك ما يقال عن أن ساتورند يلتهم أولاده أي الزمن يأكل كل ما يوجد فيه. أخيرا تتسم النظرية الطبيعية، بتخيل عناصر الكون من ماء وهواء ونار في هيئة أشخاص أو كائنات حية، أو أنها تختفى وراء مخلوقات خاصة. وعلى هذا النحو وجد لكل ظاهرة طبيعية ابتداء من الشمس والقمر والبحر وحتى أصغر مجرى مائى كائن روحى يتمثل فيه وتنبنى عليه أسطورة أو أساطير. وأجمع الدارسون لعلم الأساطير، أي المثالوجيا، على الطابع الاعتقادى والإيمانى للأسطورة، مع ما يحمله ذلك من قداسة، وتقول أديث هاملتون الاختصاصية في الأساطير الإغريقية: "إن الأسطورة ما هي إلا تعليل لإحدى الظواهر الطبيعية مثل كيفية خلق هذا الشيء أو ذاك في الكون كالناس والحيوانات والأشجار والشمس والقمر والنجوم والزوابع وباختصار كل ماله وجود وكل ما يقع في هذا الكون الفسيح». علم الأسطورة أما بالنسبة للعلم المختص بدراسة الأساطير فهو علم الميثولوجيا أو علم الأساطير Mythologia، وكلمة ميثولوجيا تستعمل للتعبير عن إنتاج معين لخيال شعب من الشعوب في شكل حكايات وروايات تُتناقل جيلا بعد جيل، وتُسمى هذه الروايات والحكايات عند الإغريق "ميثوى Mythoi" ومعناها "ألفاظ وكلمات". وبالرغم من أن كلمة ميثولوجيا لا تعنى أكثر من "قص الحكايات" إلا أنها تستعمل الآن لتدل على الدراسة المنظمة للروايات التقليدية لأى شعب بقصد معرفة الطريقة التي تمَّت بها حتى أصبحت رواية تُروى، وإلى أي مدى كان الاعتقاد بها، وكذلك بقصد حل المشكلات الأخرى المتعلقة بها مثل علاقتها بالدين، وأصولها، وعلاقتها بروايات أخرى لشعوب أخرى. أشهر الأساطير والخرافات المتداولة يقول الروائى إدواردو جليانو في روايته «أبناء الأيام»: إن أحد أكثر الأحداث الدينية تداولًا هو قضم آدم وحواء للتفاحة، ولكن هذا غير موجود في الكتب السماوية الثلاثة. وفى كتاب (أشهر 50 خرافة في علم النفس) يقول الكاتب: إن «المعلومة التي تقول إن الناس لا يستخدمون إلا عشرة في المائة فقط من قدرة الدماغ هي خرافة علمية، وإن القراءة في الضوء الخافت قد تضر النظر بشدة هي أيضًا معلومة غير علمية، ولم تقدم الأبحاث أي تأييد لهذا الادعاء، وأن ادعاء أن الكثافة المنخفضة داخل الفصل الدراسى تؤدى دائمًا إلى تحسين التحصيل الدراسى هوادعاء بلا دليل علمي، وأن الشعر والأظافر يستمران في النمو بعد الموت، وأن تناول فيتامين (سي) يساعد على الوقاية من نوبات البرد، وأننا يجب أن نتناول ثمانية أكواب من الماء يوميًا لكى نبقى بصحة جيدة في الواقع كلها أشياء لم تثبت علميتها.