أذواق المصريين تتغير من وقت لآخر, فما نحسبه اليوم ميزة, ربما بالأمس كان نقيصة، وربما فى الغد يراه أحفادنا عيبا, وقبل عقود كان جمال المرأة يقاس بالوزن, فتعريف «المزة» فى عشرينيات القرن الماضى , مثلا, إنها تلك الفتاة البضة عظيمة اللحم والشحم.. وهكذا كان الحال بالنسبة للرجل, فمن استوت بطنه وبرزت عضلاتها إنما هو «واحد هفأ» لا يساوى سحتوت فى سوق الرجال.. تنفر منه الفتيات ولا تقبله الأسر العريقة زوجا لواحدة من بناتها.. أما من ظهر كرشه وعلت بطنه, فهو الميسور المنصور ابن الذوات وساكنى القصور, فما دهن البطن والأرداف إلا دليل على طيب عرقه وعراقة أصله, فالفقير المعدم غذاؤه من ملح ومش ماركة احرق قلبك, أى طعام لا يسمن ولا يغنى من جوع, أما الغنى فرجل أكل وتغذى على لحم وأرز وطواجن يسيل منها الزبد والسمن.. إذن كان الكرش من لوازم الرجل «المز» الذى تهفو إليه أفئدة النساء اللائى يحلمن بنظرة عطف منه, وإذا يوم طرق باب إحداهن طالبا يدها فقد ملكت الأرض وما عليها, فتزينت وتعطرت وارتدت ما على الحبل من ثياب, حتى إذا سألها وليها إن كانت تقبل بهذا الرجل المكور عريسا صمتت فى خجل, فيبقى السكوت علامة الرضا! ذاك عهد مضى, أما اليوم فقد أصبح الكرش سبة فى جبين حامله, ولأننى واحد من هؤلاء الذين ابتلاهم الله ببروز عجيب فى البطن, فقد أصبحت كما الزيتونة مرشوق فيها خلة, فلست عريض المنكبين أو ضخم الجثة. ذلك سبب لى مشكلة كبرى تحولت لازمة نفسية، دفعتنى للسعى الى الخلاص من الكرش ، وكأننى قاتل يحاول إخفاء معالم جريمته.. فكرت ..وأخذت أفكر وأفكر, حتى استقر فى وجدانى أنه لا سبيل إلا الحبوب المذيبة للدهون, فمحسوبكم كسول والتفكير فى ممارسة رياضة او الذهاب لصالة جم من اجل القضاء على ما تراكم حول بطنى من شحم حتما هو ضرب من ضروب اضاعة الوقت. ولأن الكسل قد انسحب على كل حياتى وتفكيرى، فقد آثرت شراء دواء مذيب للدهون من خلال احد المواقع الاليكترونية ليأتينى حتى باب البيت دون استشارة طبيب أو حتى سؤال صيدلى قريب! المهم, جاء الدواء وبدأت الرحلة, وكل يوم كنت ابتلع حبتين منه قبل الإفطار وقبل الغداء وقبل مرور أسبوع كنت قد فقدت نحو خمسة كيلوجرامات من وزنى.. أكاد أسمعك تقول «طيب كويس».. لكن لا يا صديقى فمع ما فقدت من دهون كدت افقد حياتى كلها, والسبب؟.. آه, إنها تلك الأعراض الجانبية للدواء الذى تنتجه واحدة من كبريات الشركات الأجنبية, مثل ضيق فى التنفس وجفاف الحلق وسرعة ضربات القلب وهمدان فى الجسد كله ودوار والأخطر.. آلام فى الرأس ووجع فى المخ افقدني الوعى والإدراك استمر لأيام رغم توقفى عن تعاطى تلك الحبوب.. وأخيرا, إذا كان العرب يقولون «إنفك منك وإن كان اجدع», فانا أقول «كرشك منك وإن كان اجدع».