الباحث والمفكر المهندس محمد عصمت سيف الدولة رئيس حركة «ثوار ضد الصهيونية» والمستشار السابق للرئيس مرسى تحدث فى صالون «فيتو» عن أسباب التبعية المصرية للولايات المتحدةالأمريكية, وأكد فى حديثه ان امريكا وضعت "كتالوج" لحكم مصر, يتكون من خمسة ابواب رئيسية, ولابد أن يلتزم بها أى نظام يحكمها مهما كانت أيديولوجيته, مشددا على أن أمريكا لا يعنيها من يحكم مصر إسلاميا أو ليبراليا أو غير ذلك. سيف الدولة قال إن أهم محور فى قضية التبعية المصرية للولايات المتحدةالأمريكية هو شعار «الشعب يريد إسقاط النظام», مؤكدا أن هذا الشعار به مشكلة لأن القوى الثورية غير متفقة على النظام الذى تريد إسقاطه, لأن النظام الذى ثرنا عليه فى 25 يناير 2011, تاريخ ميلاده 18يناير 1974وهو تاريخ اتفاقيات فض الاشتباك الأول, وامتد هذا النظام من 1974 الى 2011ويحاول تجديد نفسه بعد الثورة. هذا النظام صنعته الولاياتالمتحدةالامريكية وحلفاؤها فى اوروبا الغربية واسرائيل وكان هدفهم تفكيك مصر,-التى نجحت فى حرب اكتوبر 1973- «صامولة صامولة, ومسمار مسمار», بحيث تكون مصر غير راغبة فى الحرب مع اسرائيل مرة اخرى. وتابع سيف الدولة قائلا: «واذا رغبت مصر فى الحرب, تكون عاجزة لأن حرب 73 كانت صدمة كبرى للغرب واسرائيل, ولذلك ضغطوا على القيادة السياسية آنذاك ونجحوا فى ترتيب مصر وفقا ل«كتالوج» امريكى لحكمها, جعل وظيفة مصر الرئيسية فى المنطقة حماية أمن إسرائيل والمصالح الامريكية, بحيث اذا تم وضع امتحان فى عام 2050 فى مادة التاريخ لطلبة الثانوية العامة, ماذا كان الدور الرئيسى لمصر منذ عام 1974حتى عام 2011 ستكون الاجابة الرئيسية حماية أمن اسرائيل والحفاظ على المصالح الامريكية هى المهمة الرئيسية, وما دون ذلك فهو فرعيات». «أمريكا وضعت "كتالوج لحكم مصر" مع بداية حكم مبارك يتكون هذا الكتالوج من خمسة ابواب رئيسية, لابد من معرفتها ووضع آلية للثورة عليها, من اجل الاستقلال الوطنى والتخلص من التبعية». هكذا قال المفكر عصمت سيف الدولة شارحا التفاصيل على النحو التالى: "الباب الأول.. التهديد باحتلال سيناء» وهو إبقاء مصر خائفة على الدوام من أن تخالف الولاياتالمتحدهالامريكية واسرائيل من خلال وجود «طبنجة» على رأسها اسمها «سيناء», وتم ترتيب الاوضاع فى سيناء فى عامى 74و79, بحيث تستطيع اسرائيل احتلال سيناء فى أى وقت تريد, او تلوح على الدوام باحتلالها بما يكسر ارادة صانع القرار المصرى. التبعية الامريكية بدأت وفقا لسيف الدولة, عندما وافقت القيادة السياسية بالتوقيع على اتفاقية «كامب ديفيد», حيث تنص المادة الرابعة على تنظيم الترتيبات الامنية والعسكرية, وتم تقسيم سيناء الى ثلاث شرائح طولية «أ-ب-ج», المنطقة «أ» عرضها 58 كيلو متراً بجوار قناة السويس غير مسموح لمصر, إلا ب22ألف جندى و230دبابة, وهى ربع عدد القوات التى عبرت بها مصر بدون حاجة الى معاهدة سلام بمباركة امريكية, أما المنطقة "ب" وعرضها 109 كيلو مترات, لم يسمحوا لنا فيها إلا ب4 آلاف عسكرى حرس حدود مسلحين بأسلحة خفيفة, اما المنطقة «ج» البائسة والمظلومة عرضها 33 كيلو متراً بجوار فلسطين «اسرائيل», فلم يسمحوا لنا الا بتواجد افراد من الشرطة المصرية, وممنوع تواجد اى فرد من افراد القوات المسلحة, وفى المقابل أخذوا شريط حدود داخل اسرائيل عرضه 3 كيلو مترات, وقيدوا اسرائيل بعدم وضع دبابات او مدرعات وسمحوا لها ب4 آلاف عسكرى على غرار المنطقة "ب" فى سيناء, اما بعد ال3 كيلو مترات تستطيع اسرائيل وضع ما تريد من المعدات العسكرية, وبذلك أصبحت أقرب دبابة اسرائيلية تبعد عن الحدود المصرية تقع على مسافة 3 كيلومترات فقط واقرب دبابة مصرية تبعد عن نفس النقطة مسافة 150 كيلو متراً. ولم يقتصر الأمر على ذلك, بل قرروا مراقبتنا من خلال قوات حفظ السلام الدولية, وهذه قوات لا تخضع للأمم المتحدة, فمديرها ورئيسها الدائم موظف بوزارة الخارجية الامريكية, وتتكون من 1600عنصر,40% منها قوات امريكية, والباقى من بريطانيا وفرنسا ونيوزلندا, وممنوع التواجد للصين او الهند, بالإضافة الى حظر تواجد اى قوات عربية او اسلامية, وبالتالى هى قوات حليفة لاسرائيل, وفى الوقت نفسه رفضت اسرائيل تواجد قوات حفظ سلام على اراضيها وسمحت فقط بتواجد مراقبين دوليين. «هذه الاتفاقية عوضت إسرائيل عن خروجها من مصر», هكذا قال سيف الدولة مشيرا فى هذا السياق الى انه فى 2008 القى وزير الأمن الاسرائيلى محاضرة تم تسريبها للاعلام قال فيها: «إننا خرجنا من سيناء بضمانات امريكية للعودة اليها فى حالة تغيير النظام فى مصر لغير صالح اسرائيل", وعندما تم سؤاله عن هذه الضمانات قال: «وجود 150كيلو متراً من سيناء مجردة من القوات المسلحة المصرية, بالاضافة الى ان قوات حفظ السلام حليفة لاسرائيل ولاتخضع للامم المتحدة», وبذلك فإن الباب الاول من "الكتالوج" الامريكى ينص على ان يظل اى نظام حاكم لمصر فى حالة رعب من احتلال سيناء فى حال مخالفة التعليمات الامريكية الاسرائيلية. "الباب الثانى.. بيع القطاع العام" صناع القرار فى أمريكا واسرائيل كان يشغلهم دائما من هى الجهة التى مولت مصر فى حرب اكتوبر 73 بعد ان نجحت اسرائيل فى توجيه ضربة قاسية لمصر فى عام 67, وكانت الاجابة «القطاع العام المصرى», وبالتالى صدرت تعليمات أمريكية ببيع القطاع العام المصرى تحت شعار ما يسمى بالخصخصة, وهذا لم يتم بصفته قراراً مصرياً هدفه الارتقاء بالاقتصاد المصرى, لكنه كان قرارا حربيا أمريكيا بأنه يجب ان تجرد مصر من قدرتها على تمويل أى حرب جديدة مع اسرائيل, وبالتالى تم بيع القطاع العام وتسليم الاقتصاد المصرى ل"الديانة" فى نادى باريس وصندوق النقد الدولى وتشكيل الاقتصاد المصري, بما يحقق رغبات امريكا, وأولها التبعية وضرب الصناعة الوطنية ومراقبة حركة الاموال والتمويلات المصرية واستبدل النظام الاقتصادى, الذى نجح فى حرب اكتوبر بنظام من صناعة صندوق النقد الدولى, واستبدال قدرة القطاع العام فى تمويل المجهود الحربى بمعونة امريكية اقتصادية وعسكرية قيمتها 1.3 مليار دولار أمريكى مقابل 2.5 مليار دولار لاسرائيل, كانت نتيجتها ان اصبح الميزان العسكرى لصالح اسرائيل وتكهين السلاح الروسى لدرجة اننا اصبحنا نستورد 80% من الاسلحة من امريكا, تستطيع الجيوش الامريكية تعطيلها بالكمبيوتر عن بعد, كما فعلت فى حرب العراق. "الباب الثالث.. المشروع والمحظور" شروط وضعتها امريكا لمن يحكم مصر ولمن يكون فى المعارضة الرسمية ايضا– بحسب سيف الدولة- أولها أن يضع السلام مع اسرائيل فى برنامجه وان يلتزم ب«أمن اسرائيل», والشرط الثانى يحظر على اى حزب او تيار ان يرفض الاعتراف بإسرائيل او يصر على انها فلسطين او يرفض اتفاقية السلام, وفى هذا الاتجاه صدر أول قانون للأحزاب فى مصر عام 78, ويشترط أن يكون أى حزب موافقا على معاهدة السلام, وظل هذا القانون حاكما حتى اصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارا بعدم دستورية هذا القانون فى اوائل التسعينيات. وتحت هذا المسمى تمت تصفية كل التيارات القومية والاشتراكية والوطنية, وتمت محاصرة التيار الاسلامى وكل التيارات التى كانت ضد اتفاقية كامب ديفيد, وتمت محاصرتها وحظر تعاملها مع الرأى العام لدرجة انهم تحكموا فى إذاعة القرآن الكريم, وتم عمل مونتاج على الآيات التى تقرأ ولا تقرأ. ولأن الجامعة وحركتها الطلابية كانت عامل ضغط قوى على السادات للتعجيل بقرار الحرب, ضغطت امريكا لتجميد حركتها, وبالتالى صدر قرار بإغلاق العمل السياسى فى هذا المكان, وليس صدفة ان تصدر اللائحة الطلابية سيئة السمعة عام 79, التى حظرت ممارسة العمل السياسى فى الجامعة حتى يحرم على الطلبة المصريين حتى الآن من معرفة ما يدور حولهم, وكان الهدف الامريكى اغلاق مفرخة الشخصيات الوطنية. «الباب الرابع.. طبقة صديقة لأمريكا» عملت الولاياتالمتحدةالامريكية على خلق طبقة صديقة لها بحكم المصالح من خلال المعونة الاقتصادية التى بلغت 815 مليوناً وتم من خلال هذه المعونة اختيار مجموعة من الشخصيات للتعاقد على عدد من المشروعات ونجحت خلال ال 30عاما ان تصعد بهم؛ ليمثلوا طبقة شديدة القوة من خلال المعونة, ومن خلال التشريعات الفاسدة ان تسيطر على مصر ولا تزال حتى الآن على المستوى الاقتصادى. واضيف الى ذلك برنامج الاستيراد السلعى الامريكى, وكان ينص على ان من حق رجال الاعمال ان يستوردوا ما يريدوه من امريكا بفائدة 1.5% على مدار 3سنوات, اى 5.% سنويا فى وقت كانت الفائدة فيه فى البنوك المصرية 15%, وهذا ترتب عليه تكوين ثروات طائلة, فضلا عن تعويم الجنيه, واصبح الدولار ب6جنيهات فى ثلاثة ايام, والاكثر من ذلك ان امريكا سربت الخبر لرجال الاعمال التابعين لها فى مصر, ما ادى الى تزايد ثرواتهم بطريقة كبيرة جدا. ولم يكتفوا بذلك, لكنهم قاموا بضرب التعليم الوطنى واستبدلوه بالتعليم الاجنبى ثم قاموا بضرب قاعدة المساواة الوحيدة بين المصريين وهو «مكتب التنسيق», وذلك بالتعليم الخاص الذى دمر التعليم فى مصر, واصبحت الطبقة التى صنعتها امريكا تسيطر على غالبية الاموال داخل البنوك المصرية وعلى وسائل الاعلام, بحيث اصبح 10 اشخاص قبل الثورة يتحكمون فى ماذا يقرأ الشعب المصرى غدا. "الباب الخامس.. تصفية عناصر الوعى» كان لابد من تصفية كل عناصر الوعى والثقافة والهوية لدى المصريين, كى يتمكنوا من أمركة مصر وصهينتها, ومورست هذه المسألة بعدة طرق, مثل: حظر إنشاء الاحزاب وتزوير الانتخابات.. الخ. وتحولت مصر الى مقاول باطن اقليمى تحت اشراف الولاياتالمتحدةالامريكية, تكلف بعدد من المهام وتنفذها, وحدث ذلك فى حرب تحرير الكويت, وفى الضغط على منظمة التحرير للاعتراف باسرائيل. «بعد الثورة كنا نتوقع اننا سنتحرر من الكتالوج الامريكى ونظام مبارك, لأن نظام مبارك لم يكن فقط مستبدا او فاسدا ولكنه كان فى الاساس تابعا لامريكا», هكذا قال المفكر عصمت سيف الدولة, منتقدا الصراع الراهن على السلطة, مؤكدا ان الحاكم الرئيسى فى مصر الآن هو الولاياتالمتحدةالامريكية, التى كانت تحكمها قبل الثورة, مشيرا الى ان امريكا استطاعت القضاء على جميع التيارات, ولم يبق سوى التيار الاسلامى الذى كان له صولاته وجولاته ضد امريكا واسرائيل قبل الثورة, ولكن بعد الثورة اتخذ موقف عدم الاقتراب من الكتالوج الامريكى خوفا من ان تضع الولاياتالمتحدهالامريكية "فيتو" عليه, فاختار ارسال تطمينات لامريكا بدلا من تنفيذ مشروعه بحجة ان الوقت غير مناسب للدخول فى معارك خارجية قائلا: «علينا ترتيب البلاد اولا ونحول الثورة الى دولة». الذى ساعد التيار الاسلامى على ذلك وفقا لسيف الدولة هو ان التيارات المعارضة لم تطرح ايضا الاجندة الوطنية, وكأن الجميع قرر رغم صراعاته البعد عن اغضاب الولاياتالمتحدةالامريكية.