أولا يجب أن أقر أن السطور القادمة لا تخص أشخاصا بعينهم لأن البلاء أضحى عاما ولا يصلح معه التخصيص أو إلقاء اللوم على فصيل بعينه، فنحن جميعا نحيا عصر البذاءة، نصنعها ونشارك فيها والأدهى أن الكثير منا يفتخر بها بل والكارثى حقا أنها صارت للأسف وسيلة من وسائل الحراك الاجتماعى والسياسي أو بالمصرى البسيط الصريح، صارت البذاءة هي سلم صعود كل مشتاق لمنصب أو مقام ( سام ) ! يتوافق ذلك تماما مع تحول أي مجتمع لقيمه وحيدة في حياته، فيلقى بكل أوراقه في سبيل الحصول على تلك القيمة أو ربما يتخلص من كل قيمة سابقة أو محتملة في مقابل تملك تلك القيمة الجديدة التي ارتضاها لنفسه، ولقد ارتضى قطاع كبير من المصريين المال قيمة وحيدة تحرك حياته بداية من عصر السادات الذي دعا المصريين للاغتناء في عصره بأى طريقة كانت وإلا فاتتهم فرصة الثراء... على حساب ماذا، على حساب قيم أصيلة تربى عليها الشعب لفترات ليست بالقصيرة. صار المال رمزا للقوة ووسيلة معترفا بها لشراء كل شىء بداية من المناصب، والوظائف العليا، رئاسة نواد رياضية، تزلف للسلطة بل صناعتها أحيانا، لذا لم أندهش مطلقا من نجاح أحد المرشحين في مجلس النواب رغم ما تم نشره له من بذاءات لفظية كانت كفيلة لمحاكمته بتهم كثيرة لا لمنحه حق الحصانة في مجلس نواب بعد ثورتين.. إنها حقا البذاءة المحصنة والتي صارت فاعلا رئيسيا بل مشرعا لشعب ذهب عدد منه، حتى ولو قليل، ليختار من ينوب عنه وكل ما يحمله من مؤهلات هو بذاءات لفظية! (هذا الذي يمكن أن يأتى لنا بحقوقنا) هكذا تحدث لى أحد أعضاء ناد رياضى معين عندما عبرت له عن دهشتى لتصويته لآخر ليكون رئيسا لناديه.. إذن لا لوم على هذا البذىء ما دام هناك من يبارك بذاءته بل يثمنها ويعتبرها أيقونة قيمية جديدة تمنح قوة من نوع خاص.. إنها إذن البذاءة المباركة! وليس هذا بمستبعد عن موقف المذيعة الأشهر في البلاء الإعلامي المصرى عندما نشرت صورا فاضحة لإحدى ضيوفها، دون علمها، لا للتشهير بها كما ظن الكثيرون وإنما سعيا فقط وراء التكسب والتربح وزيادة حصيلة إعلانات تنمو وتربو وسط تلال من البذاءة والانحطاط لتشوه كل ما يحيط بنا حتى الإنسان وسمعته ثم المتاجرة بها! ولكن ما غاب عن الكثيرين هو أن الفتاة نفسها والتي اعتبرها غالبية المشاهدين ضحية، تعانى هي الأخرى خواء قيميا وتدافع عن سلوكيات منفلتة من أي قيمة دينية أو مجتمعية وتعتبر ما قامت به في الشارع أو على الشاطئ أمام أعين الناس جميعا خصوصية لا يجب نشرها !.. خصوصية بلباس البحر أمام ألوف من البشر، صورتها أمام أعين كثيرة ثم خشيت من نشرها على نطاق أوسع، تناقض يفضى إلى نفاق وادعاء لوجدود قيمة معدومة من الأصل ! ثم كانت الكارثة في اعتبار أن كل بنات مصر هكذا وأن هذا هو الطبيعى، فمن هي تلك الفتاة المتخلفة في عصرنا والتي لا تقيم علاقة خاصة جدا مع أحد الشباب من الجيران أو في الجامعة أو من أي بلوة سودة.. هذا هو الطبيعى يا سادة والذي تحاول إقناعنا به الفتاة ضحية الست المذيعة.. إنه إذن التطبيع مع البذاءة! إنه التطبيع مع البذاءة والانحطاط والخواء القيمى والدينى الذي جعل السيد مذيع برنامج آخر يدافع بشدة عن موقف الفتاة هو وكل المتصلين الذين اعتبروا الفتاة أيقونة لمصر وفتياتها وعلى الست والدتها أن تفتخر بها، أيقونة ورمزا.. يا نهار أسود.. وكفى! [email protected]