رئيس جامعة القناة يُؤكد توافر الأطقم الطبية داخل عيادات الكليات خلال الامتحانات (صور)    اعتماد 28 مدرسة بقنا، بعد حصول الإدارة التعليمية بالمحافظة على شهادة الاعتماد بجودة التعليم    البورصة المصرية، تذبذب أداء قطاعات سوق الأوراق المالية بتداولات اليوم    إف چي هيرميس توقع اتفاقية شراكة مع بنك مصر لتوفير خاصية تغذية حسابات العملاء    رئيس الوزراء يتابع تنفيذ المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية    استشهاد 4 أشخاص في قصف مدفعي إسرائيلي استهدف رفح الفلسطينية    يورو 2024، هالاند وألابا أبرز الغائبين عن كأس أمم أوروبا    كرة سلة - الكشف عن عدد الحضور الجماهيري لنهائي دوري السوبر بين الاتحاد والأهلي    أخبار الأهلي : من هو اللاعب السعودي خالد مسعد الذي سيُشارك الأهلي في مباراة اعتزاله؟    ضبط كيان تعليمى بدون ترخيص للنصب على المواطنين في سوهاج    رئيس الوزراء يستعرض مع مايا مرسي ملفات وأنشطة القومي للمرأة    بعد استدعائه للتحقيق، تفاصيل جديدة حول أزمة حفل مسلم بإحدي المدارس بالمحلة    المتحف القومي للحضارة يحتفل بذكري دخول العائلة المقدسة مصر    شاهيناز عن تعرضها لحادث خطير: ملهوش علاقة بخلع الحجاب (فيديو)    لمواليد برج السرطان.. توقعات الأبراج في شهر يونيو 2024 (التفاصيل)    بعد 5 أسابيع| «السرب» يتصدر شباك التذاكر ب37 مليون جنيه    6 شهداء بقصف للاحتلال على الزوايدة وحي الصبرة في قطاع غزة    ما جزاء من يقابل الإحسان بالإساءة؟.. أمين الفتوى يوضح    طريقة عمل دجاج كنتاكي المقرمشة، أحلى من المطاعم    وكيل «صحة البحيرة» يتفقد أعمال القافلة الطبية العلاجية بقرية بلقطر الشرقية    مصر تواصل تحركاتها لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى أهالي غزة    اليونيسف: تعطل توزيع المكملات الغذائية بغزة يهدد حياة أكثر من 3 آلاف طفل    أماكن صلاة عيد الأضحى في المحافظات 2024.. الأوقاف تعلن 6 آلاف ساحة    ينطلق السبت المقبل.. قصور الثقافة تعلن عروض المهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية    تعرف على سبب فشل زيجات نسرين طافش    وزير الداخلية يستقبل نظيره الكويتي لبحث سبل تعزيز التعاون الأمني بين البلدين (صور)    هل يجوز التضحية في بلد أفريقي لأنها رخيصة هناك؟.. عالم أزهري يجيب    تكبيرات عيد الأضحى مكتوبة.. «الإفتاء» توضح الصيغة الشرعية الصحيحة    تعرف على محظورات الحج وكفارتها كما حددها النبي (فيديو)    اللجنة العامة ل«النواب» توافق على موزانة المجلس للسنة المالية 2024 /2025    ذا هيل: تحالف كوريا الشمالية وروسيا قد يلحق ضررا ببايدن في الانتخابات الرئاسية    رئيس الشعبة بالغرف التجارية: مبيعات الأدوية تتجاوز 65 مليار جنيه خلال 5 أشهر من 2024    البنك التجاري الدولي يتقدم بمستندات زيادة رأسماله ل30.431 مليار جنيه    علاء نبيل يعدد مزايا مشروع تطوير مدربي المنتخبات    خاص رد قاطع من نادي الوكرة على مفاوضات ضم ديانج من الأهلي    «التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة التظلم للمتقدمين لمسابقة معلم مساعد    توني كروس يصل ل300 انتصار مع الريال بعد التتويج بدوري أبطال أوروبا    مفاجأة.. مدرب ليفربول يحسم مستقبل محمد صلاح    إصابة سائق إثر حادث انقلاب سيارته فى حلوان    محمد الشيبي.. هل يصبح عنوانًا لأزمة الرياضة في مصر؟    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل مسن في روض الفرج    تأجيل إعادة إجراءات محاكمة متهمين ب "جماعة حازمون الإرهابية" ل 2 سبتمبر    العمل: 3537 فُرصة عمل جديدة في 48 شركة خاصة تنتظر الشباب    الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه قرى وبلدات جنوبي لبنان    برلماني أيرلندي ينفعل بسبب سياسة نتنياهو في حرب غزة (فيديو)    مفتي الجمهورية: يجوز للمقيمين في الخارج ذبح الأضحية داخل مصر    وزير المالية: مشكلة الاقتصاد الوطني هي تكلفة التمويل داخل وخارج مصر    توجيه جديد لوزير التعليم العالي بشأن الجامعات التكنولوجية    وزير الإسكان ومحافظ الإسكندرية يتفقدان مشروع إنشاء محور عمر سليمان    تحرير 139 مخالفة للمحلات غير الملتزمة بقرار الغلق لترشيد الكهرباء    حفر 30 بئرًا جوفية وتنفيذ سدَّين لحصاد الأمطار.. تفاصيل لقاء وزير الري سفيرَ تنزانيا بالقاهرة    في زيارة أخوية.. أمير قطر يصل الإمارات    أمناء الحوار الوطني يعلنون دعمهم ومساندتهم الموقف المصري بشأن القضية الفلسطينية    توريد 125 طن قمح لمطحن الطارق بجنوب سيناء    غرفة الرعاية الصحية: القطاع الخاص يشارك في صياغة قانون المنشآت    تحرير أكثر من 300 محضر لمخالفات في الأسواق والمخابز خلال حملات تموينية في بني سويف    لتحسين أداء الطلاب.. ماذا قال وزير التعليم عن الثانوية العامة الجديدة؟    عمرو السولية يكشف طلب علي معلول في لقاء الجونة وما ينتظره من الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلة القدر.. 40 قولًا في موعدها
نشر في فيتو يوم 08 - 07 - 2015

لقد فضل الله بعض الأيام على بعض؛ ففضل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، وفضل بعض الشهور على بعض، ففضل شهر رمضان على سائر الشهور، وفضّل الله بعض الناس على بعض فقال تعالى: «وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ»، وقال سبحانه وتعالى: «فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً»، حتى الأنبياء أنفسهم وهم سادة البشر، فإن الله فضل بعضهم على بعض، فقال تعالى: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ»، وفضل الله بعض البلاد على بعض؛ ففضل مكة المكرمة على سائر البلاد؛ لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبًا مكة: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت»، كما فضل الله الآخرة على الدنيا فقال تعالى: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى»،
وفضّل بعض الزرع والفواكه على بعض، فقال تعالى: «وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغَيْرُ صِنْوَانٍ يُّسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ»، وفضل الله بعض الليالي على بعض؛ فجعل ليلة القدر خيرًا من ألف شهر من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وليلة القدر هي الليلة التي انزل فيها القرآن الكريم، وسُميت بهذا الاسم، لأنها ليلة ذات قدر، أي لها شرف ومنزلة حيث نزل فيها كلام الله، ولهذه الليلة فضل كبير، فقد فضّلها الله سبحانه وتعالى على سائر الليالي، يعطي الله مَن عَبَدَهُ فيها وعمل الخير ثوابًا عظيمًا»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه»، وفي هذه الليلة تتنزل الملائكة ومعهم جبريل عليه السلام على عباد الله المؤمنين يشاركونهم عبادتهم وقيامهم ويدعون لهم بالمغفرة والرحمة.
وقد بيّن الرسول عليه الصلاة والسلام أنّ ليلة القدر تكون في إحدى الليالي الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان. وقد اعتاد المسلمون الاحتفال بإحياء هذه الليلة المباركة في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان الفضيل.
يحيي المسلمون ليلة القدر بذكر الله تعالى وعبادته فيكثرون فيها من الصلاة وتلاوة القرآن الكريم وعمل الخير، ويدعو المسلم بما شاء من طلب الخيرات في الدنيا والآخرة لنفسه ولوالديه ولأهله وللمسلمين. وتقام ليلة القدر في المسجد ويجاز قيامها في البيت.
ومن فضائل ليلة القدر أنَّها ليلة مباركة نزل فيها القرآن الكريم على النبي ؛ قال تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ»، وقال تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، وقال تعالى: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ».
وعن ربيعة بن كلثوم قال: «سأل رجلٌ الحسن، ونحن عنده، فقال: يا أبا سعيد، أرأيت ليلة القدر؟ أفي كل رمضان هي؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، إنَّها لفي كل شهر رمضان، إنها ليلة يُفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله عزَّ وجلَّ كل خلق وأجل وعمل ورزق إلى مثلها».
وعن مجاهد في قوله تعالى: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»، قال: «إنَّ الله ينزل كلَّ شيء في ليلة القَدْر، فيمحو ما يشاء من المقادير والآجال والأرزاق، إلاَّ الشقاء والسَّعادة، فإنَّه ثابت، والعمل فيها خير من عمل ألف شهر؛ قال تعالى: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»، القدر أنَّ قيام ليلها سبب لغفران الذنوب؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله: «من قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه».
ومن حُرم أجر ليلة القدر فقد حُرم؛ فعن أنس بن مالك قال: دخل رمضان، فقال رسول الله: «إنَّ هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حُرمها، فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا مَحروم».
الملائكة تشارك المؤمنين
وتكونَ الملائكة في تلك الليلةَ أكثر في الأرض من عدد الحصى، ويَقْبَلُ الله التوبةَ فيها من كل تائب، وتفتح فيها أبوابُ السماء، وهي من غروب الشمس إلى طلوعها.
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ ابْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ خَرَجَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى رَجُلانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالتَمِسُوهَا فِي التِّسْعِ وَالسَّبْعِ وَالخَمْسِ»، فالتنازع والتشاجر سبب في رفع البَركة، وفي رفع الخير الذي يحدث لهذه الأمة.
40 قولا في موعدها
اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافًا كثيرًا، وقد أورد الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح» أكثر من أربعين قولًا فيها، منها أنَّها رُفعت، ومنها أنَّها في جميع السنة، ومنها أنَّها في جميع ليالي رمضان، ومنها أنَّها أول ليلة من رمضان، وأنها ليلة النصف، وأنها ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وسبع وعشرين وغير ذلك من الأقوال.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّه قال: كان رسول الله يعتكف العشر الوسطى من رمضان، فاعتكفَ عامًا حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج صبحها من اعتكافه؛ قال: «من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة، ثم أُنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر»؛ قال أبو سعيد الخدري، فأمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فَوَكَفَ المسجد، قال أبو سعيد رضي الله عنه فأبصرت عيناي رسول الله انصرف علينا، وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة ليلة إحدى وعشرين؛ ولهذا كان أبو سعيد يقول: إنَّ ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين؛ استنادًا إلى هذا الحديث عن النبي.
وعن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: قلت لرسول الله: «إنِّي أكون بباديتي، وإنِّي بحمد الله أصلي بهم، فمُرني بليلة من هذا الشهر انزلها إلى المسجد، فأصليها فيه، فقال: «انزل ليلة ثلاث وعشرين، فصلِّها فيه، فإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل، وإن أحببت فكف»، قال: فكان إذا صلى العصر، دخل المسجد، فلم يخرج إلا في حاجة حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح، كانت دابته بباب المسجد، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «تذاكرنا ليلة القدر، فقال رسولُ الله: «كم مضى من الشَّهر؟، قلنا: اثنتان وعشرون، وبَقِيَ ثمان، فقال: مضى اثنتان وعشرون، وبقي سبع، اطلبوها الليلةَ».
وعن زِرٍّ، قال: «قلت لأُبي بن كعب رضي الله عنه: أبا المنذر، أخبرنا عن ليلة القَدر، قال: فإن ابن أم عبد، يقول: مَن يقمِ الحول يصبها، فقال: رَحِمَ الله أبا عبد الرحمن، أما إنَّه قد علم أنَّها في رمضان، ولكن كره أنْ يُخبركم، فتتَّكلوا، هي -والذي انزل القُرآن على محمد- ليلة سبعٍ وعشرين، فقُلنا: يا أبا الْمُنذر، أنَّى علمتَ هذا؟ قال: بالآية التي أخبرنا النبي، فحفظنا وعددنا، هي والله لا نستثني، قال: قلنا لزِر: وما الآية؟ قال: «تطلع الشمس كأنَّها طاس، ليس لها شعاع».
والرَّاجح: أنَّها في العشر الأواخر من رمضان؛ فعن عائشةَ رضي الله عنهما قالت: كان رسولُ الله يُجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: «تَحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»، وعنها أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَحرَّوا ليلةَ القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان»، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: «ينبغي أنْ يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعها، كما قال النبي: «تحروها في العشر الأواخر»، وتكون في السبع الأواخر أكثر وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين، كما كان أُبَي بن كعب يحلف أنَّها ليلة سبع وعشرين.
ولا شك أنَّ الحكمةَ في إخفاء ليلةِ القدر أنْ يَحصل الاجتهادُ في التماسها وطلبها.
ليلة مُنيرة
وَرَدَ لليلةِ القدر علاماتٌ، منها أنَّها ليلة بلجة منيرة، وأنَّها ساكنة لا حارة ولا باردة، وأنَّ الشمس تطلع في صبيحتها بيضاء مستوية، ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر.
طلب العفو والعافية
سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها النبي: ماذا أقول إنْ وافقت ليلة القدر؟ قال لها النبي: «قولي: اللهم إنك عفوٌّ تُحب العفو فاعف عني»، وهو دعاء يجمع للإنسان خيري الدُّنيا والآخرة، بأنْ يسلم من البلاء في الدُّنيا، ومن العذاب في الآخرة، فإذا عُوفي الإنسانُ في دُنياه وآخرته، كان مآله إلى الجنة، فبالعافية تندفع عنك الأسقام، ويَقيك الله شرها، ويَرفعها عنك إن وقعت بك، وبالعافية يقيك الله شَرَّ ما لم ينزل من البلاء، وتستشعر نعمةَ الله عليك، وقد ثَبَتَ عن النبي أنَّه كان يسأل ربَّه العفو والعافية والستر والأمن والحفظ في كل يوم وليلة؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبحَ وإذا أمسى: «اللهم إنِّي أسألك العافية في الدُّنيا والآخرة، اللهم إنِّي أسألك العفو والعافية في ديني ودُنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك من أنْ أغتال من تحتي»، وأتى النبيَّ رجلٌ، فقال: يا رسول الله، أيُّ الدعاء أفضل؟ قال: «سَلِ الله العفو والعافية في الدُّنيا والآخرة»، ثم أتاه الغد، فقال: يا نَبِيَّ الله؛ أيُّ الدعاء أفضل؟ قال: «سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة،»، فإذا أُعطيت العافية في الدنيا والآخرة، فقد أفلحت».
هل ليلة الإسراء أفضل؟
سُئِلَ ابن تيمية رحمه الله عن رجل قال: ليلةُ الإسراء أفضل من ليلة القدر، وقال آخر: بل ليلةُ القدر أفضل، فأيُّهما المصيب؟ فأجاب: «الحمد لله، أمَّا القائل بأن ليلةَ الإسراء أفضل من ليلة القدر، فإنْ أراد أن تكون الليلة التي أُسْرِيَ فيها بالنبي ونظائرها من كلِّ عام أفضل لأمة محمد من ليلة القدر؛ بحيث يكون قيامها، والدُّعاء فيها أفضل منه في ليلة القدر - فهذا باطل، لم يقله أحدٌ من المسلمين، وهو معلوم الفساد بالاطراد من دين الإسلام، هذا إذا كانت ليلةُ الإسراء تُعرف عينها، فكيف ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها؟ بل النُّقول في ذلك مُنقطعة مُختلفة، ليس فيها ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنَّها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره، بخلاف ليلة القدر».
ليلة القدر وليلة النصف من شعبان
رُوي عن عكرمة رحمه الله أنه قال في تفسير قوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»، إنَّ هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان، يبرم فيها أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد، قال ابن كثير، رحمه الله، في تفسير قوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ»، يقول تعالى مخبرًا عن القرآن العظيم إنه انزله في ليلة مباركة، وهي ليلة القدر، كما قال عزَّ وجلَّ: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ»، وكان ذلك في شهر رمضان؛ كما قال تبارك وتعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ»، ومن قال: إنَّها ليلة النصف من شعبان، كما رُوي عن عكرمة، فقد أبعد النجعة، فإنَّ نصَّ القرآن في رمضان.
والحق أن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر، لا ليلة النصف من شعبان؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى أجملها في قوله: «فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ»، وبينها في سورة البقرة بقوله: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ»، وبقوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ»، فالادعاء بأنَّها ليلة النصف من شعبان ادعاء باطل؛ لمخالفته النص القرآني الصريح، ولا شك أنَّ كل ما خالف الحق فهو باطل، والأحاديث التي يوردها بعضهم في أنَّها من شعبان المُخالِفة لصريح القرآن لا أساسَ لها، ولا يصح سند شيء منها كما جزم به ابنُ العَربِي وكثير من المحققين، فعن أبن أبي مليكة قال: قيل له: إنَّ زيادًا النميري يقول: إنَّ ليلةَ النصف من شعبان أجرها كأجر ليلة القدر، فقال ابن أبي مليكة: لو سمعته منه وبيدي عصا، لضربته بها، فعلى المسلم العاقل أنْ يطلبَ ليلة القدر، ويَجتهد فيها قدر الإمكان؛ حتى يَحوز ذلك الفضل العظيم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اطلبوا الخير دهركم كلَّه، وتعرَّضوا لنفحات رحمة الله، فإنَّ لله عزَّ وجلَّ نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله عزَّ وجلَّ أنْ يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم»، وعن محمد بن مسلمة قال: قال رسول الله: «إنَّ لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها؛ لعله أنْ يصيبكم نفحة منها، فلا تشقون بعدها أبدًا»، فاللهم اجعلنا ممن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا من عتقائها يا ربَّ العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.