قبل عامين فقط.. كان الصيادون المصريون يخترقون المياه الإقليمية التونسية، ويصطادون فيها دون أن يطلق عليهم خفر السواحل التونسى النار.. وإذا حدث وأن القى القبض على بعضهم، كانت السلطات هناك ترحلهم إلى بلادهم دون التعرض لهم بأذى من قريب أو بعيد.. هذا ما كان يحدث أثناء حكم الرئيسين المخلوعين التونسى زين العابدين بن على، والمصرى حسنى مبارك.. أما الآن وبعد صعود الإخوان المسلمين وسيطرتهم على مقاليد الأمور فى البلدين، فقد اختلف الوضع تماما.. أصبح التونسيون يتعاملون مع أشقائهم المصريين بالنار والبارود، وكأن إخوان مصر اتفقوا مع إخوان تونس على إراقة دم الغلابة.. وما حدث مع صيادى قرية «برج مغيزل» التابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ خير دليل على ذلك..حيث أطلقت قوات حرس الحدود التونسية النار على الصيادين المصريين بلا رحمة فقتلت عددا منهم وأصابت آخرين، وتركت لأهلهم الحسرة والحزن فى ظل تجاهل الحكومة المصرية التام لهم.. محقق «فيتو» انتقل إلى القرية المنكوبة والتقى عدداً من اهالى الضحايا ورصد مأساتهم فى السطور التالية: كانت البداية من منزل الصياد «أيمن أحمد حمدى» الذى خيم عليه الحزن.. والتقى المحقق أرملته الشابة «حسنة شعبان» التى تحدثت بكلمات تقطر ألما وحزناً مع المحقق قائلة: «زوجى رجل بسيط.. ضاق به الرزق فى بلده، فخرج الى السواحل التونسية مع عدد كبير من زملائه الصيادين بحثا عن لقمة العيش، ولكنه خفر السواحل التونسية أمطره بالرصاص فعاد إلينا جثة هامدة.. مات أيمن وتركنى وطفلتيه (شهد –عامان-، ونور – ثلاثة أشهر) بلا عائل فى هذه الدنيا».. انهمرت دموعها غزيرة ولم تستطع المواصلة.. وبعد أن هدأت قليلا استطردت: «فى البداية أخبرنى أحد الصيادين بأن أيمن مصاب إصابة خفيفة وفى طريقه الى منزله.. وبعد يومين فوجئت بسيارة تحضره جثة هامدة فى صندوق خشبى.. نحن غلابة وابنتى نور تعانى من عيب خلقى منذ ولادتها وننفق على علاجها مبالغ طائلة، والآن رحل زوجى ولا أدرى ماذا أفعل معها ولا كيف أدبر نفقات علاجها».. واتهمت الحكومة المصرية وخصوصا وزارة الخارجية بالتواطؤ والتقصير فى حماية المصريين والحصول على حقوقهم، وقالت: «دم زوجى فى رقبة الحكومة والرئيس مرسى».. ثم انخرطت فى بكاء مرير ولم تستطع مواصلة الحديث. التقى المحقق أيضا بزوجة عم القتيل وتدعى «كريمة على نصار» التى بادرت بقولها: «انتخبنا الرئيس محمد مرسى حتى ينصفنا ويعيد لنا حقوقنا، ويوفر لنا لقمة عيش كريمة فى بلدنا.. ولكنه حتى الآن لم يفعل شيئا واكتفى بالخطب الرنانة.. فاضطر أيمن وزملاؤه للإبحار نحو السواحل التونسية للصيد هناك، وغاد أشلاء فى صندوق خشبى.. الأمر المستفز والذى يؤكد أن الدماء المصرية رخيصة وبلا قيمة حتى عند المسئولين المصريين أنفسهم، هو أن الخارجية التونسية أكدت لنظيرتها فى مصر أن سبب الوفاة هو مرض خطير، فى حين أن جثمان أيمن تلقى 15 طلقة فى أماكن متفرقة بعضها فجر رأسه، ورغم ذلك لم يتحرك احد وكأن الذى مات بلا قيمة».. كريمة أضافت أن أيمن ترك زوجة شابة وطفلتين صغيرتين وأب مسن، وأم لا تقوى على الحركة بعد أن أصابها الخبر المشئوم بصدمة عصبية حادة، وطالبت كل صاحب ضمير حى من المسئولين بالقصاص له، وإعادة الحق الى أصحابه فى أسرع وقت..أما والد زوجة القتيل ويدعى «شعبان احمد».. فتحدث قائلا: « مأساة زوج ابنتى ستتكرر كثيرا فى المستقبل طالما الدولة لا توفر الحماية اللازمة لأبنائها أو مصادر الرزق التى تغنيهم عن الإبحار خارج الحدود.. وعلى الرئيس محمد مرسى ان يتحرك بسرعة ويجد حلولا عاجلة وجذرية لمشاكل «برج مغيزل».