«ميزان العدل اختل.. والسبب رجال العدالة أنفسهم».. هذه المقولة الصادمة تحولت إلى حقيقة واقعة فى واحدة من أخطر قضايا الفساد.. أبطالها قضاة ومستشارون ورجال أعمال.. استغلوا نفوذهم ومناصبهم واستولوا على مساحة شاسعة من بحيرة المنزلة وجففوها وزرعوها بالأعمدة الخرسانية ليجنوا من ورائها مكاسب بمئات الملايين.. محقق «فيتو» ومن خلال مصادره الخاصة استطاع الحصول على تفاصيل تلك القضية ويرصدها فى السطور التالية: الحكاية بدأت فى اول ايام عام 1987، وقتها تم تأجير مزرعة سمكية فى بحيرة المنزلة مساحتها 72 فدانا لمواطن يدعى «على غباشى» فى قرية شطا بمحافظة دمياط.. وتم إنشاء البنية الأساسية بها وانتجت أنواعا مختلفة من الأسماك، تم طرحها فى السوق المصرى، وظلت لأكثر من 16 عاما تسهم فى انعاش الاقتصاد المصرى.. وفى يوم التاسع من ابريل عام 2003 تم تأجير المزرعة لمجموعة من رجال القضاء والاعمال.. هؤلاء لم يكن هدفهم تطوير المشروع ورفع كفاءتها الانتاجية، وإنما ردم المزرعة وتحويلها الى مبان سكنية واستثمارها عقاريا، لذلك اهملوها وتقاعسوا عن صيانتها وضعف الانتاج تدريجيا.. وفى عام 2007 توقف الانتاج نهائيا وبدأ المستأجرون الجدد فى تجفيف وردم مساحات كبيرة من المزرعة تدريجيا، وزراعتها بشتلات الزيتون.. قررت هيئة الثروة السمكية فسخ عقد الإيجار بعد ان حررت محاضر عديدة وأصدرت قرارات إزالة مختلفة.. وكلما تم تنفيذ قرار كان المستشارون والقضاة يستغلون نفوذهم ويعتدون على المزرعة مرة اخرى وبإصرار شديد. ظل الامر على هذا الحال واستغل المعتدون حالة الفوضى الادارية فى البلاد وانتشار الفساد وجففوا المزرعة السمكية تماما وردموها ومدوا شبكات رى بها وزرعوها وأقاموا عليها مباني خرسانية وتصدوا لقرارات الإزالة الصادرة ضدهم ، وتسببوا فى نقل الدكتور احمد المزين رئيس الادارة المركزية لمنطقة الثروة السمكية بدمياط، الى ديوان الهيئة بالقاهرة عقابا له على الاجراءات التى اتخذها ضدهم.. وبعد ان اطمئنوا لعدم تعرض الثروة السمكية لهم مجددا، تقدموا الى الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية لتقنين اوضاعهم، وتم رفض الطلب لعدم صلاحية الارض للزراعة بسبب ارتفاع نسبة الاملاح بها.. أصحاب النفوذ لم يقبلوا بالامر الواقع واستطاعوا تشكيل لجنة عليا برئاسة المهندس رضا اسماعيل وكيل اول وزارة الزراعة وقتها ووزير الزراعة الحالى، وبعد المعاينات اللازمة رفضت اللجنة طلب تقنين الاوضاع أيضا، غير ان وزير الزراعة الاسبق امين أباظة استغل منصبه، وألزم هيئة التعمير بتحرير عقود بيع لأصحاب النفوذ المعتدين على بحيرة المنزلة.. وتنفيذا لتلك التعليمات قامت لجنة من مديرية المساحة بدمياط بإجراء الرفع المساحى للأرض بتاريخ 12 يناير 2008، وأثبتوا فى محضر الرفع بيانات مخالفة منها: ان الارض داخل زمام قرية شطا بدمياط، فى حين انها جزء من بحيرة المنزلة، وانها خاضعة لولاية هيئة التعمير فى حين انها تابعة للثروة السمكية. ورغم تلك المخالفات ورفض وزارة الرى بيع المساحة المشار اليها، ورغم تقارير عدم صلاحية الارض للاستزراع النباتى وعدم العرض على رئيس الوزراء لحسم هذا الخلاف، ورغم ثبوت تزوير بعض المستندات فى ملف القضية، نجح أصحاب النفوذ من القضاة والمستشارين ورجال الاعمال فى الحصول على موافقة الجهات المختصة على بيع نحو 46 فدانا وذلك فى شهر يونيو الماضى، رغم ثورة المصريين على الظلم والاستبداد والاطاحة بروءس الفساد.. واليوم يفرح أصحاب النفوذ بنصرهم ويخرجون ألسنتهم لشرفاء الوطن.