يواجه الرئيس السوداني عمر البشير موقفًا حرجًا على المستويين الإعلامي والدبلوماسي، أكثر من الموقف الجنائي؛ بسبب توقيفه من قبل المحكمة الجنائية الدولية بجنوب أفريقيا، حال مشاركته في القمة الأفريقية المنعقدة هناك، وإصدارها أمرًا بمنع مغادرته جوهانسبرج؛ لحين النظر في الجرائم المنسوبة إليه. ويرى العديد من المراقبين أن جماعة الإخوان، التي لها نفوذ قوي في جنوب أفريقيا، تخلت عن «البشير»، الذي كان يوصف ب«الابن المتمرد»، وقاد انقلابًا لصالحها، عندما كان ضابطًا في الجيش السوداني.. لكن ما أن وصل إلى الحكم حتى انقلب على جماعته. «البشير» وصل إلى حكم السودان بعد أن قاد انقلابًا عسكريًا لصالح «الجبهة الإسلامية القومية»، المعبرة عن جماعة الإخوان المسلمين في السودان، وقائدها الدكتور «حسن الترابي» -الذي صار لاحقًا شريك البشير في السلطة- على حكومة الأحزاب الديمقراطية برئاسة رئيس الوزراء في تلك الفترة الصادق المهدي، حيث تولي وقتها منصب رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني في 30 يونيو 1989. حاول «البشير» في بداية حكمه إرساء قواعد «الحكم الإسلامي الشمولي»، إلا أنه بعد ذلك حاول الابتعاد عن الإسلاميين المتشددين وتحسين علاقاته مع جيرانه والمجتمع الدولي، وإقامة شراكات اقتصادية مع الخليج ودول آسيا وخصوصا الصين أول مستورد للنفط السوداني إلا أنه جدد مقارعته للغرب بعد صدور مذكرة التوقيف الدولية بحقه. شهدت سنوات حكم البشير، محاولات عديدة للانقلاب عليه، أبرزها «انقلاب رمضان» عام 1990 بقيادة الفريق خالد الزين نمر، واللواء الركن عثمان إدريس، واللواء حسن عبد القادر الكدرو، والعميد طيار محمد عثمان كرار حامد، ولكن الانقلاب فشل كليًا، وألقي القبض على 28 ضابطًا، وأعدموا في محاكمات. وفي 14 يوليو 2008 أصدر المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو مذكرة توقيف بحق البشير في قضية دارفور وذلك لاتهامات بأنه ارتكب جرائم حرب في إقليم دارفور، والذي أسفر عن مقتل 300 ألف شخص حسب تقارير للأمم المتحدة، وطلب تقديمه للمحاكمة وهي أول مرة يتهم فيها رئيس أثناء ولايته، بالرغم من أن السودان غير موقع على ميثاق المحكمة، ووقتها وصفت الحكومة السودانية الاتهام بأنه «استهدافًا لسيادة وكرامة وطنهم» وأنها محاكمة «سياسية فقط وليست محكمة عدل» واتهمت المحكمة بازدواجية المعايير. وأحال مجلس الأمن قضية دارفور في 2005 إلى المحكمة الجنائية، حيث واجهت البشير ب5 تهم تحت بند «ارتكاب جرائم ضد الإنسانية» و3 جرائم تتبع بند «الإبادة» وتهمتي «جرائم حرب». وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 2009 و2010، مذكرتي جلب بحق الرئيس السوداني حسب معاهدة روما، التي أنشأت هذه المحكمة، ولم يوقع عليها السودان. وفي 9 مارس الماضي، سلمت محكمة الجنايات الدولية ملف الرئيس السوداني عمر البشير لمجلس الأمن، بعد رفض الخرطوم تسليمه بناء على مذكرتي جلب بتهم إبادة وجرائم حرب في دارفور غرب السودان. وفي تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» في 2009، أفادت بحسب ريتشارد ديكر مدير برنامج العدل الدولي في "هيومن رايتس ووتش"، بأن إثبات اتهامات الإبادة الجماعية أمر صعب للغاية، لكن الرئيس البشير ليس بمعزل عن المحاسبة، إذ أنه مطلوب للعدالة في تورطه في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، تشمل الاغتصاب على نطاق موسع، والقتل والتعذيب ضمن مخطط الحكومة.