من حقك أن تطرح فكرة أو تطلق تصريحًا لكن وحدك تتحمل نتيجته لا أن تلصقه بمفكر أو شخصية معروفة، خصوصًا إذا كان هذا الشخص قد انتقل إلى جوار ربه. دعوة الكاتب الصحفى شريف الشوباشى للنساء بخلع الحجاب من خلال تدوينة كتبها على «فيس بوك»، مستندًا لما أسماه دعوة مماثلة للراحلة هدى شعراوى عام 1923، جعلت الكثير ينتقدون هذا الاستناد، خصوصًا أن «شعراوي» لم تذكر مثل هذا الشيء في مذكراتها أو كتاباتها. دعوة «خلع الحجاب» لم تثر جدلًا واسعًا حولها بقدر أنها جاءت مستندة إلى ما قال شريف الشوباشى «صاحب مليونية خلع الحجاب» إن «هدى شعراوى» نفسها قالت في مذكراتها إنها دعت لخلع النقاب الذي يخفى هوية المرأة، وكان غير مسموح للمرأة وقتها الخروج بدونه. لكن الحقيقة أن «شعراوي» رفعت النقاب عن وجهها عام 1923، أثناء استقبالها الزعيم الراحل سعد زغلول لكنها لم تدع يومًا لخلع الحجاب كما يشيع عنها البعض. «شعراوي» أضافت في مذكراتها: «ورفعنا النقاب أنا وسيزا نبراوى، وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتى الوجه، وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو ظاهرًا لأول مرة بين الجموع فلم نجد له تأثيرًا أبدًا لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو سعد متشوقين إلى طلعته». مذكرات «شعراوي» أكدت كذلك أنها لم تخلع الحجاب كما ادعى الشوباشى لكن رفعت النقاب عن وجهها، والذي كان يطمس هويتها في المجتمع، فضلا عن محاولات إحداث توازن بين الدعوة ل«حقوق المرأة، واحترام حقها في التدين» من جهة، ودعت في الوقت نفسه لإعطاء المرأة حقوقها وفقًا للشريعة الإسلامية. وانتقد كثيرون تشبيه دعوة «الشوباشي» لخلع الحجاب بدعوة «شعراوي» لرفع النقاب أو ما كان يسمى «البرقع»، مشيرين إلى أن الفرق هو أن المجتمع في عصر شعراوى كان يلزم المرأة بارتداء غطاء الوجه ولم يكن مسموحًا لها اجتماعيًا وقتها أن تسير في الشارع دون النقاب أو «البرقع» كما كان يطلق عليه. وبالتال لذا فإن دعوة «شعراوي» كانت لها هدف وهو المطالبة بحقوق المرأة المفقودة وقتها، والسماح لها بالانخراط في المجتمع والإفصاح عن هويتها واكتساب باقى حقوقها التي حرمت منها مثل الوصول إلى مرحلة التعليم الجامعي، والمشاركة السياسية والتعبير عن رأيها. فيما استنكر كثيرون تبرير «الشوباشي» الدعوة ل«خلع الحجاب» بتوجيه ضربة لتيار الإسلام السياسي، وفى الوقت نفسه لم تكن دعوة شعراوى ترتبط بأى أحداث سياسية بل كان كل هدفها تحرير المرأة من قيودها فقط. «هدى شعراوي» كانت على رأس المناضلات السياسيات أثناء ثورة 1919، فهى نور الهدى محمد سلطان المولودة عام 1879بمحافظة المنيا في صعيد مصر، وابنة رئيس المجلس النيابى الأول في مصر في عهد الخديوِ توفيق. في مذكراتها، ذكرت «شعراوي»: «كرهت أنوثتى في صغرى بسبب حب والدتى الكبير لأخى الأصغر، كما أننى لم أتمكن من ممارسة الألعاب الرياضية كالذكور»، مشيرة إلى أنهم في المنزل كانوا يفضلون دائمًا أخاها الصغير في المعاملة، ويؤثرونه عليها، وكان المبرر الذي يسوقونه إليها أن أخاها هو الولد الذي يحمل اسم أبيه وهو امتداد الأسرة من بعد وفاته، أما هي فمصيرها أن تتزوج أحدًا من خارج العائلة، وتحمل اسم زوجها. وكان لزواجها من ابن عمتها «على شعراوي» تأثير كبير في حياتها، كما أثر دور زوجها في ثورة 1919 على نشاطها السياسي فقادت أول تظاهرة نسائية خلال الثورة نفسها، وبدأ كفاحها في 16 مارس 1919، عندما خرجت على رأس تظاهرة نسائية من 300 سيدة مصرية للمناداة بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، وخرجت لتواجه بنادق الجنود الإنجليز. ووقفت التظاهرة نحو ساعتين أمام الجنود الإنجليز الذين وجهوا حرابهم لصدورهن وتقدمت إحدى المتظاهرات وهى تحمل (علم مصر) إلى جندى وقالت بالإنجليزية: «نحن لا نهاب الموت، أطلق بندقيتك إلى صدرى لتجعلنى (مس كافيل أخرى) فخجل الجندي، وتنحى للسيدات عن الطريق وجعلهن يعبرن». ومس كافيل - ممرضة إنجليزية، أسرها الألمان في الحرب العالمية الأولى وأعدمت رميًا بالرصاص، وكان لمقتلها ضجة كبيرة في العالم. شهدت التظاهرة التي قادتها هدى شعراوي، ضد الاحتلال البريطاني، سقوط أول امرأة في التظاهرات، ومنذ 16 مارس 1919 تحتفل المرأة المصرية فيه باعتباره يوم المرأة المصرية. وأسست هدى شعراوى «لجنة الوفد المركزية للسيدات»، وأشرفت عليها، كما أسست جمعية باسم الاتحاد النسائى المصرى بهدف رفع مستوى المرأة الأدبى والاجتماعى والوصول به إلى حد يجعلها أهلًا للاشتراك مع الرجال في جميع الحقوق والواجبات. كما طالبت «شعراوي» برفع سن الزواج للفتاة إلى 16 سنة على الأقل، وطالبت بسن قانون يمنع تعدد الزوجات، إلا للضرورة، وقالت في مذكراتها: «ويكون للزوج حق الزواج بثانية إذا كانت الأولى مُصابة بالعقم، أو بمرض غير قابل للشفاء، ويمكننا القول إن الشرع لم يبح تعدد الزوجات لإرضاء شهوات الزوج، ولكن لإصلاح ذات البين، وعدم وقوع مشاكل عائلية». «شعراوي» أول من دعت لحق المرأة في التصويت بالانتخابات، وطالبت بحق المرأة في التعليم، واستكمال دراستها حتى التعليم العالى (على الأقل)، ونجحت في إقناع الجامعة المصرية بتخصيص قاعة للمحاضرات النسوية، للدفاع عن حقوق المرأة والدعوة للمساواة بين الجنسين. هذه هي هدى شعراوى التي يتحدث عنها البعض بأنها طالبت بخلع الحجاب لكن هذا لم يحدث بل رفعت النقاب، الذي لم يجبرها أحد على رفعه، ولم تطالب أحدًا برفع الحجاب أو النقاب، فما هو أثر وإنتاج الشوباشى سياسيًا ووطنيًا وفكريًا وأخلاقيًا؟