وصلتني رسالة من سيدة تقول: كنت أعمل في إدارة أحد المستشفيات، تقدم لخطبتي شاب كان يتردد على المستشفى مرافقًا لوالدته، ومع أنه وسيم وميسور الحال فإن أهم ما أعجبني فيه هو بره بوالدته وحرصه على خدمتها ورضاها بالرغم من أنه مشغول بأعماله ومشاريعه. تزوجنا وبالفعل وجدته كريم الأخلاق حسن الطباع يحسن معاملتي، رزقنا الله بابنة وابن، إلا أننا اكتشفنا بعد إجراء الفحوصات الكاملة أن ابنتي مصابة بشحنات كهربائية زائدة في المخ، لذلك فهي تحتاج لرعاية فائقة، أما الولد فالحمد لله بصحة جيدة. أعيش في سعادة ورضا بالرغم من أنني أتحمل مسئوليات حياتنا بمفردي، فزوجي أعانه الله يكفيه ما يحمل من أعباء عمله وبره بوالدته التي أفنت حياتها في تربية أولادها بعد وفاة زوجها، اشتد مرض والدة زوجي في الفترة الأخيرة، تدهورت حالتها وبدأت تظهر عليها أعراض الزهايمر، فاتفق أبناؤها على أن يستضيفها كل واحد منهم عنده شهرًا. وبدأت رحلة تنقلها بين أبنائها الثلاثة، كنت أرعاها وهي عندي بمنتهى المودة والحب، على الرغم من ثقل حملي، لدرجة جعلتها ترفض الذهاب عند باقي أبنائها وزوجاتهم، واستمروا فى هذا الأمر فاتفقوا أن تبقى عندنا، وكانوا يأتون لزيارتها بشكل مستمر فأصبحت أتحمل عبء استقبالهم كضيوف، وأضطر للسهر بجانبها طوال الليل فهي تحتاج رعاية خاصة كالأطفال وزيادة، أنا أحبها وأشفق عليها، ويحزنني ما وصلت إليه، لا أشتكي ولكن حملي أصبح ثقيلا لدرجة أنهكتني فكيف أتصرف؟ ولصاحبة الرسالة أقول: أختي الفاضلة، اختيارك لزوجك من البداية وموافقتك على الارتباط به كانت بدافع أنه بار بأمه ولأن الأخلاق لا تتجزأ، فزوجك رجل طيب يحبك ويحسن معاملتك، وهذه السيدة المسكينة هي أمه التي يحبها ويحنو عليها، ويتألم لحالها ويدرك أنه الوحيد في أبنائها الذي يحمل همها حقا، لذلك فإن إحسانك لأمه ورعايتك لها ستخفف عنه بعض الشيء، وصدقيني إن قلت لك إنه سيحمل جميلك هذا طوال العمر ولن ينسى صنيعك أبدًا، لأنه إنسان أصيل، وهو أكثر إنسان في الدنيا يعرف كم تتحملين من مشقة سواءً في رعاية ابنيكما وباقي أمور الحياة أو في رعايتك لوالدته. أما عن إخوة زوجك فهؤلاء مساكين يستحقون الشفقة، لا يدركون أن الحياة اختبار واختيار وهذا اختيارهم، اختاروا التخلي لا التحلي، التحلي بالخلق الطيب والعمل الصالح، اختاروا أن يتخلوا عن أمهم التي أفنت حياتها من أجلهم، تخلوا واستغنوا عن الأجر، وتخلوا واستغنوا عن بر أبنائهم، ونسوا أن "كله سلف ودين" وتجاهلوا "كما تدين تدان" اختاروا الراحة والسعادة المؤقتة، وسيندمون وقت لا ينفع الندم، لذلك لا تقارني نفسك وزوجك بهم، ولتؤديا أنتما ما يمليه عليكما ضميركما، ولا تحملي نفسك عناء مضايفتهم لأنهم ليسوا ضيوفا. أدرك جيدًا أنك لا تشتكين ولا تقصدين التخلي عن أم زوجك. أنت تحتاجين من يعاونك ويحمل معك هذه المسئولية، ولا يمكن أن يطالبك عاقل بتحمل مالا تقدرين تحمله لذلك أقترح أن تستعيني بممرضة تساعدك وتقوم برعايتها معك ويكون دورك هو الإشراف عليها لتتأكدي أنها أمينة عليها، بل يمكنك الاستعانة بواحدة للفترة الصباحية وأخرى للمساء، ووصيتي لك هي الرضا والاستعانة بالله فهو مدبر الأمر كله، وتذكري قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } سورة البقرة (153) اعلمي أن مثل هذه الأمور يثاب المرء عليها في الدنيا والآخرة، ستجدين خيرًا كثيرًا في حياتك وبركة في أولادك، إن شاء الله [email protected]