قتلوه بدم بارد وبلا رحمة واحتسبوه من شهدائهم ونعوه إلى الجنة التى يحملون توكيلاتها الحصرية أبو ضيف يمثل تاريخاً من الشجاعة والإقدام والعناد والثورة قتلوه بدمٍ باردٍ وبلا رحمةٍ أو رأفةٍ وبكلّ وقاحةٍ وبجاحةٍ واستعباط .. احتسبوه من شهدائهم، ونعوه إلى الجنة التي يحملون الآن التوكيلات الحصريّة لها، بينما قتلى الآخرين العلمانيين والليبراليين وشركائهم ففي جهنم والعياذ بالله، وكأنهم ليسوا من المصريين شركاء الوطن والمصير ....!!! الذين سرقوا الثورة، عادوا ليسرقوا الشهداء، ويتاجروا بهم في مزادات الإعلام الرخيصة، الدماء ما تزال على أيديهم، ودخان الغضب يخرجُ من أعينهم، ويغطّي ملامحهم الجامدة، لكنهم يستعيرون الدموع من شلالات كذبهم وينتحبون، هؤلاء الذين قال فيهم أحدُ الزجّالين : ياكلوا مع الدّيب ويجروا ... يبكوا مع كلّ راعي !! الدولة في غيبوبة تامة، راحت في سُباتٍ عميق، وبين إفاقةٍ وأخرى تقف لتتفرّج بعين كليلةٍ عن كلّ عيب، غابت وزارة الداخليّة وأغمضت عينيها عن كلّ الجرائم التي تُرتكب علنا، وفوّضت آخرين في أن يتقمصوا شخصيتها ويغتصبوا دورها ويقوموا بسحل الشرفاء وتعذيبهم وتسجيل اعترافاتهم، بعد أن ضبطوهم متلبسين بحيازة كراتين التفاح والعيش الفينو والجبنة النستو في وضح النهار !! وهذه الجرائم عقوبتها الإعدام طبقًا للقوانين الجديدة التي لم يعلم بها المعتصمون الأبرياء الذين ذهبوا إلى قصر السيد الرئيس ليقولوا له : نرجوك .. استمع إلينا ، فكان جزاؤهم القتل والتعذيب والسحل وانتزاع الاعترافات وتسجيلها لتسليمها إلى النيابة العامة، وللأسف ... خيّبت النيابة العامة ظنّ هؤلاء، وأفرجت عن كلّ المقبوض عليهم، ولكن ..هل تم القبض على الفاعل الأصلي، ذلك الذي خطط وحشدَ فحشرَ ونفّذ فاعتدى وأذى وسحل وعذّبَ وقتل ؟ إنّه فاعلٌ معلوم وليس مجهولا ككل مرّة، الفاعل المعلوم هذا هو الذي سعى لمحاصرة الأبرياء عند قصر الاتحادية، وأعلن زحفه المقدّس علنا من خلال أجهزة الإعلام، وبشفراتٍ متّفق عليها عبر الانترنت، وبالرغم من ذلك لم تتصدّ له سلطات الدولة، ولم تمنعه من إراقة الدماء على باب قصر الرئاسة، وتركته يزحف ويهاجم ويسحل ويعذّب ويقتل و...... يسرق الذين قتلهم ليعلن أنهم من شهدائه ، ثمّ يتواصل مسلسل الاستهتار والاستهزاء بالشعب بخروج الجنازة المهيبة للشهداء من الجامع الأزهر( ننحني احترامًا لكلّ شهدائنا ونبكيهم بدماء القلب، لكن الموقف يثيرُ علامات الاستفهام التي تبحث عن إجابة ) !! الدماء كلها مصريّة، وتستحق النحيب والندم، والحزن الذي سكن البيوت لن تطهره جنازة تخرج من باحة الأزهر الشريف وينقلها التليفزيون الرسمي على الهواء مباشرة مشفوعة بخطب التهديد والوعيد والقسَم على الثأر .. الثأر ممَّن لمَن ؟ لا نعرف !! كان الحسيني أبو ضيف يمثّل تاريخا من الشجاعة والإقدام والعناد والثورة، ظلّ يجري في مضمار الزمن وخلفه الشهادة التي نذر روحه لها ، لكنّه ما كان يتوقّع ، ولا يتمنّى، أن تكون على يد أخيه في الدين وفي الوطن وفي المسئولية والحاضر والمستقبل، لكنّ أخاه لم يعبأ بهذه المعاني الكبرى، نسيَ كلّ شيءٍ عندما رصده يقومُ بتسجيل جرائمه وخطاياه، فرماه من حيث لا يحتسب، ولو كان في قلبه شيء من الرحمة أو وازع من دين أو ضمير لرماه ما دام يصرّ في ساقيه أو في غير مقتل، ولكن كيف والقلم والكاميرا ارتكبا المعصية وسجّلا الجرائم ووثقاها ؟ عرَفَ طلاب جامعة أسيوط زميلهم الحسيني ثائرًا ومدافعا عن زملائه البسطاء والفقراء فيها من قبل أن يكونَ صحفيًّا، وتحدّى الجميع ووقف في وجه إدارتها عندما رفعت المصروفات وقاضاها ، وانتصر له القضاء وأعاد البسمة إلى شفاه قرنائه المطحونين، وفي أروقة كلية الحقوق قاد المظاهرات ضد المخلوع وولده الذي كان يستعد ليرثنا دولة ومواطنين ولم يخَفْ ولم يخْفِ رأسه في الرمال، كان شعوره بالضياع الذي يتربّص بنا يدفعه للمجاهرة بعداء الرئيس السابق وحاشيته وأمن دولته وماسحي أحذيتهم ومنافقيهم، بينما كان قاتلوه يتخفّون في الظلمات ويبحثون عن توطؤات ومقايضات ومنافع شخصيّة آنيةٍ زائلة، كانت روح أبو ضيف الثائرة تقوده إلى حيث يكون المحتاجون إلى صوته وأفكاره وشجاعته، شاب يحمل في تركيبته كلّ مقومّات الشخصيّة المصرية في أرقى تجلياتها وعنفوانها، وعندما أنهى دراسته حمل عصاه من طما ( محافظة سوهاج ) قاصدا العاصمة التي ربّما تتسع لأفكاره، أو تعطيه الفرصة في مواصلة الدفاع عن طموحاته وأحلامه لأبناء وطنه، وكان أن وجد لقلمه مكانا بصحيفة « الفجر « ذات الأظافر الطويلة ، ومنها بدأ صوته يخرجُ في مدارات أوسع تاركا خلفه أصداؤه التي لا تكف عن الدوران، وأصبح وجهاً مألوفاً في كلّ المظاهرات والوقفات التي تنادي بالحريّة لهذا الشعب العظيم ، وعندما وجد القلم غير كاف أضاف إليه سلاحه القاتل : الكاميرا ، تلك الناطقة بالحقّ من غير كذب أو تلفيق ، حملها على صدره وهو لا يدري أن حتفه يختبئ فيها، ومنذ اللحظة الأولى في ثورة الخامس والعشرين من يناير المسروقة كان في طليعة المرابطين في ميدان التحرير حتى تحقق الهدف الأول الذي قامت من أجله الثورة وهو خلع النظام المستبد الذي أودى ببلادنا . لم يغب الحسيني عن المشهد، ظلّ يركض بين الميادين كحصان جامح يبحث عن الحلم الذي استيقظ في منتصفه مثل الملايين المضحوك عليهم من أبناء هذا الشعب، لم يتخلف الشهيد البطل عن أية موقعة، حتى عندما احتُجزت الصحفية الشابة شيماء عادل في السودان ( الشقيق ) قاد وقفة احتجاجية من أجل حريّتها، وأضرب عن الطعام في مبادرة بطولية، وكان نعم السند لأسرتها التي لا يعرفها حتى انتهت المحنة . لم يُخف الحسيني انتماءه الناصري، وكتاباته المنتشرة بالانترنت تجاهر بعدائه لجماعة الإخوان المسلمين، تويتر والفيس بوك ومدونته التي لم ينتبه إليها كثيرون، وبالرغم من ذلك احتسبوه من شهدائهم الأبرار، في تقسيم مرفوض وممقوت، فالدم الإخواني أخو الدم الليبرالي والعلماني والمسيحي والمعارض كيفما كان شكله ما دام مصريّا، لكن الإخوان المسلمين وكلّ الذين يتمسّحون في الدين ويرتدون عباءته ويحملون صكوكه ( بلا أي حق ) يقولون على الملأ: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار !! مصر العظيمة تتلوّى وتتضوّر حزنا على أبنائها الذين يتساقطون في ميادينها بأيدي إخوتهم الأعداء ( أيًّا ما كان انتماؤهم أو صفاتهم ) يصرّ إخواننا في الدين والوطن على تمزيق الخريطة وتقطيعها إلى عشرات القطع، ويحشدون ويزحفون من أجل تأييد الرئيس الشرعي الذي تحميه شرعيته ، وتحميه مؤسسات الدولة المسؤولة عن ذلك، وفي الدول المحترمة التي يسود فيها العقل والعدل والقانون وهذه الأشياء الغريبة التي لا عهد لنا بها، لا ينزل المؤيدون إلى الشوارع والميادين ، إنما ينزلُ المعترضون ولو كانوا على خطأ تحت حماية مؤسسات الدولة ذاتها التي تحمي السيّد الرئيس، وتحمي السيّد غير الرئيس، فإذا جاز الاستثناء، طبقا لقوانين الدول المهترئة، وسُمح للسادة المؤيدين بأن يتظاهروا ليعربوا عن تأييدهم، فإن ذلك يكون مشروطا بعدم الاقتراب من الأماكن التي يتجمّعُ فيها الرافضون والمعترضون حتى ولو كانوا أمام القصر الجمهوري وعلى أعتاب السيّد الرئيس، فهذه مهمة آخرين كما قلنا ونعني بهم رجال الشرطة ويؤازرهم رجال الحرس الجمهوري ، وإذا كان القصر الجمهوري يمثّل هيبة الدولة وواجهتها، فإن المحكمة الدستورية أيضا تمثّل واجهة أخرى نتباهى بها أمام الدنيا التي وضعتها ضمن أوائل المؤسسات النزيهة في العصر الحديث، وهذا الخطأ الذي وقعت فيه قيادات الإخوان، وتغاضت عنه مؤسسات الدولة يجعل الجميع مسئولين عن كل تداعيات هذا الزحف سواء ما حدث من قتل وتعذيب وإرهاب على باب القصر، أو ما حدث في كل المدن والمحافظات من حرق وتخريب ( مرفوض رفضا باتّا ) واعتداءات سالت فيها دماء طاهرة وبريئة، وأُنفقت فيها الملايين، واسودّ بها وجهنا أكثر وأكثر أمام متفرجي الكرة الأرضية، وبينهم كثيرون نتسوّل منهم القروض والمنح والإعانات، أو نبوس أقدامهم من أجل الاستثمار أو السياحة ! تناسينا وعود المائة يوم، وتفرغنا لمعارك جانبية يصنعها الكبار لإلهائنا، وعندما يتساقط الشهداء يسارعون بالبكاء والنحيب ويذرفون الدموع وهم يصلّون عليهم، وأتساءل : وهل تجوز الصلاة إذا كان الوضوء بالدم .. دم هؤلاء الشهداء أنفسهم، ودم الذين لم يلحقوا بهم من الأبرياء المصابين ؟ في رقبة مَن كلُّ هذه الدماء أيّها المتباكون عليها؟ وكيف تستجدون الآخرين ليمنحوكم «حسنة صغيرة» وأنتم تعطلون مؤسسات الدولة وتربكونها وتخسفون بالقوانين الأرض ؟ وأيُّ سائحٍ أهبل سيصحب أهله وذويه ويأتي إلينا آمنا ونحن على الهواء مباشرة نقتلُ أنفسنا بأيدينا ؟ كيف ولماذا وأين ومتى ........ إلى آخر ما في باب الاستفهام، وأتحدّاكم لو جئتمونا بإجابة واحدة يصدّقهاالعقل . الحسيني أبو ضيف لم يمت، الذي مات هم قاتلوه وسارقو مجده، الحسيني رحلَ جسدا وترك صوته مسافرا في القادمين على هذه الأرض نورًا ونارًا ووقودا لثوراتهم التي ستندلع ضدّ ظالميهم وسارقيهم ، ترك نظراته الهازئة مغروسة في أعين قاتليه تطالعهم بالخزي كلما نظروا في مرايا أنفسهم ، الضوء لا يموت أبدًا ، بينما الظلام جبان هشّ .. يرتعد ويفزعُ وينكمش ويتراجع بمجرّد رؤية أي شعاع ، وما أقساه إذا كان شعاع الحريّة والكرامة !!