عندما كتبت مقالي عن جمعية جبهة علماء الأزهر منذ أسبوعين, وعن الإسفاف والتدني الأخلاقي التي يملأ بياناتها الخاصة بالهجوم علي ألف ليلة وليلة والمدافعين عنها وقلت إنني لم أكن أتصور أن يصل الإسفاف في الخطاب الثقافي إلي درجة البذاءة التي يعاقب عليها القانون, وتساءلت, آسفا, عن إمكان أن تكون البذاءة لغة علماء ينتسبون إلي الأزهر. لم أكن أعرف الكثير عن هذه الجمعية التي لم أكتب عن بياناتها إلا بوصفها نموذجا لما يمكن أن يصل إليه خطاب التطرف الديني والتعصب الفكري والجهل المعرفي في الوقت نفسه وبعد نشر المقال انهالت مكالمات التعضيد والتأييد لما كتبت, ومعها ما لم أكن أعرف عن تاريخ هذه الجمعية التي تحيط بها الشبهات من كل جانب, وتنوشها سهام الاتهام من كل حدب وصوب, الأمر الذي جعلني لا أعجب لتدني لغة بياناتها وما تكشف عنه من تطرف أعمي وتعصب مقيت وجهل فاضح. هكذا عرفت أن الجمعية منذ تأسيسها الأول سنة1946 كانت علي علاقة وثيقة بجماعة الإخوان المسلمين القديمة, وأنها أصبحت جمعية مشهرة باسم جبهة علماء الأزهر سنة1967, وواصلت نشر دعواتها التي ازدادت تطرفا عبر السنوات, ولعبت دورا معروفا في تكفير نصر أبو زيد والتفريق بينه وبين زوجه, ودأبت علي تكفير المجتهدين من أمثال المفكر الكبير حسن حنفي, ولم تتردد في مهاجمة المعتدلين من كبار مشايخ الأزهر إلي أن وصل صدامها مع شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد سيد طنطاوي, رحمه الله, إلي حال من الإسفاف التي لم يستطع معها الرجل صبرا رغم سماحته البالغة, فانتهي الأمر بالرجل إلي الاحتكام إلي قوانين الدولة, فصدر قرار بحل الجمعية وإغلاق مقرها في يونيو1998 وحاولت الجمعية التظلم, ولكن الأمر انتهي بصدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي بحلها سنة1999 واختفت الجمعية ومعها صوت أمينها العام د يحيي إسماعيل حبلوش الذي أعلن, في حوار منشور معه, أن عرضا عرض عليه لإطلاق موقع للجمعية علي النت من شيكاغو في الولاياتالمتحدة ولكنه وجد من الأفضل إطلاق الموقع من الكويت برئاسته سنة2000, مدعوما بجماعات الإسلام السياسي فيها, خصوصا بعد عمله أستاذا لعلوم الحديث في أحد معاهد الكويت العليا وأخذ موقع جبهة علماء الأزهر ينتظم في الصدور والظهور علي شاشة النت معلنا عن إيديولوجيات التطرف الديني القريبة من أفكار القاعدة وغير البعيدة عن المذهب الوهابي, معادية الدولة المدنية في كل الأحوال, مهاجمة مثقفيها ورموزها وأعلامها أحط الهجوم, مستغلة وجودها في الكويت, تحت حماية أحلاف وجدوا فيها بوقا زاعقا لدعاوي الدولة الدينية في أقصي درجات تطرفها, ومخلبا مسموما لتدمير وتشويه كل ما هو معتدل أو وسطي في الفكر الديني الإسلامي السمح الذي يبرأ بالقطع من بذاءة خطاب الجمعية ودرجة الإسفاف والتسفل التي تميزه. ولذلك لم يدهشني البيان الذي أعلنته الجمعية علي موقعها المنطلق من دولة الكويت الشقيقة بعنوان وزير الثقافة لم يجد في غير السفهاء أعوانا بتاريخ الأربعاء التاسع من هذا الشهر(2010/6/9). لكني أعترف أنني لم أقرأ في حياتي, علي الرغم من كثرة الهجوم الذي نالني من جماعات الإسلام السياسي المتطرفة, ما يصل إلي الدرجة التي وصل إليها هذا البيان من الانحطاط وذلك من جبهة يزعم رئيسها أنه عالم أزهري! إن الرد ينبئ عن جهالة لا حدود لها, وسفالة لا سبيل إلي نشر عينة كاملة منها, سوي أنها تطلق علي المدافعين عن نشر ألف ليلة وليلة مخانيث ألف ليلة وليلة أما عن المقال الذي كتبته مستشهدا بعلماء الأزهر الذين لم يتحرجوا من تصحيح ألف ليلة وليلة والإبقاء علي كل ما فيها, حتي الحكاية التي تعرض لسفاح المحارم فقد أصبحت دليلا علي أنني أدعو إلي سفاح المحارم, وما ذكرته عن ابن قتيبة, وهو من أكبر أقطاب المذهب السلفي في القرن الثالث للهجرة, فهو كلام مرفوض من الذين يدعون الدفاع عن الإسلام وهم أعدي أعدائه ولا أعرف لماذا لم يشعر هؤلاء الذين كتبوا هذا البيان بأي وازع أخلاقي أو ديني يحول بينهم والسباب الرخيص الذي لم يترك أحدا من المدافعين عن ألف ليلة وليلة إلا وأصابه بأوصاف يعاقب عليها القانون الذي لابد من اللجوء إليه في مواجهة هؤلاء الذين آذوا الكثيرين وهل يدرك هؤلاء أن صفة مخانيث ألف ليلة وليلة أصبحت لا تنطبق فقط علي الذين دافعوا عنها, وقاموا وأيدوا نشرها في سلسلة ذخائر التراث وإنما أصبحت تجاوزهم بالضرورة إلي كل من أصدر قرارا بحفظ التحقيق في مسألة نشرها وإباحة هذا النشر قانونا لقد أصدر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قرارا تاريخيا بحفظ التحقيق في موضوع نشر ألف ليلة, أولا لعدم توافر أركان جرائم استغلال الدين في الترويج للأفكار المتطرفة وازدراء الأديان السماوية وإثارة الفتن, وكذا نشر وعرض مطبوعات خادشة للحياء العام في محتوي ألف ليلة وثانيا لأن ألف ليلة وليلة عمل صدر قبل قرنين من الزمان وأعيدت طباعته مرارا, وظل يتداول, ولم تعترض الرقابة علي المطبوعات عليه باعتباره من كتب التراث, ويبعد كل البعد عن فكرة انتهاك حرمة الأخلاق ومظنة إثارة الشهوات, بل إنه ينبئ عن طرائق قدماء الأدباء في التأليف والنظم الأدبية, كما أنه لم يكتب أو يطبع بغرض خدش الحياء وأوضحت النيابة أن هذا الكتاب خليق بأن يكون موضوعا صالحا للبحث المنتج والدرس الخصب لكونه من قبيل الأدب الشعبي ومكونا أصيلا من مكونات الثقافة العامة, وأنه كان مصدرا للعديد من الأعمال الفنية الرائعة, واستقي منه كبار الأدباء روائعهم وأكدت النيابة أن الأسباب التي استندت إليها في حفظ التحقيق سبق أن تناولتها المحكمة المختصة عام1985 في القضية التي عرضت عليها ضد القائمين علي طباعة ونشر هذا الكتاب في تلك الفترة, وقضي فيها بحكم نهائي بالبراءة, وأن البلاغ الحالي لم يأت بجديد ينال من هذا المؤلف. لقد ذكرني بيان النائب العام ببيان سلفه العظيم محمد نور الذي حفظ التحقيق في الدعاوي التي أقيمت ضد كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين سنة1926, فأكد معني الاجتهاد وضرورته, في ظل دستور1923, وفي ازدهار دولة مدنية حقيقية, يستطيع دستورها وقانونها أن يحمي مثقفيها من خفافيش الظلام وها هو المستشار عبد المجيد محمود يبعث فينا أمل انتصار حلم الدولة المدنية وتحقيقه ضد دعاوي أنصار الدولة الدينية بتطرفهم وإرهابهم. لقد باح من كتب بيان وزير الثقافة لم يجد في غير السفهاء أعوانا بمكنون نفسه, وباء بكل السباب الذي صدر منه أو عنه, فلم يصب إلا نفسه, مؤكدا أنه ليس من علماء الأزهر الذين يعرفون معني ادفع بالتي هي أحسن, فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم(( فصلت/34) وعلماء الأزهر الذين أعنيهم هم الذين لم يقبلوا جهالة جبهة علماء الأزهر, وعقبوا علي بيانها الأول بالرفض والإدانة, وعدم الاعتراض علي نشر ألف ليلة وليلة التي صوبها الشيخ عبد الرحمن الصفتي الشرقاوي في سلسلة بعنوان الذخائر وظيفتها أن تنشر نصوص التراث كما هي, وكانت تعقيباتهم دالة علي اعتدالهم وسماحة الإسلام السمح, ومذهب السلف الصالح في البعد عن الرياء والتزمت, فلم يعترضوا علي نشر ألف ليلة كما لم يعترض الشيخ عبد الرحمن الصفتي والشيخ قطة العدوي والشيخ قطرية وغيرهم من المشايخ الفضلاء الذين لم يكونوا يتخيلون, بالقطع, أن أزهرهم السمح سيأتي فيه يوم يشهد من يفتخر بالجهل, ويقابل حجة العقل بالسباب, والمجادلة بالتي هي أحسن بقذف الأعراض وبذيء اللفظ ولذلك كان من الطبيعي أن يلفظ أزهر الشيخ محمد عبده ومحمد السيد طنطاوي ما تسمي باسم جمعية جبهة علماء الأزهر التي حلها القضاء إلي الأبد, بعد أن أثبتت بياناتها ومواقفها أنها لا جمعية ولا جبهة ولا علماء ولا علاقة لها بالأزهر وكانت النتيجة أننا أصبحنا إزاء جمعية منحلة بفعالها وبياناتها وموقف القانون منها الطريف حقا, والمطمئن في آن, أن صحيفة الشروق نشرت لدوافعها الخاصة مقتطفات من البيان, فأثار ما نشر استنكار القراء وأغضب الكثيرين من سفال لغته حسبي أن أنقل تعليق السيد محمد المصري, أحد قراء الشروق, الذي علق علي ما قرأ من مقتطفات بقوله شعرت بالخزي والعار عندما قرأت هذا البيان وما فيه من سباب وبذاءة في الكلمات تنافي الذوق السليم وصحيح الدين كنت أحسب جبهة علماء الأزهر جبهة شرعية قيمة, ولكن بعد هذا البيان المنحط, أشعر بالغثيان والرغبة في القيء من هذا الانحطاط اللفظي والبذاءة اللفظية والفكرية إن جبهة بهذا المسمي هي عار علي الإسلام والمسلمين وتمثل إساءة لصحيح الدين ولا تعليق عندي علي هذا القارئ الذي يوافقه كثيرون من الشباب علي ما ذهب إليه وهؤلاء الشباب هم أمل مصر الحزينة في مواجهة هؤلاء الذين يسيئون إلي الإسلام, مؤكدين أنهم لا جمعية ولا علماء ولا ينتسبون إلي الأزهر الشريف ما داموا قد ارتضوا لأنفسهم طريق الضلالة والتضليل وقذف أعراض المختلفين معهم أو عنهم. المزيد من مقالات جابر عصفور