بعد استقالة محافظ الشرقية د. عزازى على عزازى من منصبه، معلنًا أنه لن يعمل فى حكومة يقودها «الإخوان المسلمون»! توقفت متأملاً التوقيت الذى اختاره الرجل بشجاعة لم تتوقف عند الاستقالة!، فقد طالعت الحوار الذى نشرته «الوفد» مع عزازى وأجراه الزميل سامى الطراوى، وقد أفاض عزازى فى هذا الحوار حديثاً عن تجربته مع «الجماعة» فى محافظة الشرقية!، بما أقنعه بأن التعاون بينه وبين حكومة على رأسها «هؤلاء» يجعله يخسر نفسه والرجل يأبى هذه الخسارة!، ويصرح بما صرح به فى الحوار، بالإضافة إلى حوار آخر طالعته بين عزازى والإعلامى اللامع عمرو الليثى وقال فيه عزازى الكثير عن تجربته مع «الإخوان»!، التوقيت الذى اختاره الرجل استوقفنى كما قلت لأن قولة «لا» توقيت إطلاقها من الأهمية البالغة!، ثم هو يرفض مستقيلاً أن يستمر محافظاً ولم يكن قد مضى على اختيار الرئيس الجديد محمد مرسى رئيسًا للجمهورية وقد جاء من رحم «الجماعة» وحزبها ساعات!، وقد صرح عزازى بقولته مجاهراً بما قرره مسبباً رفضه بأسباب عديدة وجيهة شتى!، ودون أن يتحسب أو يتلفت! وفى ظل هذا الموقف «المحترم» للمحافظ عزازي، عادت بى الذاكرة إلى راحل كبير هو المفكر الكاتب الأكاديمى د. فؤاد زكريا، الذى تحسب له ذاكرة جيلى وأجيال تالية استقامة ونصاعة فكره مما ضمه إلى مصاف «المعلمين» الكبار الأوائل، وتوقفت عند «لا» التى قالها فى توقيت حرج كان يجعل الكثير من غيره فى باقة النخبة المثقفة لم تجعلهم يجهرون بالرفض إلا بعد رحيل العهد الذى عاشوا خداماً له مروجين لسياساته خير أعوان لصاحبها!، فقد حكى لى المثقف الكبير الراحل د. ثروت عكاشة - وكان من خيرة الصادقين بلا افتعال أو ادعاء رحمه الله - أنه لما انتهى من استكمال إنشاء أكاديمية الفنون إحدى مفاخره فى وزارة الثقافة وكان وقتها وزيراً لها، راح يفكر فى الشخص الذى ينبغى أن يكون من طراز ثقافى رفيع لكى يتولى رئاسة الأكاديمية، وقد انتهى ثروت عكاشة إلى اختيار د. فؤاد زكريا - وكان أستاذاً بالجامعة وقتها - رئيسًا للأكاديمية، حيث أرادها ثروت عكاشة صرحاً تعليمياً ثقافياً فنياً يقدم لمصر أجيالاً من الموهوبين فى الفنون وثقافتها، وهنا كان لابد لثروت عكاشة من الإسراع فى مفاتحة د. فؤاد زكريا فى الأمر، فدعاه إلى مكتبه كى يأخذ رأيه فيما استقر أمره عليه. وفى الجلسة التى انعقدت بين الرجلين راح ثروت عكاشة يستعرض أمام فؤاد زكريا أهمية الأكاديمية فرحاً باستكمال إنشائها، ولأنه يريدها صرحاً حقيقياً تقوم فيه الدراسة على أسس علمية، ولأنه يعلم اهتمامات د. فؤاد زكريا بالموسيقى العالمية وتأليفه فى دراساتها، فقد رأى أن رجاءه فى د. فؤاد لن يخيب، عندما أراد منه أن يقبل رئاسة الأكاديمية التى يثق فى أن فؤاد زكريا لن يبخل عليها بجهوده ووافر علمه، وعندما أنهى د. ثروت عكاشة حديثه بهذا الطلب لفؤاد زكريا فوجئ ثروت عكاشة بالدكتور فؤاد يعتذر فى حزم لثروت عكاشة عن قبول المنصب المعروض عليه شاكراً له ثقته به!، وأمام هذه المفاجأة كان لابد للدكتور ثروت أن يستفسر من د. فؤاد زكريا عن أسباب اعتذاره والمنصب «أكاديمي» بالدرجة الأولى، ساعتها لم يتردد فؤاد زكريا فى ذكر أسباب اعتذاره التى ركزت فى سبب واحد كان هو المفاجأة بحق!، إذ قال فؤاد زكريا: «أنا لا أتعاون مع حكومة عسكرية»! وقال لى د. ثروت عكاشة إنه فوجئ بما قال د. فؤاد زكريا!، فهذا آخر ما خطر على باله وهو يستمع إلى الدكتور فؤاد الذى قطع بأنه لن يقبل بأى حال من الأحوال هذا المنصب أو غيره فى ظل حكومة عسكرية!، ثم انصرف د. فؤاد بعد ذلك شاكرًا للدكتور ثروت عكاشة ما عرض متمنياً له التوفيق فى اختيار كفاءة أخرى لتولى رئاسة أكاديمية الفنون!، وهذا ما حدث بالفعل بعد ذلك إذ اختار ثروت عكاشة واحداً من أشهر أساتذة علم النفس فى مصر والعالم العربى د. مصطفى سويف الذى وافق على تولى رئاسة أكاديمية الفنون. أحببت أن أحكى هذه الحكاية عن الراحل المحترم فؤاد زكريا وهو يقول «لا» زمن سلطة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذى لم يكن يقبل اعتذاراً عن مهمة لمصر أو استقالته منها!، ولأن ما حدث بين ثروت عكاشة وفؤاد زكريا كان بين رجلين نبيلين، فإن ثروت احتفظ بحكاية الاعتذار عن المنصب الذى عرضه على فؤاد زكريا!، واحتفظ لنفسه مؤكداً نبالته بالسبب الذى أبداه فؤاد زكريا للاعتذار! فلم يبح به لرئيس الدولة وقتذاك صاحب الحكم المطلق!، وإلا.. لكان قد جد فى الأمر أمر آخر!، لكن تبقى مع النبالة شجاعة الرجال فى الرفض وتوقيته وشجاعة صاحبه، وهو ما كان من فؤاد زكريا وعزازى على عزازى محافظ الشرقية المستقيل.