ليس من سمع كمن رأى، و«فيتو» زارت منزل الرئيس الدكتور محمد مرسى بالعدوة،فى محافظة الشرقية،وقضت مع شقيقه «سعيد»،عدة ساعات،تحدث فيها شقيق الرئيس،بعفوية وبساطة لافتتين،عن الماضى والحاضر والمستقبل،من وجهة نظره. ربما لأن «سعيد العياط»،صاحب ال 53 عاما، والذى يعمل مشرفا بمديرية الاسكان بالمحافظة ،وله من الأبناء خمسة، لم ينخرط يوما فى جماعة الإخوان المسلمين،فهو مازال محتفظا ب«براءة وطُهر ونقاء أبناء الريف»،الذين لم يتدنسوا بأوزار السياسة،وقُبح التنافس على مصالح زائلة،ولذا فإن حديثه البسيط،بدا كماء يجرى فى غدير،أوطير يسبح فى فلك السماء. اتصلتُ ب«الباشمهندس سعيد»،هكذا ينادونه, رغم حصوله على شهادة «دبلوم الصنايع» فقط،الأسبوع الماضى،لأتحرى منه عن صحة ما نشرته مواقع ألكترونية ،عن وفاة شقيقته،فنفى الخبر،وقال:إنها تعافت،فاستأذناه فى زيارته فى منزله،فرحّب بنا،وأحسن استقبالنا. فى الموعد المحدد وصلت إلى منزل عائلة الرئيس،.. بيت ريفى شديد البساطة،اصطحبنى الرجل إلى غرفة استقبال الضيوف،ولم تمر دقائق،حتى أحضر أحد أبنائه،أكوابا من عصير «المانجو»،قبل أن نخوض فى حديثنا.. - رغم أننى من أبناء الشرقية، وأدرى طبائع أهلها، التى لا تخرج عن البساطة والكرم، والمجاملة وحلو الحديث،وخفة الظل،ومكرالفلاحين أيضا،إلا أننى كنتُ أخشى أن يكون مُضيفى، تأثر سلبا،بصعود شقيقه الأكبر، إلى سُدّة حكم البلاد والعباد، والحمد لله أن خيّب الرجل ظنى،فلم يبدُ فجا غليظ القلب كالإخوان، أو كأقارب أصحاب النفوذ والسلطان، كان من الطبيعى، أن أستهلّ حديثى مع «سعيد العياط»، بتجديد الاطمئنان على آخر تطورات حالة شقيقته الصحية،فأكد أنها بخير،وستعود إلى المنزل خلال ساعات.. فرحان بشقيقه رأيتُ الباشمهندس،مبتهجا سعيدا،سألتُه:فيمَ ابتهاجك وسعادتك،أدامهما الله عليك؟ أجابنى :«مبسوط»،لأن الدكتور مرسى أبهر العالم بخطابه أمام مؤتمر قمة عدم الانحياز فى طهران،وعبر فيه عن موقف مصر القوى،من قضايا المنطقة،مثل:الأزمة السورية،كما أن زيارته للصين جاءت مثمرة. قلتُ:هذا رأيك، وقد يختلف مع رأى غيرك،فقاطعنى مبتسما: دعنا نتذكر قول الإمام الشافعى ،ونعمل به، ونتخذه منهجا فى حياتنا،وهو:«رأى صحيح يحتمل الخطأ،ورأي غيرى خطأ يحتمل الصواب». قلتُ:اتفقنا، ولكن الإخوان،الذين ينتمى إليهم شقيقك،لا يعترفون إلا بآرائهم،ويصادرون على الآخرين،مجرد الحق فى التعبير عن آرائهم،فقاطعنى مجددا:أولا،أنا لا أنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين، وثانيا: شقيقى لا يتبنى هذا المنهج، وصدره يتسع دائما لآراء غيره،وثالثا: لا أحد يمتلك الحقيقة وحده، ومن يتوهم ذلك فهو مخطئ.. سألتُه:هل تشعر بالفخرلأنك شقيق الرئيس؟ التفت إلىّ ثم صمت برهة،قال بعدها:سعادتى بوصول «شقيقى» إلى منصب الرئيس منطقية،ولكن أزعم أن ذلك لم يغير من سلوكياتنا أو تصرفاتنا شيئا،لأن المناصب زائلة،ولا يبقى سوى رضا الله وحب الناس،وهذا ما يجب أن يؤمن به الرئيس وكل صاحب سلطان! قلتُ: إذن هل تتعرض لأعباء معينة من جيرانك وزملائك بالعمل،بعدما أصبح شقيقك رئيسا؟ أجابنى:بالفعل ، يتوافد العشرات علي منزلنا لطلب وظائف وحل مشاكلهم ، ولكنى أوجههم إلى ديوان المظالم ،ولم أنقل للرئيس شكاوي أو مطالب ، طالما أن هناك قناة شرعية لهذا الغرض. أدهشتنى بساطة الرجل المفرطة،حتى أننى بدأتُ أعيد التفكير فى ترتيب أولوياتى فى الأسئلة،وحذفتُ بعضا منها،احتراما وتقديرا لمضيفى.. الجماعة ليست معصومة من الخطأ فى هذه اللحظة،حمل إلىّ الرجلُ بنفسه كوب عصير المانجو،وقال:«اتفضل العصير»،فتناولتُه منه،وارتشفتُ منه عدة رشفات،ثم سألتُ الباشمهندس :ما تقييمك للهجوم المتدفق،على جماعة الإخوان المسلمين فى وسائل الإعلام؟ صمت قليلا، ثم قال: والله، أعتقد أنه هجوم مبالغ فيه،وليس له على أرض الواقع ما يبرره.. قاطعته:كيف،وهناك ممارسات إخوانية كثيرة، لا يمكن غض الطرف عنها؟ اعتدل الرجل فى جلسته،بعدما كان متكئا،ثم قال:معظم ما ينشر فى الصحف عن الجماعة،«صحته منقوصة»، وأضرب لك مثلا قريبا،وهو ما نُشر عن وفاة شقيقتى. قلتُ:أنا قصدتُ ممارسات الجماعة،وليس أخبارا،قد تصح أو تكذب. فعقّب قائلا:حتى لو أنك تتحدث عن ممارسات معينة،فلا تنس أن الجماعة حديثة عهد بالعمل السياسى،ومن الوارد أن تصيب وتخطئ. قلتُ: لا أحد،بطبيعة الحال،معصوم من الخطأ،ولكن هناك فارقا بين الخطأ المقصود وغيرالمقصود،فضلا عن أن الكذب والغدر والوصولية،كلها صفات إخوانية تاريخية.عندئذ امتعض الباشمهندش من قولى،ثم أردف: هذه اتهامات،لا دليل عليها، ولا يرددها سوى الفلول. فى هذه اللحظة التزمتُ الصمت قليلا،ثم سألتُ مضيفى فى هدوء:هل اعتبر كلامك اتهاما شخصيا لى بأنى «فلول»،وهل كل من ينتقد الجماعة يصبح «فلولا»؟ استشعر مضيفى غضبى من رده السابق،فاعتذر،ثم استطرد:أنتم تتعجلون الحكم على الأشياء،وهذا ليس طيبا،عليكم أن تمنحوا الجماعة وقتا كافيا،قبل أن تصدروا أحكامكم بالفشل عليها.. قلتُ: لا ضير،ولكن شقيقك هو الذى وعد المواطنين بإصلاح كثير من أحوالهم خلال مائة يوم، ورغم مرور أكثر من 60 يوما،إلا أن شيئا لم يحدث، فقاطعنى:اصبروا قليلا، وكثيرمن أحوالنا سوف تتحسن،خاصة أن شقيقى سوف يقاوم كل مظاهر الفساد ، ولن يسمح بتفشى الفساد وإهدار المال الذى كان قائما من قبل.. الريس أعلم برجاله قلتُ:ولكن شقيقك يعين الإخوان فى المناصب القيادية البارزة،وبرز ذلك مثلا فى تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان؟ أجابنى شقيق الدكتور مرسى: الرئيس أدرى بهذه التفاصيل،ومن المؤكد أنه يريد أن ينجح،ومن حقه أن يستخدم وسائل وأدوات تعينه على هذا النجاح.. وقبل أن أنطق بالسؤال التالى،قاطعنى الباشمهندس مؤكدا: «على فكرة»، الجماعة لا تبغى سوى وجه الله، وتعمل على خير مصر، لأن ماكان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل، فتبسمتُ ضاحكا من قوله،ثم أردفتُ:هم يقولون ذلك أيضا،لكن مضيفى قاطعنى مجددا بقوله:» يكفي أن الرئيس مرسى حوّل مصر، من دولة عسكرية ، الي دولة مدنية ،وسوف يسلمها مدنية، لمن يأتي بعده». حاول «الباشمهندس» أن يخفف من أجواء الحوار، فدعانى إلى أن أتناول معه «الغداء»، فشكرتُه، وتواصل الحوار، لننتقل بعد ذلك،إلى محور مهم، وهو عدم إيمان الجماعة بحرية الرأى، فعقّب قائلا: هذا غير صحيح،فالمعارضة يجب عليها أن تستغل الظروف الحالية،وأن تقوم بدورها على أكمل وجه، ولا تأنس إلى محاولات استمالة أو تخويف من أحد.. وجدتُ الفرصة سانحة لى هذه المرة لأقاطعه مؤكدا،أن التخويف والاستمالة والتفخيخ،أصبح يأتى من داخل الجماعة، فسألنى :كيف؟ فأجبتُ: الجماعة هى التى تسللت إلى حركة «6 أبريل»،ونجحت فى تفكيكها،وتنتهج نفس المنهج،مع كل الحركات الفاعلة،وعندما تفشل،تحرض شبابها على شتم المعارضين عبر الفضاء الألكترونى،ولم يشأ أن يعقب هذه المرة على قولى! ويرى شقيق الرئيس أن النظام السابق ظلم الإخوان المسلمين،عندما منعهم من الالتحاق بالقوات المسلحة،نافيا أن يكون من بين قياداتها أو أبنائها، منتمون للجماعة، متسائلا :الإخوان كانوا محرومين من الالتحاق بالوظائف الحكومية البسيطة ،مثل :التدريس»،فكيف يلتحقون بالجيش؟ عكاشة أهاننا فكرتُ فى أن أخفف حدة الحوار،فانتقلت إلى أزمة شقيقه مع الإعلامى «توفيق عكاشة»، ففاجأنى بقوله: كنتُ من المتابعين لبرنامج «عكاشة»، لكنه سرعان ما تحول إلى سب شقيقى، كما أهاننى، ورغم ذلك لم نقاضيه،ولكن أحد المحامين هو الذى تطوع بمقاضاته، بدعوى إهانته رئيس الجمهورية والتحرض على قتله،كما أننى اكتشفتُ قبل ذلك أن «عكاشة» كان من أبناء الحزب الوطنى المخلصين، قلتُ:إذن أنت تعتبر كل من تعاون مع النظام السابق غير جدير باحترامك،فقاطعنى :هذا غير صحيح، وأخى نفسه لا يؤمن بذلك،بدليل أنه استعان بقيادات تنفيذية عملت مع النظام السابق، مثل:الدكتور عبد القوى خليفة، الذى صار وزيرا للمرافق، بعدما كان محافظا للقاهرة.. وسوس إلىّ الشيطان، بأن أكشف له حقيقة قصة تعيين «خليفة» وزيرا، وكيف أن الأمر انطوى على مجاملة ،لأسباب عائلية جدا، غير أنى التزمتُ الصمت، لأن تلك الصفقة معروفة للقاصى والدانى،ونشرتها «فيتو» على صدر صفحتها الأولى،وبعدها بأسبوع أعادت الزميلة «الفجر» نشرها.. فى هذه اللحظة جدد مضيفى،الاتصال بإدارة المستشفى للاطمئنان على شقيقته، فأكد محدثه أنها تعافت، ويمكنها أن تعود الليلة إلى منزلها،فتهلل وجهه وانفرجت أساريره. قلتُ : هل تضررت فى عملك من قبل لكونك شقيقا لقيادة إخوانية بارزة؟ فأجاب:يعلم الله أنى حُرمتُ من «العلاوة التشجيعية»، على مدار 24 عاما لهذا السبب،ورغم ذلك صبرتُ،حتى صار العسر يسرا.. أكاذيب قلتُ:نُشر فى الآونة الأخيرة، أن الجهات المعنية جلبت لعائلة الرئيس، هنا، محول كهرباء خاصا، حتى لا تنقطع الكهرباء عنكم مثلما كان يحدث مع عموم المصريين فى شهر رمضان،فما صحة ذلك؟ بانفعال قال مضيفى: يعلم الله أن كل ما نشر فى هذا السياق غير صحيح،فالكهرباء كانت تنقطع عن منزلنا ساعات طويلة، وأتذكر أيضا أن بعض الصحف نشرت أيضا أن الرئيس زارنا فى أول أيام شهر رمضان، وسط استعدادات خاصة من المحليات، وهذا لم يحدث، فشقيقى لم يزرنا منذ أن أصبح رئيسا.. قلتُ:تقصد أن تقول إن الدكتور مرسى قاطعكم مثلا؟ فابتسم نصف ابتسامة،ثم قال:أنا لم أقل هذا، الرجل مشغول بارتباطات كثيرة،ولا يملك وقته،ولكنه يعوض ذلك بالاتصال تليفونيا بى كثيرا،ليسألنى عن جميع تفاصيل حياتنا، وليطمئن علي الصغير والكبير، ويستفسر عن أحوال أشقائه الخمسة. قلتُ: وهل قام شقيقك بتغيير رقم هاتفه المحمول؟ أجابنى :لا، قلتُ:وهل تغير طبعه،قال: ذكرتُ لك أنه لم يزرنا منذ توليه رئاسة مصر،لكنى التقيتُه عندما زار شقيقتنا «الحاجة فاطمة»، فى مستشفى الزقازيق العام،فوجدتُه أكثر حلما وهدوءا وتواضعا.. قلتُ:ولماذا لم تزره أنت ؟ فقال: زرناه فى منزله مرة واحدة، وليس فى مكتبه بقصر الاتحادية،كما نشرت بعض الصحف.. سألتُه:ما رأيك فى الاتهامات الموجهة لشقيقك بأنه أطلق سراح عدد من الإرهابيين،الذى نفذوا فور مغادرتهم السجن، مذبحة رفح؟ أجابنى:هذا كلام مرسل، وغير مقبول، ولا ينبغى تصديقه، هل تعتقد أن سجينا، يرتكب مثل هذه الكارثة، فور إطلاقه؟ هذه كلام لا يجب ترويجه أو تصديقه.. المحافظ باع إدارة بلبيس التعليمية سألتُه عن رأيه فى موقف محافظ الشرقية السابق الدكتور عزازى على عزازى بعد فوز شقيقه برئاسة مصر؟ أخذ الباشمهندس «نفسا طويلا»،ثم قال:الدكتور عزازى،كان يُصدّر الأزمات للحكومة،وكان يمنح التأشيرات دون دراسة،حتى أن أحد المواطنين راهن عددا من أصدقائه على الحصول علي تأشيرة بشراء ادارة بلبيس التعليمية، وكسب الرهان! فى هذه اللحظة، نظر الباشمهندس سعيد العياط، إلى ساعته مليا، ففهمت أنه قد يكون مرتبطا بموعد ما فسألتُه، فأجابنى:سوف أذهب إلى المستشفى لإحضار شقيقتى، فحمّلتُه سلامنا إليها، وعرض علىّ، أن يصطحبنى فى طريق عودتى، فشكرتُه، وافترقنا على موعد بلقاء آخر..