لا أدري تماما من أين تبدأ المأساة.. ولكن مما لا شك فيه، أن هناك مأساة وقد بدأ الجميع يشعر بها، حتى من كان منهم في مأمن وظن نفسه بعيدا عن تقلبات القوانين العبثية والظالمة التي تصدرها جميع الحكومات التي توالت على حكم المصريين، فبالأمس القريب ثار واحتج موظفو وعمال أكبر هيئة مالية تمنح العاملين بها مزايا مالية، وهي بالطبع مصلحة الضرائب العامة.. ثم تجمع معهم آخرون يمثلون هيئات مختلفة، وكان المطلب واحدا.. أسقطوا قانون الخدمة المدنية الذي ظلمنا وقلل من رواتبنا! الآن فقط!.. شعرتم بالظلم عندما جاء قانون يقرب بين رواتبكم، رواتب بقية المظاليم في الدولة الذين يعملون في وزارات خدمية مثل الحكم المحلي والتعليم والصحة والشئون الاجتماعية، وغيرها بعيدا عن السادة المحظوظين الذين تصدر قرارات دوما باستثنائهم من كل غبن وظلم ونقص في الأموال والمزايا.. وبالطبع لا يوجد ملامح بشرية للصابرين! لا أدري من أين نبدأ الحكاية، ولا نحتاج لتكرار مقولات بديهية من نوعية (العدل أساس الملك).. نعم لا شك في ذلك، ولكن للظلم أيضا رجاله ومؤيديه بل عشاقه في كل الحقب التي مرت على مصر ودولتهم، استمرت أيضا حتى بعد قيام ثورة يناير الموءودة، التي كان مطلبها الأساسي العدل.. فجاء الإخوان وحلفاء المصلحة من السلفيين ليرسخوا الظلم والتمييز، وبالطبع جاءت 30 يونيو لتصحح الأوضاع، فإذا بها تعود لدرجة ما تحت الصفر من العدالة.. كيف ذلك؟! البداية القريبة كانت في سبتمر 2013، عندما جاءت قوة من الشرطة المصرية للقبض على الدكتور الإخواني فريد إسماعيل، رحمه الله، فقال لهم الرجل متباهيا بما يحسبه قربى وزلفى للشرطة (ما تمرش فيكم قوانين الشرطة إللى أنا عملتها لكم).. أي أنه يا سادة يلوم عليهم أن المزايا الضخمة التي أهداها سيادته بأوامر من الجماعة لكل العاملين بالشرطة لم تؤتِ ثمارها معهم ولم يتذكروا جميله.. أراه كان يعطيهم من تكيته، وحقا هي كانت ومازالت وستبقى تكية، طالما كانت المساواة أو - بمعنى أدق - المواطنة غائبة عن مصر! كلمات الراحل فريد إسماعيل، وحدها تلخص خيانة الثورة المصرية، بل خيانة القيم الأساسية التي جاء الدين بها وعرفتها الإنسانية بعد قرون.. حاول الإخوان شراء قوى الدولة النافذة، وأغدقوا عليهم بالأموال، لدرجة أن مرسي نفذ قانون السلفي شعبان عبد العليم الذي منح به زملاءه في الجامعة زيادة بدل واحد بلغت ألف%.. لا تعتقد أن الرقم خطأ نعم ألف بالمائة! (افصلهم وشغل غيرهم يا ريس) كانت تلك هي مطالبات شباب الإخوان عندما كان يثور المعلمون أو أحد الكيانات المفقورة والمقهورة والضعيفة في الدولة، الرئيس الإخواني ظن أنه في مأمن ما دام يغدق بالأموال على الجهات القوية في دولته.. فليذهب الفقراء للجميع وليقول لهم مرسي (عليكم بالصبر).. الله الله يا مولانا يا عادل يا حكيم! المقزز أنه بالتوازي مع صناعة الظلم بعد ثورة كان قوامها العدل، أن الكثيرين أيضا ممن كانوا ومازالوا تحت طائلة الظلم من موظفين وعمال وعاطلين، اتحدوا جميعا على النبلاء الذين طالبوا بحقهم.. خونوا أطهر شباب أنجبته مصر بل أنجبته البشرية، خونوا وكفروا وسفهوا وقهروا وسجنوا وقتلوا من باعوا كل شيء في سبيل إسعاد غيرهم وكانت دولة الظلم هي الهدف والمسعى! الآن تبكون على حقوقكم وقوانين أشرف العربي، الممتد طولا من دولة الإخوان لدولة ما بعد الإخوان لما بعد ولما سيأتي بعد سنين طوال!.. لا بد من وجود أشرف العربي، وزير التخطيط أو وزير الخدمة المدنية أو وزير أي مسمى في دولة القانون فيها خادم لمن يملك القوة لا لمن يملك الحق، لن أقول ابكوا كالنساء على ملك لم تحافظوا عليه كالرجل فهناك نساء بملايين الرجال مما تعدون، والملك كلمة مقيتة عفنة ما دامت في الدنيا، لا تنبغي إلا أن تكون لله فقط، في الدنيا الملك للقانون فقط والمساواة بين البشر دون تمييز، ابكوا على ثورة جاءت لتحرركم فاستعبدتم أنفسكم، ابكوا على شباب كان بإمكانه القفز بكم سنين ضوئية فنحرتموه.. ابكوا على خيانتكم لأنفسكم ودعوا عجلة الإنتاج تدور.. نعم اللهم شماتة! [email protected]